رفع المجتمع القطري سلاح المقاطعة في وجه المنتجات والمتاجر ومختلف الشركات الدولية التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي، الذي يشن عدوانا وحشياً على قطاع غزة ومدن فلسطينية منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ومنذ اليوم الأول للعدوان، ظهرت أشكال المقاطعة الشعبية، وأخذت بالتوسع والانتشار، مع استمرار القصف الممنهج، عبر الجو والبر والبحر، والذي دمر آلاف المباني السكنية، وطاول المستشفيات والمخابز، وكل مقومات العيش، وأسقط أكثر من 14 ألف شهيد غالبيتهم من الأطفال، وأكثر من 33 ألف جريح.
وتحظى المقاطعة، بمشاركة واسعة من المواطنين والمقيمين، وتكشف جولة سريعة على سلسلة من المطاعم الشهيرة في الدوحة والوكرة والخور التي تساند مقراتها الرئيسية كيان الاحتلال في حربه على غزة، أنها أصبحت شبه خالية، بعدما كانت تغص بالزبائن قبل بدء العدوان.
وتحول الاهتمام حالياً إلى التبرع بالمال والمواد المتنوعة استجابة لحملة الإغاثة التي أطلقتها جمعية قطر الخيرية، بعنوان "من أجل فلسطين" لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة في مجالات الأمن الغذائي والمأوى والصحة؛ وذلك للتخفيف من معاناة المتضررين من أبناء الشعب الفلسطيني والوقوف إلى جانبهم.
متاجر شبه خالية
ويروي الباحث في التراث الشعبي، والإعلامي القطري، صالح غريب، لـ"العربي الجديد"، أنه "مع بدء قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها الغاشم على غزة، انطلقت حملة المقاطعة الشعبية على مستوى قطر ضد الشركات التي أعلنت دعمها ومساندتها لقوات الاحتلال، مثل سلسلة مطاعم "ماكدونالدز" و"كنتاكي" و"بيتزا هت" و"برغر كينع" وغيرها، وبدأ المواطنون يقصدون المطاعم الأخرى، القطرية والخليجية والعربية وغيرها، ووجدنا أن بعض المتاجر والمقاهي التي كانت تزدحم بالمرتادين، مثل "ستاربكس"، أصبحت شبه خالية اليوم.
ويتمنى غريب أن تتواصل أشكال هذه المقاطعة بعد انتهاء الحرب على غزة قريبا، وألا يعود الناس إلى السابق، مؤكدا أن الضغط الشعبي من خلال المقاطعة، يستطيع أن يحدث تغييرا، واستشهد بما حدث في الأيام الأولى من العدوان الغاشم، عندما أعلن شريك أميركي في مطعم بجزيرة المها في مدينة لوسيل، عن تعاطفه مع العدو الإسرائيلي، فواجهه المجتمع بالمقاطعة، وبحملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ما اضطر الشريك القطري لقطع علاقته معه وتغيير اسم المطعم وتخصيص يومين من ريعه لدعم الأهل في غزة.
وينبه غريب إلى فوائد أخرى من المقاطعة، ومنها الجانب الصحي، لأن مأكولات ومشروبات هذه المطاعم، ثبت طبيا أنها تضر بالصحة وتتسبب بالعديد من الأمراض المزمنة كالسكري، ناصحا بالتوجه نحو العديد من البدائل المفيدة صحيا، وحتى اقتصاديا أثمانها أقل أيضا، مؤكدا أن المقاطعة توجع اقتصادات الدول والشركات التي تدعم الصهيونية.
وتحت ضغط المقاطعة الشعبية، أعلنت العديد من المطاعم والمحال التجارية وخاصة الفروع المحلية التابعة لشركات أميركية وأوروبية، عن تخصيص أرباحها في أيام محددة، لدعم أهل غزة، وقد أصدرت شركة المانع للمطاعم والأغذية، التي تدير وتملك ماكدونالدز قطر، بيانا رسميا، أعلنت فيه، تبرعها بمليون ريال (نحو 275 ألف دولار)، للمساهمة في جهود إغاثة أهالي غزّة.
وقالت الشركة في بيانها "نعيد التوضيح بأننا شركة محلية قائمة بذاتها تعمل بمسؤولية مجتمعية واقتصادية مستقلة تمامًا، وبأنه لا تربطنا أي صلة أو علاقة بأي قرارات وممارسات صادرة عن أي وكيل أخر لشركة ماكدونالدز حول العالم".
لا بد من البدائل
ويقول رجل الأعمال القطري، علي الخلف، لـ"العربي الجديد"، إن المقاطعة الشعبية في قطر موجودة بحكم مشاعر التضامن وسط ما يتعرض له قطاع غزة من اعتداءات وحشية وتدمير ممنهج لكل ما يتعلق بأبسط الأمور الحياتية، ويصل إلى تدمير المستشفيات وخزانات المياه، موضحا أن المقاطعة ليست بالأمر السهل، لأنه تدخل ضمنها خدمات وحاجيات كثيرة، في إطار المأكولات والمشروبات من السهل إيجاد البدائل المحلية أو العربية والإسلامية، أما الخدمات والتعاملات الأخرى، فلم نفلح في إيجاد بدائل.
وتساءل هل يمكن لرجال الأعمال مقاطعة الدولار والاستعاضة عنه بالين الصيني أو غيره من عملات الدول غير الداعمة للاحتلال؟ هل يمكننا مقاطعة شركات الطيران التي تستخدم طائرات "البوينغ" الأميركية، أو"الإيرباص" الفرنسية؟ موضحا أنه حتى تنجح المقاطعة ويكون أثرها موجعا، لابد من البدائل.
