تراجع منسوب المياه في نهر ميسيسيبي إلى مستويات غير مسبوقة منذ سنوات، جراء شحّ الأمطار لفترة طويلة، ما يربك حركة الملاحة باتجاه خليج المكسيك التي تشكل محوراً أساسياً للاقتصاد والصادرات الأميركية.
وبحسب بيانات وكالة المسح الجيولوجي الأميركية، فإنّ عمق النهر التاريخي في مدينة ممفيس بولاية تينيسي، تراجع إلى أدنى مستوياته، منذ بدء الوكالة نشر معلومات حول هذه المنطقة في 2011.
وهذا الوضع ناتج بصورة أساسية عن شح الأمطار وخصوصاً في ولايات كنساس ونبراسكا وداكوتا الجنوبية والشمالية التي بعبرها نهر ميزوري، أحد أكبر روافد نهر ميسيسيبي.
الجيش الأميركي يتدخل بعمليات تجريف طارئة
وقام سلاح الهندسة في الجيش الأميركي بعمليات تجريف طارئة للسماح بعبور المراكب. وقالت ديب كالهون نائبة رئيس مجلس "واتروايز كاونسيل" الذي يُعنى بحسن إدارة المجاري المائية والسدود والأحواض "إنها فترة دقيقة جداً في ظل مواسم الحصاد الجارية، هذا أسوأ توقيت لمواجهة مستوى متدن جدا" لمنسوب المياه في النهر.
والواقع أنّ حصاد القمح لموسم الشتاء انتهى في مطلع أغسطس/ آب، فيما يجري حالياً حصاد الذرة، ما يزيد كما في كل سنة الشحنات الواجب نقلها.
وتشير أرقام وزارة الزراعة الأميركية إلى أنّ حوالى ثلثي الحبوب المصدّرة بحراً من الولايات المتحدة العام الماضي انطلقت من خليج المكسيك، وفي غالب الأحيان بعد نقلها عبر نهر ميسيسيبي.
ويمكن لمركب، نقل ما يوازي حمولة 16 مقطورة شحن عبر السكك الحديد وستين عربة مقطورة، بحسب الجمعية الأميركية لمشغّلي المجاري المائية التي تمثل هذا القطاع.
وأوضحت ديب كالهون أنه "في هذه الفترة من السنة، نرى عادة 40 مركباً أو أكثر في صفّ تجرّه قاطرة، لكن حالياً، نرى 24 أو 25 مركباً في صف واحد، بحسب منسوب المياه في النهر".
وأضافت: "نأمل ببساطة في المرحلة الراهنة أن يهطل المطر"، في وقت تتوقع الأرصاد تساقط بعض الأمطار في عطلة نهاية الأسبوع في أركنسو وتينيسي وميسيسيبي.
توتر في الأسواق الزراعية
وقالت فرجينيا ماكغاثي من مجموعة "ماكغاثي كوموديتيز غروب" التجارية إنه "من الواضح أن مستوى نهر ميسيسيبي المنخفض سيؤثر على الصادرات".
وازدادت كلفة نقل المواد الأولية الزراعية عبر المراكب أربعة أضعاف منذ نهاية أغسطس/ آب، وفق أرقام وزارة الزراعة الأميركية.
وأوضح مايكل زوزولو من مكتب "غلوبال كوموديتيز" للدراسات والاستشارات: "إننا نقصي أنفسنا من سوق التصدير بهذه الأسعار"، مشيراً إلى تضرر الذرة بصورة خاصة مع تراجع حركة النقل عبر المراكب إلى النصف.
ويتزامن انخفاض منسوب المياه في نهر ميسيسيبي مع توقع وزارة الزراعة تراجع إنتاج وعائدات القمح والذرة والصويا عن المستويات المرتقبة بالأساس.
وخفضت الوزارة بصورة خاصة، الأربعاء الماضي، تقديراتها لمحصول القمح بنسبة 7% عن الأرقام السابقة الصادرة في سبتمبر/ أيلول الماضي.
وعانى موسم القمح لفصل الشتاء في بعض المواقع من جفاف متواصل وخصوصا في تكساس وأوكلاهوما ونبراسكا وكنساس وكولورادو التي تمثل أكثر من 50% من الإنتاج الأميركي.
ولفت المحلل إلى أنه بفعل الارتباك على نهر ميسيسيبي، تخضع السوق حالياً للضغط، وتدنت أسعار المواد الأولية الزراعية للتسليم الآني لقاء الدفع نقداً بفارق كبير عن مستوياتها في العقود الآجلة لعدم توافر فرص لتصريف البضائع.
وأوضح أنّ "تأثير هذا سيطاول مناطق وسط البلاد التي ليس لديها مجار مائية قريبة، لمجرّد أنّ التخزين سيخضع لضغوط متزايدة مع عدم تصدير البضائع عن طريق الأنهار".
وتذكّر هذه المرحلة الصعبة بوضع مماثل سجل عام 2012، كما يشبّهها البعض بأزمة تاريخية طرأت عام 1988. وروت ديب كالهون أنه في 2012 بات من الممكن رؤية الصخور مع تدني منسوب المياه، ما منع حركة مرور المراكب. واضطر سلاح الهندسة العسكري إلى التدخل لتفجير الرؤوس الصخرية البارزة وإفساح المجال للملاحة.
وأضافت: "لم نصل إلى هذا الحد هذه السنة، لكن إذا لم يتساقط المطر وتوقفت الحركة بالكامل، سندرس إمكانية تحرير مياه من نهر ميزوري أو إفراغ خزانات في الشمال".
(فرانس برس)