تسبب الارتفاع الكبير في أسعار اللحوم بالعراق، في اللجوء إلى المستوردة، ومنها الأسترالية، التي باتت تُشكل نسبة كبيرة من مبيعات السوق المحلية، ويعتمد عليها غالبية أصحاب المطاعم ومحال الأغذية، بسبب انخفاض سعرها، قياساً بأسعار اللحوم المحلية.
وبحسب تجار فقد ارتفعت أسعار لحوم الأغنام والأبقار في عموم محافظات العراق، حيث يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد بين 23 و24 ألف دينار (نحو 16 دولاراً).
في حين يرى مختصون، أن ارتفاع الأسعار سببه الجفاف وغلاء العلف الحيواني، بالإضافة إلى الطلب المتزايد على اللحوم، كونها مادة أساسية ضمن المائدة العراقية.
ونتيجة لارتفاع أسعار اللحوم، قرر المجلس الوزاري للاقتصاد في العراق، الثلاثاء الماضي، تخفيض الرسوم الجمركية على المواشي والأغنام المستوردة بنسبة 50% ولمدة سنة واحدة.
وذكر المكتب الإعلامي للمجلس، في بيان، أنه تمت الموافقة على طلب وزارة الزراعة باستيراد المواشي، كما تمت الموافقة على تخفيض الرسوم الجمركية على الحيوانات الحية المستوردة لأغراض الذبح والتربية (المواشي والاغنام) بنسبة 50% ولمدة سنة واحدة.
خطط وزارية
وأكدت دائرة البيطرة التابعة لوزارة الزراعة العراقية، دخول أعداد كبيرة من العجول المستوردة لأغراض الذبح إلى البلاد.
وقال مدير عام دائرة البيطرة، ثامر حبيب حمزة، لـ "العربي الجديد"، إن أسباب ارتفاع أسعار اللحوم المحلية بالرغم من أنها تخضع للعرض والطلب، تعود إلى جشع التجار من جهة، فضلاً عن ارتفاع أسعار الأعلاف من جهة أخرى.
وأضاف حمزة أن أسعار اللحوم المستوردة هي الأخرى ارتفعت بسبب اضطراب الوضع العالمي، خاصة بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في فلسطين، وما يشهده البحر الأحمر من توتر أمني، مما أدى إلى تقليل استيراد الحيوانات والمواشي.
وأشار إلى أن وزارته أعدت خطة تسمح بدخول هذا النوع من المواشي المستوردة لأغراض الذبح إلى البلاد، بهدف اللجوء إلى بدائل من شأنها خفض أسعار اللحوم خلال الفترة المقبلة، خاصة مع حلول شهر رمضان الفضيل.
الاستيراد من أستراليا
تحدث عدد من الجزارين وتجار المواشي لـ "العربي الجديد"، عن معاناتهم من ارتفاع أسعار المواشي التي أدت إلى الارتفاع الكبير في أسعار اللحوم، وأن عددا كبيرا من الجزارين أغلقوا محالهم بسبب غزو اللحوم الأسترالية للسوق العراقية.
وقال جزار من بغداد، صفاء صالح، لـ"العربي الجديد"، إن سعر كيلوغرام لحم العجل تجاوز سعره 20 ألف دينار، فيما تجاوز سعر كيلوغرام لحم الخروف 24 ألف دينار (الدولار = نحو 1310 دنانير)، وهذا الارتفاع الكبير بلغت نسبته 90 إلى 100%، قياساً عما كانت عليه أسعار اللحوم في نفس الوقت من العام الماضي.
وأوضح صالح، أن المواطنين لجأوا إلى اللحوم المستوردة، ومنها الأسترالية التي بلغ سعر الكيلوغرام الواحد منها 10 آلاف دينار، على الرغم من أن هذه الأنواع لا تتناسب مع ذوق المواطن العراقي.
