شكّل إغلاق ميناء بلحاف الاستراتيجي في محافظة شبوة (شرق) أكبر ضربة موجعة تلقاها اليمن في الحرب الدائرة في البلاد منذ ست سنوات، وأحد أهم العوامل التي تسببت في الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة الوطنية وانعدام الموارد العامة، إذ اعتمدت الحكومة بشكل رئيسي على تصدير النفط والغاز.
وأثّر تعطيل ميناء التصدير الاستراتيجي الأول في اليمن، والذي تحول إلى ما يشبه قاعدة عسكرية للتحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، على كافة قطاعات الإنتاج مثل النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، إضافة إلى قطاع المعادن الذي كان قبل آخر عامين قبل الحرب يشهد طفرة نسبية وتحركات واسعة لاستغلال ثرواته وخاماته الطبيعية والصناعية والاقتصادية الهائلة.
وتجاوزت عدد تراخيص عقود استغلال المعادن التي أصدرتها الهيئة العامة للمساحة الجيولوجية والثروات المعدنية في اليمن في آخر عام قبل الحرب، أكثر من 60 عقدا لاستغلال ودراسة عدد من الخامات الصناعية والإنشائية كالحجر الجيري، والبازلت، والحجر الرملي والجبس والملح، والمواد الطينية، والحديد.
بلحاف، ميناء التصدير الاستراتيجي الأول في اليمن، تحول إلى ما يشبه قاعدة عسكرية للتحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، وهو ما أثر على على كل قطاعات الإنتاج مثل النفط الخام والغاز الطبيعي المسال والمعادن
وأفاد مسؤول سابق في هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية في اليمن، فضّل عدم ذكر اسمه، بأن هذا القطاع انفتح بشكل كبير على الاستثمارات المحلية والإقليمية والدولية لاستغلاله بصورة مثلى تعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني، وكان هناك تدفق غير طبيعي للشركات الاستثمارية القادمة بشكل خاص من دول الخليج العربي، والتي حصلت على عدد من التراخيص وعقود الاستثمار في أكثر من مجال في هذا القطاع، مثل الذهب والزنك والرصاص والحديد والإسمنت.
ويكشف المسؤول، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن أن ما يقارب 80% من هذه الاستثمارات مصدرها الرئيسي دولة خليجية واحدة وهي الإمارات، إما بشراكات محلية يمنية أو مع شركات ومؤسسات أعمال إقليمية ودولية.
ويقع ميناء بلحاف على ساحل البحر العربي في شبوة شرقي اليمن، ويشكل أكبر ميناء لتصدير الغاز المسال في اليمن، والمرتكز الرئيسي الذي كانت ستستند عليه مشاريع الصناعات التعدينية، إذ حولته الحرب ورفع يد الحكومة اليمنية عنه إلى ثكنة عسكرية، بعد تدمير نسبة كبيرة من هذا الميناء اليمني الاستراتيجي.
كما عطلت الحرب تنفيذ مشروع الصناعات التعدينية في مناطق الجوف - مأرب - شبوة، والذي جاء تنفيذه في إطار تفعيل قطاع التعدين في اليمن. وكان المشروع يشمل إقامة سكة حديد وميناء وألسنة بحرية في منطقة بلحاف لتصدير الخامات المعدنية ليكون أقرب إلى المدينة الصناعية.
ميناء بلحاف بعد إجراءات تطويره وربطه بمواقع إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال، كان بمثابة المتنفس والمركز الأساسي لتطوير واستثمار قطاع المعادن في اليمن واستغلال ثرواته الكامنة
في هذا الخصوص، يؤكد الخبير الجيولوجي أسعد العاقل، لـ"العربي الجديد"، أن ميناء بلحاف بعد إجراءات تطويره وربطه بمواقع إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال، كان بمثابة المتنفس والمركز الأساسي لتطوير واستثمار قطاع المعادن في اليمن واستغلال ثرواته الكامنة ذات الجدوى الاقتصادية المغرية لرجال الأعمال وشركات الاستثمار المحلية والإقليمية والدولية.
وكانت الجهات المختصة في هذا الإطار قد قامت بتنفيذ عدد من المشاريع في مجال الجيولوجيا البحرية، وحصر مواقع استغلال المعادن والصخور الصناعية والإنشائية، وإنتاج خارطة مخاطر الغطاء الصخري لليمن.
ويوضح العاقل أن التنوع الجيولوجي المناسب لليمن جعله يمتلك ثروة معدنية واعدة بالخير والعطاء، نتيجة انتشار صخور الأساس في عدد من مناطق البلاد، والتي تعتبر من أهم وأكثر التكوينات الصخرية المناسبة لاستضافة العديد من المعادن الفلزية كالذهب والنحاس، فيما تحتوي صخور الغطاء الرسوبي على معادن ذات أهمية اقتصادية كبيرة مثل الزنك والرصاص والفضة.
وفي إطار المساعي الرامية إلى تطوير هذا القطاع الواعد، عمل اليمن على توسيع بنية تحتية مناسبة وفقاً لإمكانياته الاقتصادية المحدودة، تمثلت ما بين دراسات استكشافية وبحوث جيولوجية ومنشآت ومعامل إنتاجية لبعض المواد التعدينية، إذ وصل عدد "المحاجر" المعامل العاملة في البلاد إلى نحو 3 آلاف منشأة تعمل على استغلال واستثمار خامات الجبس، والملح، البيوميس، الإسكوريا، الطين، الحجر الجيري، والجرانيت والرخام، والحجر الرملي.
فضلا عن مصانع الإسمنت العامة والخاصة والتي يزيد عددها على 7 مصانع، وعدد من مصانع السيراميك والحديد، ومنشآت أخرى، حسب تقارير رسمية.
ويقول رجل أعمال ومدير شركة متخصصة في الصناعات التعدينية، أحمد الشدادي، لـ"العربي الجديد"، إن هناك سوقا محلية واعدة جداً لاستيعاب منتجات الصناعات التعدينية في اليمن، لكن ظروف الحرب وما رافقها من تبعات مضاف إليها مشاكل سابقة في إجراءات الاستثمار والحصول على التراخيص ومتطلبات الاستكشاف والاستغلال وتكاليفها الباهظة خلق العديد من الصعوبات والتحديات أمام رجال الأعمال والشركات اليمنية لإقامة مشاريع تعدينية كبيرة وذات جدوى.
وتبعثرت مختلف المشاريع في هذا القطاع، نظراً لوضعية البلاد الراهنة وتعطيل وتدمير كثير من المنشآت الاقتصادية.
ويرى الباحث الاقتصادي فتحي النجار، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة تدور في دائرة مفرغة في التعامل مع المشاكل الاقتصادية وانهيار العملة، إذ تكمن أهم الحلول لمواجهة هذه الأزمات وتوفير احتياطي نقدي يوقف انهيار العملة، في تمكينها من تطوير أبرز المنشآت الاقتصادية مثل ميناء بلحاف لتصدير المورد الرئيسي المتمثل بالنفط والغاز، وكذا في استغلال القطاعات الواعدة الأخرى ومنها المعادن.