يجتمع رجال أعمال مغاربة وإسبان في العاصمة الرباط، بهدف إعطاء دفعة قوية للعلاقات الاقتصادية، إذ يراهنون على أن تفتح القمة المغربية الإسبانية بين حكومتي البلدين الباب أمام تعظيم المبادلات التجارية والتوجه نحو استثمارات في قطاعات استراتيجية.
وينتظر أن يشارك رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز بمعية اثني عشر وزيراً من حكومته في أشغال القمة المغربية الإسبانية، اليوم الأربعاء وتستمر حتى غد الخميس، وذلك بعد حوالي عام على تطبيع العلاقات بين البلدين.
وتعتبر اللجنة العليا المغربية - الإسبانية المشتركة من بين الآليات التي تضمّنتها اتفاقية الصداقة وحسن الجوار الموقعة بين البلدين قبل 32 عاماً، إذ كان يفترض أن تُعقد كل عام بالتناوب بين الرباط ومدريد، غير أن ذلك الموعد كان يؤجل في عدة مناسبات بسبب أجندات داخلية أو أزمات لا تساعد على التئام اللجنة.
وينتظر، كما يوضح الخبير المغربي في العلاقات الإسبانية المغربية، نبيل دريوش، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن يفضي انعقاد اللجنة العليا المشتركة بين المغرب وإسبانيا، التي لم تلتئم منذ 2015، والتي تندرج ضمن خريطة الطريق التي اتفق عليها في إبريل/ نيسان الماضي إلى الوصول لاتفاقيات في عدة مجالات، حيث سيكون الاقتصاد في قلبها، ما سيوضح الرؤية لرجال الأعمال.
وسيعقد على هامش التئام اللجنة العليا منتدى اقتصادي يحضره رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش ورئيس وزراء إسبانيا، وهو مؤتمر سيشهد مشاركة رئيسي رجال الأعمال في البلدين شكيب لعلج وأنطونيو غاريماندي. ويركز المؤتمر الذي سيعقد اليوم، وسيشارك فيه رجال أعمال ورؤساء مصارف، على سبل استفادة الشركات المغربية والإسبانية من الفرص التي تتيحها إعادة تشكيل سلاسل القيم العالمية، كما يركز على الانتقال الطاقي والبيئة والاقتصاد الدائري.
وكان الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي يمثل مصالح رجال الأعمال المغاربة، قد عبّر عن التطلع نحو الوصول إلى استثمارات مشتركة والتعاون من أجل مواكبة المشاريع الملموسة، مؤكداً الشراكات التي يمكن أن تنتج من أجل استثمار الفرص التي يمكن أن يتيحها الحضور المغربي في أفريقيا.
ويحتضن المغرب أكثر من ألف شركة إسبانية تنشط في قطاعات حيوية، كما أن أكثر من 600 شركة تحوز أسهماً في شركات مسجلة في المغرب، بينما وصل عدد الشركات الإسبانية التي تصدر للمغرب إلى أكثر من 20 ألف شركات، وفق أرقام اتحاد المقاولات.
وشكّل المغرب دائماً متنفساً للشركات الإسبانية الباحثة عن فرص جديدة، وهو ما تجلّى في أزمة 2008 العالمية، حيث انتقلت العديد من الشركات إلى المملكة، التي تتيح فرصاً مهمة بفعل القرب من أوروبا وأفريقيا. ورغم الأزمات السياسية والديبلوماسية التي أربكت العلاقات بين البلدين في الأعوام الماضية، إلا أن الاقتصاد بقي عاملاً حاسماً للتخفيف منها، حيث تبقى إسبانيا الشريك الرئيسي للمغرب على مستوى التجارة داخل الاتحاد الأوروبي، إذ ترتفع المبادلات التجارية بين البلدين بحوالي 10 في المائة سنوياً.
يحتضن المغرب أكثر من ألف شركة إسبانية تنشط في قطاعات حيوية، كما أن أكثر من 600 شركة تحوز أسهماً في شركات مسجلة في المغرب
ويتجلى من بيانات مكتب الصرف المغربي الحكومي أن إسبانيا تأتي في مقدمة البلدان الأوروبية على صعيد المبادلات التجارية، التي وصلت في العام ما قبل الماضي مع تلك القارة إلى حوالي 54 مليار دولار. تبقى إسبانيا أول شريك تجاري للمغرب في القارة العجوز بنسبة 28.3 في المائة متقدمة على فرنسا بنسبة 22.6 في المائة وإيطاليا بنسبة 7.5 في المائة وتركيا بنسبة 6.9 في المائة وألمانيا بنسبة 6 في المائة.
وتُعتبر إسبانيا الأكثر استفادة من العلاقات التجارية مع المغرب، إذ بلغ العجز التجاري مع البلد الأوروبي 1.2 مليار دولار، إذ بلغت واردات المملكة من البلد الأوروبي في العام ما قبل الماضي حوالي 8.3 مليارات دولار، مقابل صادرات بـ7.1 مليارات دولار.
غير أن الاستثمارات الإسبانية المباشرة في المغرب ليست في مستوى المبادلات التجارية بين البلدين، إذ تصل إلى 3.5 مليارات دولار، محتلة المركز الثالث بعد فرنسا والإمارات. ويعتبر دريوش، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه ينتظر التوجه في المستقبل نحو استثمارات ذات طبيعة استراتيجية مثل الطاقات المتجددة التي توفر أوروبا سوقاً كبيراً لها.
ويؤكد الخبير المغربي في العلاقات الإسبانية المغربية، نبيل دريوش، أن إسبانيا تطمح إلى أن تصبح منصة لا يمكن الالتفاف عليها أوروبياً في مجال الطاقات المتجددة، والتي يسعى المغرب بدروه إلى أن يكون فاعلاً فيها عبر استثمارات مهمة، وهو ما يتجلى عبر الإمكانات التي تتوفر عليها المملكة في الهيدروجين الأخضر.
ويذكّر دريوش بما كان دعا إليه وزير الخارجية الأسبق، ميغيل أنخيل موراتينوس، في التسعينيات من القرن الماضي، عندما شدد على مسألة بلورة شبكة مصالح بين البلدين، ما يعني تجاوز الصراع الذي كانت يذكيه التنافس على أسواق المنتجات الفلاحية.