وأكد أن عدداً من الجزارين أغلقوا محالهم منذ أيام بسبب ارتفاع أسعار العجول والخرفان، وعدم إمكانيتهم بيع اللحوم بأسعار مرتفعة قياساً بالقدرة الشرائية لدى المواطنين، وتردّي الوضع المعيشي بشكل عام.
من جانبه، قال تاجر المواشي من الأنبار، إسماعيل محمد، لـ"العربي الجديد"، إن المواشي (الأبقار والخرفان والماعز) التي يعتمد عليها في السوق خلال هذه الأيام هي المستوردة من خارج العراق، منها الأسترالي والأفغاني والإيراني.
ولفت محمد إلى أن سعر الخروف المحلي تجاوز سعره 450 ألف دينار عراقي، (نحو 300 دولار)، وأن بيع المواشي المحلية انحسر إلى حد كبير بسبب خروج مربي المواشي إلى مناطق البر للرعي الطبيعي، وتزايد أعداد المواشي المستوردة من الخارج.
لحوم غير آمنة
من جانبه، قال مدير قسم الأمراض الوبائية في وزارة الزراعة، ثائر صبري، إن اللحوم الأسترالية الموجودة في السوق غير مرخصة، ودخلت الأراضي العراقية بصورة غير رسمية.
وأضاف صبري، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه التقى بالسفيرة الأسترالية السابقة لدى العراق، بولا غانلي، وطلب منها تحديث الشهادات الصحية للحوم والمواشي الأسترالية من أجل السماح باستيرادها بشكل رسمي، إلا أن الشهادات لم تُحدّث لغاية الآن.
وأكد أن وزارته لم توافق حتى اللحظة على استيراد المواشي واللحوم الأسترالية، وأن المواشي ومنتجات الثروة الحيوانية الأسترالية التي تغزو السوق العراقية دخلت بشكل غير قانوني، لعدم وجود ترخيص رسمي.
وأشار صبري إلى أن اللحوم الأسترالية تعتبر غير آمنة، والمستورد منها يعد مخالفاً للضوابط والقوانين الصحية النافذة في العراق، ما دامت لم تحصل على اعتماد صحي رسمي صادر عن قسم الأمراض الوبائية لدى مديرية البيطرة في وزارة الزراعة العراقية.
تلافي الأزمة
وتعليقا على تطورات الأسعار أكد الباحث الاقتصادي أحمد صباح، أن أسعار اللحوم تخضع لقانون العرض والطلب، وفق القانون الاقتصادي. وارتفاع أسعار المؤشر في السوق جاء بسبب زيادة الطلب على اللحوم من قبل المواطنين العراقيين.
وأضاف صباح لـ"العربي الجديد" أن الطلب تزايد بسبب المناسبات الدينية والاجتماعية في مثل هذه الأوقات من كل سنة، بالإضافة إلى قرب حلول شهر رمضان المبارك.
وأوضح أن عدد المواشي في العراق بلغ، وفق الإحصائيات الرسمية، 20.426.727 منها 16.520.742 هي أغنام، والباقي ماعز وبقر وجاموس وإبل. وعلى الرغم من أن هذا الرقم يعد مقبولاً، فإن عرض اللحوم المحلية قلّ إلى حد كبير.
وأرجع صباح سبب قلة عرض اللحوم المحلية، إلى عدم توفير الدولة الأعلاف اللازمة ودعم إنتاجها، فضلاً عن ضعف الرعاية البيطرية للثروة الحيوانية، وقلة المياه التي أدت إلى هجرة المربين وبحثهم عن وسائل بديلة للعيش.
وبيّن صباح أن اللحوم والمواشي المستوردة في غالبيتها لا تخضع للجدوى الاقتصادية، وقرار المجلس الاتحادي بفتح الاستيراد لا يعد حلاً جذرياً لهذه الأزمة، إنما علاج مؤقت سوف ينعكس سلباً على حجم الثروة الحيوانية العراقية، مشدداً على أهمية وضع ضوابط صارمة لدخول الحيوانات عبر المنافذ الحدودية، لما له من تأثيرات صحية واقتصادية.