يعقد رؤساء المصارف المركزية الكبرى اجتماعات الأسبوع الجاري لمناقشة الموعد الأنسب لرفع إجراءات الدعم الاقتصادي الضخمة التي فرضت العام الماضي لمنع "كساد كبير" ناجم عن أزمة كوفيد-19.
وفي هذا الصدد، تؤكد مديرة صندوق التمويل لدى "إم آند جي للاستثمارات" إيفا سان-واي أن "لا مفر من سحب الدعم النقدي والمالي. يكمن السؤال الأهم في التوقيت".
وفي ما يلي الجوانب الرئيسية المرتبطة بالسياسات المالية للاحتياطي الفيدرالي الأميركي وغيره من المصارف المركزية التي ستعقد اجتماعاتها خلال الأسبوع:
ما هي الإجراءات القائمة؟
خفّض الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي ونظراؤهما في اليابان وبريطانيا وغيرها معدّلات الفائدة، وأطلقت برامج ضخمة لشراء الأصول لمنع وقوع كارثة اقتصادية.
وخفّض الاحتياطي الفيدرالي، الذي يبدأ اجتماعا بشأن سياسته يستمر يومين اعتبارا من الثلاثاء، معدلات الفائدة إلى صفر مع بدء الأزمة الوبائية في آذار/مارس 2020.
وفي مسعى لتوفير السيولة لأكبر اقتصاد في العالم، أخذ يشتري ديونا من وزارة الخزانة تبلغ قيمتها 80 مليار دولار على الأقل شهريا، وأوراقا مالية مدعومة بالرهن العقاري بقيمة 40 مليار دولار على الأقل.
من جانبه، أنشأ البنك المركزي الأوروبي برنامجا للطوارئ لمواجهة الوباء بقيمة 1,85 تريليون يورو، يسمح للمصرف بشراء أصول في الأسواق المالية، مثل السندات، لرفع أسعارها وخفض الفائدة. وأبقى البنك المركزي الأوروبي المعدل على عمليات إعادة التمويل الأساسية بنسبة صفر.
ما هو سبب عدم المسارعة لرفع الإجراءات؟
وارتفع مستوى التضخم عالميا، ما عزز توقعات الأسواق بشأن إمكان تشديد المصارف المركزية إمدادات المال لخفض الأسعار ومنع الضغط الزائد على الاقتصادات.
ضخّت الحكومات 16 تريليون دولار في برامج للتحفيز المالي حول العالم، وفق أرقام صندوق النقد الدولي
ورفعت المصارف المركزية في البرازيل وروسيا والمكسيك وكوريا الجنوبية والجمهورية التشيكية وإيسلندا معدلات الفائدة العام الجاري. لكن الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا، الذي يعقد اجتماعاته أيضا خلال الأسبوع المقبل، امتنعت حتى الآن عن تغيير المعدلات.
وأصر مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا على أن التضخّم مؤقت وجاء نتيجة تعافي الأسعار بعد الانخفاض الذي شهدته في ذروة موجة الانتشار الوبائي العام الماضي.
ويسعى راسمو السياسات إلى تجنّب الإضرار بالتعافي الاقتصادي في حال المسارعة إلى سحب جزء كبير من الدعم.
ماذا يقولون؟
وذهب البنك المركزي الأوروبي أبعد هذا الشهر، فقرر تخفيف وتيرة عمليات شراء السندات الشهرية، لكن بدون أن يبدّل حجم الخطة أو موعد انقضاء مدتها في آذار/مارس 2022.
وقال كبير خبراء الاقتصاد الأوروبي لدى كابيتال إيكونوميكس أندرو كينينغهام إن الخطوة "بعيدة جدا عن كونها "تراجعا تاما".
ولم تترك رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد مجالا للشك، إذ صرّحت بوضوح أن "السيّدة لن تتراجع" في إشارة إلى نفسها. وتتوقع الأسواق مؤشرات أكثر وضوحا من البنك المركزي الأوروبي في كانون الأول/ديسمبر.
هل نجحت المصارف المركزية؟
ويتعافى الاقتصاد العالمي في وقت يستغل الناس، كما الأعمال التجارية والحكومات، معدّلات الفائدة المنخفضة للغاية.
أنشأ البنك المركزي الأوروبي برنامجا للطوارئ لمواجهة الوباء بقيمة 1,85 تريليون يورو، يسمح للمصرف بشراء أصول في الأسواق المالية
وضخّت الحكومات 16 تريليون دولار في برامج للتحفيز المالي حول العالم، وفق أرقام صندوق النقد الدولي.
وأوضح فنسنت يوفينز من "جي بي مورغان لإدارة الأصول": "تعلّمنا كثيرا من الأزمات السابقة، وكانت إدارة أزمة كوفيد-19 مثالية تقريبا من وجهة نظر اقتصادية". وأضاف: "التعافي شديد وكبير، ولم نشهد بطالة واسعة النطاق أو موجة إفلاسات".
وتوقعت وكالة التصنيف "إس آند بي غلوبال" أن يتراجع معدل التخلف عن الدفع في أوروبا في الأمد القريب، "خصوصا إذا مضت سياسة التراجع قدما بشكل منظّم، كما هو متوقع".
ما هي التداعيات السلبية؟
يشير معارضو السياسات النقدية الفضفاضة بشكل كبير إلى أنها تتسبب بتعميق عدم المساواة عبر تضخيمها أسعار الأصول المالية ورفع أسعار العقارات.
ويدافع البنك المركزي الأوروبي عن خطواته عبر الإشارة إلى دراسات أجراها باحثون على صلة به ارتأت أن سياساته ساهمت في الحد من البطالة وأعطت اندفاعة للعائلات التي تعد أوضاعها المعيشية متواضعة نوعا ما، إذ تمكّنت من شراء عقارات بفضل معدّلات الفائدة المنخفضة.
وأعربت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، في تقرير في أيلول/سبتمبر، عن قلقها حيال التداعيات السلبية المحتملة التي يمكن أن تتمخّض عن تمديد التساهل في السياسات النقدية بالنسبة للأصول المالية والعقارية.
وقال خبير الاقتصاد لدى "معهد بيترسن" ومركز أبحاث "برويغل" نيكولا فيرون إن "تدخلّات المصارف المركزية لن تكون منطقية إلا إذا تجنّبت ركودا". وأضاف: "إذا لم تعد ضرورية لتجنّب ركود، فستكون تداعياتها السلبية أكثر من تلك الإيجابية".