- مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي متوقع أن يخفض أسعار الفائدة مرتين هذا العام، بينما يظهر البنك المركزي الأوروبي حذرًا ويشير إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة في يونيو بناءً على بيانات التضخم والأجور القادمة.
- التضخم في منطقة اليورو يتباطأ إلى 2.4% من 2.6%، مع توقعات بانخفاض مكاسب الأسعار إلى 2% أو أقل هذا الصيف، على الرغم من توقعات البنك المركزي الأوروبي بأن هذا لن يحدث حتى النصف الأخير من عام 2025.
أبقى البنك المركزي الأوروبي على أسعار الفائدة عند أعلى مستوياتها على الإطلاق، للمرة الخامسة على التوالي، متماشياً مع توقعات المستثمرين، الذين قلصوا رهاناتهم على خفض قريب لأسعار الفائدة، بعد الإعلان عن بيانات التضخم الأميركي الأخيرة، التي تجاوزت بارتفاعها التوقعات.
واستقر سعر الفائدة الأساسي لإيداع اليورو عند 4%، بينما بقيت مستويات الإقراض عند 4.75%، ومعدل إعادة التمويل الرئيسي عند 4.5% دون تغيير.
وقال البنك في بيان: "إذا كان التقييم المحدث لمجلس المحافظين لتوقعات التضخم، وديناميكيات التضخم الأساسي، وقوة انتقال السياسة النقدية تزيد من الثقة في أن التضخم يقترب من الهدف بطريقة مستدامة، فسيكون من المناسب خفض مستوى قيود السياسة النقدية الحالي".
وعلى الضفة المقابلة من الأطلسي، أي في الولايات المتحدة، أشار المستثمرون إلى أن مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) سيخفض أسعار الفائدة مرتين فقط هذا العام بدءاً من سبتمبر/أيلول، بعدما أدت جولة جديدة ساخنة من التضخم إلى ارتفاع عوائد سندات الخزانة إلى أعلى مستوياتها في العام 2024.
وبينما تراجع التضخم إلى مستوى 2% المستهدف، فإن المسؤولين الأوروبيين ليسوا مستعدين تماماً للبدء بالتراجع عن الموجة غير المسبوقة من رفع أسعار الفائدة التي أقروها لكبح جموح أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية. وقد أشار هؤلاء، بمن فيهم رئيسة المركزي كريستين لاغارد، إلى أنه سيكون لديهم المزيد من الثقة بحلول منتصف العام، خاصة في ما يتعلق بنمو الأجور.
في هذا السياق، قال كبير الاقتصاديين في ديكا بنك أولريش كاتر: "أشار البنك المركزي الأوروبي إلى أنه من المرجح جداً أن تُخفض أسعار الفائدة في يونيو، وكان من المفترض أن تعزز بيانات التضخم الأخيرة هذا الأمر. وبعد يونيو، فإن حالة عدم اليقين والمخاطر التي تهدد توقعات التضخم تدعو إلى الحذر وقد تتراجع لاغارد عن الإشارات".
ومع بدء تخفيف القيود النقدية بالفعل في سويسرا المجاورة، تحوّل النقاش في منطقة اليورو المكونة من 20 دولة إلى مدى سرعة خفض أسعار الفائدة بعد يونيو. ويفضل صناع السياسات، مثل يانيس ستورناراس في اليونان، خفضاً آخر في يوليو/تموز، في حين يفضل آخرون التوقف مؤقتاً، على الأقل حتى الاجتماع التالي في سبتمبر/أيلول.
وثمة عامل آخر يتمثل في الولايات المتحدة، حيث ينطلق مجلس الاحتياط الفيدرالي في ظل التضخم الثابت والنمو الاقتصادي القوي. وهذا ما يجعل المسؤولين حذرين بشأن التيسير قبل الأوان ويزيد من احتمال تحرك البنك المركزي الأوروبي أولاً. ورغم أن التباعد المطول لا يمثل مشكلة في حد ذاته، إلا أنه قد يؤدي إلى زعزعة أسواق العملة وتغيير أسعار المستهلك مرة أخرى.
وقد تزايدت التوقعات بشأن موعد الصيف بالنسبة للمركزي الأوروبي الأسبوع الماضي، عندما كشفت تقارير اجتماع السياسة في مارس/آذار، أن المسؤولين رأوا أن "السبب وراء النظر في تخفيضات أسعار الفائدة يتعزز". وبفضل التقدم "المشجع"، برأيهم، في ما يتعلق بالتضخم، خلصوا أيضاً إلى أن موعد التحرك الأول "أصبح أكثر وضوحاً".
لكن الأغلبية تؤيد شهر يونيو، وعندها يُنتظر أن تكون هناك أرقام إضافية حول التضخم والأجور والأرباح والإنتاجية متاحة. ويتطابق هذا الجدول الزمني مع آراء الاقتصاديين والمستثمرين بعدما خفضت الأسواق رهاناتها على خفض أسعار الفائدة.
أما وتيرة التيسير اللاحقة فهي أقل وضوحاً، حيث قالت لاغارد في مارس إن المسؤولين لا يستطيعون الالتزام بتخفيضات تتجاوز التخفيضات الأولى وشددت على نهجهم "الذي يعتمد على البيانات".
ووصف تقرير الاجتماع الأخير توقعات السوق في ذلك الوقت بأنها "تتماشى إلى حد كبير مع أساسيات الاقتصاد الكلي"، علماً أنه في 6 مارس، توقع المستثمرون تخفيضات بنحو 90 نقطة أساس عام 2024.