وهنا يطالب الخلف المنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج، والتعاون الإسلامي، والأجهزة المتفرعة عن كل منها، بأن تلعب دورا قويا وحيويا لإيجاد البدائل وفق استراتيجية واضحة، سواء خلال العدوان المستمر على غزة، أو بدونه، لأن المنطقة برمتها مازالت مرتبطة ارتباطا تاما بالمعسكر الغربي.
ويقول: "لو أن الدول المنضوية تحت لواء هذه المنظمات على قلب رجل واحد، لما تجرأ الكيان الإسرائيلي وشن عدوانه على غزة والضفة والبقاع الفلسطينية، ولما استمر في عدوانه المتواصل منذ أكثر من 45 يوما بوحشية لا يقبلها أي ضمير إنساني. ويرى الناشط القطري، المهتم بالقضية الفلسطينية، هاني الخراز، أن مقاطعة الشركات الداعمة للكيان الصهيوني ولعدوانه الغاشم على غزة هو أقل ما يمكن أن نقدمه في هذه المرحلة، موضحا في حديث مع "العربي الجديد" أن هذه المقاطعة تمثل أولاً موقفاً أخلاقياً في وجه شركات اختارت دعم القاتل والمعتدي والمحتل، والتزاماً ثابتاً من الشعب القطري بدعم القضية التي لطالما نظر لها باعتبارها قضية مركزية لا تقبل المساومة.
ويرى أن هذه المقاطعة ضرورية في ذات الوقت للتحرر من سطوة الشركات الرأسمالية العابرة للقارات التي أتاحت لها لعب هذا الدور القذر، وكشفت عن حقيقة أنها ليست سوى أدوات في ترسانة نظام رأسمالي لا يعبأ إلا بالهيمنة على الشعوب ومقدراتها وتحويل أفرادها إلى كائنات مستهلكة ومستعبدة.
ويعتبر الناشط القطري أن المقاطعة الشعبية أظهرت، حتى الآن، وعياً كبيراً لدى المواطنين والمقيمين والتزاماً واضحاً فاق كل التوقعات. مطالبا بالتفكير بكيفية تصعيد هذه المقاطعة بحيث تشمل المقاطعة السياحية والاستثمارية للدول الغربية التي تساند هذا الكيان الاستعماري الاستيطاني، وتصمت عن جرائمه وتجرّد الفلسطينيين من حقهم في مقاومة من احتل أرضهم وطردهم من بيوتهم وسلب وطنهم.
رمزية التضامن
ويعتبر المقيم المصري، الصحافي عبد الكريم حشيش، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المقاطعة سلاح بيد الشعوب، تعبر من خلاله عن موقفها وتضامنها، وهو بالتأكيد يحمل رمزية كبيرة للتضامن، ويعكس حضورا حقيقيا للشارع العربي، يعلن فيه تواجده ووقوفه إلى جانب فلسطين عموما وغزة خصوصا، موضحا أنه رغم قلة فاعلية سلاح المقاطعة، وعدم إحداث أثر لتغير مجريات الأحداث فى غزة، فإنه يظل تعبيراً مطلوباً ومهماً، خصوصا فىيوقعه النفسي والمعنوي في فلسطين.
ويلفت حشيش إلى أنه تزامنا مع تفعيل سلاح المقاطعة المهم، فإنه يحتاج إلى خطوة اكثر فعالية، لدعم أهل غزة، وتوفير الاحتياجات الأساسية من غذاء ودواء وخيام، بعدما أجبروا على ترك بيوتهم وأمتعتهم وأعمالهم، والعيش فى هذه الأحوال المأساوية بلا حول أو قوة.
ويضيف: "لو كل إنسان وضع نفسه، لمدة خمس دقائق، مكان أهل غزة، لما قدر أن يقوم من مكانه، لهول المحنة التى يعيشونها، فحتى الحزن على فقد أحبتهم غير متاح لهم، و أقسى شيء يمكن أن يتعرض له الناس، هو حرمانهم من الحزن. واعتبر دعوة جمعية قطر الخيرية لدعم أهل غزة، هو بمثابة فتح باب خير كبير أمام المواطنين والمقيمين، ليؤكدوا تضامنهم وتعاطفهم.
تزايد المساعدات والدعم
يتزايد حجم التبرعات في قطر مع اتساع الحملات الداعمة للفلسطينيين الذي يعيشون ظروفاً مأسوية بسبب العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، وكذلك الاعتداءات المتواصلة على الفلسطينيين خارج القطاع.
ويقول السوري محمد علوان، لـ"العربي الجديد"، وهو مقيم في قطر منذ سنوات، إن "ما يميز هذا البلد الخليجي أنك لا تجد في أسواقه المحلية أي منتج إسرائيلي، أو شركة إسرائيلية، وهذا الشيء يحسب فعليا لقطر".
وأوضح أنه خلال العدوان الغاشم على غزة يشاهد الجميع تفاعلا إيجابيا كبيرا جدا، وتضامنا مميزا، من المواطنين والمقيمين تجاه فلسطين عامة وغزة خاصة، إن كان بمقاطعة المنتجات أو المتاجر والشركات الكبرى التي تدعم الاحتلال أو بالتفاعل والتآزرعن طريق التواصل الاجتماعي، إلى جانب السخاء في التبرعات عن طريق "قطر الخيرية" والهلال الأحمر القطري.
وسلاح المقاطعة الذي رفعه المجتمع القطري، دفع إدارة مجموعة مطاعم عالمية في قطر، إلى منح عدد كبير من موظفي خدمة التوصيل إجازة مدفوعة لمدة شهرين، وذلك نسبة لقلة الطلبات منذ منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، حسب تقارير صحافية.