تجري السلطات اليمنية عملية تقييم ومراجعة لمستوى التقدم المحرز في برنامج تشخيص وضع القطاع المصرفي، تمهيداً للشروع في تنفيذ برنامج شامل لإصلاح هذا القطاع بمساعدة من البنك الدولي.
وتدرس الجهات النقدية والمصرفية الحكومية مع مؤسسات مالية دولية عديد الخطط التي تتضمن أولويات الإصلاح المطلوبة لمختلف القطاعات الاقتصادية والخدمية التي تستنزف كثيرا من الموارد الشحيحة.
إذ تتطلع الحكومة اليمنية إلى مساعدة البنك الدولي في هذا المجال بصورة مباشرة أو بالشراكة مع القطاع الخاص، استنادا إلى أفضل التجارب الناجحة في عدد من البلدان، وبما يمكّن اليمن من تجاوز كثير من الاختناقات وتحقيق الاستقرار والاستدامة المالية.
كما تم بحث هذه الخطط والأولويات محل الاهتمام لعام 2024، في اجتماع بين فريق البنك المركزي اليمني مع فريق البنك الدولي، الذي زار عدن العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً مؤخرا.
ووقف الاجتماع، وفق مصادر مصرفية حكومية، أمام التطورات الاقتصادية في اليمن، في ظل الصعوبات القائمة وانعكاسات أحداث البحر الأحمر على تلك الأوضاع التي ازدادت صعوبة، والدور المحوري الذي بالإمكان أن تقوم به مجموعة البنك الدولي في التخفيف من التبعات الاقتصادية والإنسانية للأزمة الحالية.
كما تمت مناقشة التقدم في مشروع تطوير أنظمة الدفع الممول من البنك الدولي، والذي سيقدم فيه للبنك المركزي الأنظمة والتجهيزات والدعم الفني لتطوير البنية التحتية اللازمة لتطوير هذه الأنظمة، بما يمكّن المؤسسات العامة والقطاع الخاص من الاستفادة من التطورات في التكنولوجيا المالية في رقمنة المدفوعات بكفاءة.
الباحث الاقتصادي والمصرفي وحيد الفودعي، يشدد في هذا الصدد لـ"العربي الجديد"، على أن المرحلة الراهنة تتطلب مساعدة البنك المركزي اليمني في عدن والوقوف معه للقيام بدوره في إدارة السياسة النقدية بصورة أكثر كفاءة، تنعكس على تطوير الأداء المالي في مختلف المؤسسات العامة، وبما يؤدي إلى استعادة الدورة النقدية وضبط السوق المصرفية.
ويحذّر خبراء اقتصاد ومؤسسات دولية من خطورة الوضع الراهن الذي يمر به اليمن، مطالبين بضرورة تفعيل وفرض أجهزة الدولة لتمارس نفوذها ودورها الحقيقي في إدارة المؤسسات العامة.
ووجّه الفودعي انتقادات حادة لبعض الجهات القضائية التي طالبت بالتحقيق مع قيادة البنك المركزي اليمني، بحجة التأخير في صرف رواتب موظفيها، مؤكداً أن هناك قوانين تنظم علاقة البنك المركزي بالحكومة وماليتها، ويتحتم على محافظ البنك المركزي تطبيق هذه القوانين، مثل إرسال التعزيز المالي للجهات العامة، والذي لا يعني أن على البنك المركزي صرفه، حتى وإن كان حساب الحكومة لا يكفي أو صفرا أو مكشوفا.
ويحمّل الباحث الاقتصادي والمصرفي الحكومة مسؤولية هذا العجز، وقال إن عليها استعادة مواردها السيادية المنهوبة والمتوقفة جراء هجمات الحوثيين على موانئ التصدير وتسببها في وقف تصدير النفط.
وطالب خبراء اقتصاد ومصرفيون رئيس الحكومة الجديد أحمد بن مبارك، بالتركيز على الجانب النقدي والمصرفي، والعمل على وقف تدهور العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، كون هذا الأمر مرتبطا بحياة الناس ومعيشتهم ومستوى دخلهم وقوت أطفالهم.
رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر، يوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك فوضى ناتجة عن السوق الموازية التي يجب وضع حد لها، إضافة إلى تضخم السوق المصرفية، حيث تجاوز عدد المنشآت العاملة في مجال الصرافة المرخص لها خلال العام الماضي أكثر من 200 منشأة في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً.
في حين يرى الفودعي أن الحكومة تحتاج لدعم مناسب من قبل الدول المانحة والصديقة لمواجهة كل هذه الأزمات النقدية والمصرفية والاقتصادية، إذ أن دعم الأشقاء لا يكفي لتغطية العجز، ولا سبيل لتغطيته إلا بعودة تصدير النفط ونشاط ميناء عدن، على حد تعبيره.
في السياق، تأتي زيارة وفد من خبراء البنك الدولي إلى عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً، بعد نحو أربعة أشهر من زيارة مهمة وقف فيها البنك الدولي على مستوى تنفيذ الحكومة اليمنية لبرنامج الإصلاحات الشاملة في الجوانب الاقتصادية والمالية والنقدية والإدارية، ومستوى الإجراءات التصحيحية في القطاع المصرفي.
طالب خبراء اقتصاد ومصرفيون رئيس الحكومة الجديد أحمد بن مبارك، بالتركيز على الجانب النقدي والمصرفي
وأكد مصدر حكومي مسؤول في حينها، فضل عدم ذكر هويته، لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة اليمنية تحتاج لمساعدتها في إعادة تأهيل أجهزتها الرقابية والمحاسبية، وتوظيف التمويلات الدولية لتعزيز وتطوير قدرات المؤسسات العامة، خصوصاً الإيرادية والمالية.
وعلم "العربي الجديد" أن وفد البنك الدولي طالب الحكومة اليمنية بمكافحة الفساد في مؤسسات الدولة، وتفعيل الأجهزة الرقابية لتعزيز الشفافية في إدارة المال العام والمشاريع الحكومية، إضافة إلى أهمية استعادة الموارد العامة وتنظيم أداء المؤسسات الاقتصادية الإيرادية، وتشديد الإجراءات الهادفة إلى ضبط الإنفاق الحكومي وتأمين الموارد من مصادر غير تضخمية.
ويطالب الباحث المصرفي نشوان سلام، في حديثه لـ"العربي الجديد"، الحكومة في عدن بسد منافذ الفساد والتسرب المالي الذي يبدد الموارد العامة واستعادة الدورة النقدية، وامتلاك الأدوات المناسبة للتحكم وإدارة السوق النقدية والمصرفية وكسب ثقة المانحين والجهات الممولة.
إضافة إلى الحد من المضاربة التي تستنزف الجزء الأكبر من الدعم والمنح المقدمة للبنك المركزي من قبل المانحين والدول الصديقة، مثل السعودية التي قدمت الدفعة الثانية من الوديعة التي أعلنت عنها العام الماضي، والمقدرة بنحو مليار دولار.