الخلفية الاقتصادية لسياسة الفائدة الأوروبية
لقد انخفض معدل التضخم في منطقة اليورو الشهر الماضي، حيث تباطأ إلى 2.4% من 2.6% في فبراير/شباط. كما انخفض المعدل الأساسي الذي يستثني الطاقة والغذاء إلى 2.9% من 3.1%، وهو أدنى مستوى منذ أوائل عام 2022.
ويرى بعض الاقتصاديين وصناع السياسات أن مكاسب الأسعار تتراجع إلى 2%، أو حتى أقل، هذا الصيف، رغم أن أحدث توقعات موظفي البنك المركزي الأوروبي ترى أن هذا سيحدث فقط في النصف الأخير من عام 2025، بحسب بلومبيرغ.
لكن أسعار الخدمات تنمو في الواقع بنسبة 4%، في حين تتقدم تكاليف العمالة أيضاً بما يتجاوز المتوسطات التاريخية، حتى بعد اعتدال وتيرة زيادة الأجور المتفاوض عليها في أواخر عام 2023.
على صعيد آخر، كان اقتصاد الكتلة الأوروبية يتجه نحو الركود منذ أكثر من عام. وفي حين يتوقع البنك المركزي حدوث انتعاش تدريجي يقوده الاستهلاك، لا سيما في ألمانيا، وهي الدولة الأكثر تخلفاً في المنطقة حالياً على هذا الصعيد، كشفت دراسة حديثة عن الإقراض المصرفي تراجع طلب الشركات.
وفي حين تقدر الأسواق احتمال قيام البنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة في يونيو بنحو 80%، فإنها ترى فرصة أقل من 20% لتحرك مجلس الاحتياط الفيدرالي في الشهر نفسه.
وقد أكد المسؤولون في فرانكفورت، الذين ابتعدوا عن نظرائهم الأميركيين في الماضي، مراراً وتكراراً، استقلالهم. ومنهم أولي رين من فنلندا الذي قال إن البنك المركزي الأوروبي "ليس المنطقة الفيدرالية الثالثة عشرة لبنك الاحتياط الفيدرالي".
ومع ذلك، فإن نوبة أطول من التخفيف في أوروبا من دون مثل هذا الإجراء في الولايات المتحدة ستكون لها آثار، وفقاً لرئيس كلية كوينز في كامبريدج وكاتب العمود في بلومبيرغ محمد العريان، الذي قال إن التناقض المحتمل بين وتيرة التيسير النقدي للبنك المركزي الأوروبي وبنك الاحتياط الفيدرالي "له تأثير كبير على التسعير النسبي بين أوروبا والولايات المتحدة".
وقال إنه "يمكنك أن ترى ذلك في سوق السندات، كما تراه في سوق العملات"، مضيفاً أن التكافؤ بين اليورو والدولار "أمر وارد".
من جهة ثانية، وبحسب "بلومبيرغ"، قد تُسأل لاغارد أيضاً عن الإطار التشغيلي الجديد للبنك المركزي الأوروبي الذي كشف المسؤولون عنه بعد أسبوع من اجتماع السياسة الشهر الماضي.
ويحافظ هذا الإعداد على النظام الحالي لأسعار التوجيه مع إعطاء المصارف المزيد من الرأي حول مقدار السيولة التي تحتاجها للعمل. ومن المتصوّر أيضاً إجراء عمليات إقراض أطول أجلاً ومحفظة سندات هيكلية مستقبلاً مع اختلاف صناع السياسات حول المعايير.
ويتوقع الاقتصاديون الذين شملهم استطلاع "بلومبيرغ" أن تصل هذه الأدوات في أقل من 15 شهراً، وهو وقت أقرب كثيراً مما يتوقعه المسؤولون.
ماذا عن الفوائد في الولايات المتحدة؟
وفي واشنطن، لم يكن التحوّل في الأحداث وارداً في بداية العام، عندما كان الرأي المتفق عليه هو ستة تخفيضات في الفوائد يبلغ مجموعها 1.5 نقطة مئوية، بدءاً من مارس.
وبحسب بلومبيرغ، يتوقع المستثمرون في عقود المبادلة حالياً أن يُنهي سعر الفائدة الذي يحدده مجلس الاحتياطي الفيدرالي العام الجاري بنحو 40 نقطة أساس فقط أقل من مستواه الحالي البالغ 5.33%. وأضاف تجار الخيارات رهاناتهم على خفض بنك الاحتياط الفيدرالي الفائدة مرة واحدة فقط هذا العام، وبدأت بنوك وول ستريت بمراجعة توقعاتها.
وكانت العائدات على معظم تواريخ الاستحقاق أعلى بنحو 20 نقطة أساس في أواخر التعاملات بعد ظهر الأربعاء، مع ارتفاع عائد السندات الحساسة للسياسة لمدة عامين بنحو 23 نقطة أساس إلى 4.97%. كما تجاوز العائد على السندات القياسية لأجل 10 سنوات 4.5% للمرة الأولى منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وجاء المقياس الثالث على التوالي الأعلى من المتوقع للتضخم الأساسي في الولايات المتحدة، بعد شهر قوي آخر من توليد فرص العمل في مارس الذي كانت الأسواق في أوائله تتوقع ثلاثة تخفيضات من بنك الاحتياط الفيدرالي عام 2024، بدءاً من يونيو.