- تعاني ألمانيا من نقص حاد في العمالة الماهرة في قطاعات حيوية مثل الرعاية الصحية والبناء، مما يؤثر على وتيرة بناء المساكن ويضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد.
- أعلنت الحكومة الألمانية عن نظام نقاط لجذب العمالة الماهرة، يهدف إلى إصدار 200 ألف تأشيرة مهنية في 2024، مع التركيز على معايير مثل اللغة والخبرة المهنية.
فيما بات من شبه المؤكد أن اقتصاد ألمانيا يتجه لمزيد من الانكماش هذا العام، تبحث الحكومة عن سبل إنعاشه، وتستعى لاستقطاب العمالة الماهرة في جملة قطاعات تشكل فرص عمل مهمة بالنسبة للراغبين للهجرة إلى ألمانيا أو العمل فيها. فماذا في التفاصيل وما أبرز الفرص المتاحة على هذا الصعيد؟
بداية تجدر الإشارة إلى أن خبراء الاقتصاد تخلوا عن أملهم في قدرة الاقتصاد الألماني على تجنب الانكماش خلال العام الحالي بعد انكماشه في العام الماضي. وبحسب مسح لشبكة بلومبيرغ الأميركية أوردته "أسوشييتد برس" اليوم الاثنين، يتوقع الخبراء انكماش إجمالي الناتج المحلي لألمانيا خلال العام الحالي بنسبة 0.1% بعد انكماشه العام الماضي بنسبة 0.3%. كما خفض الخبراء توقعاتهم لنمو أكبر اقتصاد في أوروبا خلال العام المقبل إلى 0.7% من إجمالي الناتج المحلي، نزولاً من 0.8% في توقعات سابقة.
في المقابل، تسعى ألمانيا المتضرر اقتصادها أساساً من تداعيات الحرب الأوكرانية والعقوبات المفروضة على الغاز الروسي، إلى إنعاش الاقتصاد بسلسلة من المساعي والتدابير، ويشكل استقطاب العمالة الماهرة واحداً من أبرز الإشكاليات المطروحة في بلد لطالما وضع عقبات كبيرة وشائكة أمام الهجرة إليه والعمل فيه والحصول على جنسيته، ليجد نفسه اليوم أمام تسهيلات كبيرة مضطر أن يقدمها للوافدين من الخارج من أجل سد فجوات الحاجة إلى العمال والموظفين في قطاعات محددة.
تشير البيانات الحكومية إلى أن عدد الوظائف في ألمانيا زاد 1.6 مليون وظيفة خلال خمس سنوات، إذ كان 89% من هذه الوظائف من نصيب الأجانب
وفي هذا الصدد، كشفت دراسة نشرتها شبكة "دويتشه فيله" الألمانية قبل يومين، أن القطاعات الأكثر تأثراً بنقص العمالة الماهرة هي قطاع الرعاية الصحية، وقطاع البناء، والإدارة العامة والعمل الاجتماعي والتربوي ورعاية الأطفال والتعليم، ومن ثم قطاع التجزئة، وأخيراً الخدمات الاجتماعية.
وأظهرت الدراسة "الحديثة" أن قطاع الرعاية الصحية هو الأكثر تضرراً من نقص العمالة الماهرة في ألمانيا. وجاء في الدراسة التي أجراها "مركز تأمين العمالة الماهرة" (كوفا) التابع لمعهد "آي دبليو" الألماني للبحوث الاقتصادية أنه تعذر شغل نحو 47 ألفاً و400 وظيفة بمتقدمين مؤهلين بشكل مناسب بهذا القطاع في المتوسط لعام 2023/ 2024.
في أي قطاعات يكمن نقص العمالة الماهرة في ألمانيا؟
لكن في أي قطاعات تحديداً يكمن نقص العمالة الماهرة التي يمكن أن يستفيد من معرفتها كل من يرغب بالهجرة إلى ألمانيا والعمل فيها لدى تقديمه طلب التأشيرة إن كان مستوفياً للشروط؟
1 - الرعاية الصحية
يكمن معظم النقص بهذا القطاع في نحو 11 ألفاً و600 وظيفة لأخصائيي العلاج الطبيعي، وسبعة آلاف و350 وظيفة مساعد طبيب أسنان، وسبعة آلاف و100 وظيفة في الرعاية الصحية والتمريضية. وبحسب الدراسة، قد تؤدي شيخوخة السكان إلى زيادة النقص في العمالة الماهرة بالقطاعات الصحية، إذ يعتبر معدّو الدراسة الألمانية أن "شيخوخة السكان تؤدي إلى زيادة الحاجة لخدمات الرعاية الصحية. وهذا يزيد العبء على العمالة الماهرة الحالية".
وكان قطاع الرعاية الصحية قد حلّ أولاً في تصنيفات القطاعات التي تعاني نقص العمالة الماهرة في ألمانيا خلال السنوات السابقة، بحسب "دويتشه فيله".
2 - البناء والتشييد
تقع ثاني أكبر فجوات العمالة الماهرة في مجالات الأعمال التحضيرية بمواقع وتركيبات البناء، وغيرها من أعمال التشطيب. وبحسب الدراسة، تعذر شغل 42 ألف وظيفة من بينها عشرة آلاف و350 وظيفة في هندسة البناء الكهربائية، وثمانية آلاف و700 وظيفة في تقنيات السباكة والتدفئة وتكييف الهواء. ووفقاً للدراسة، فإن هذا النقص في العمال المهرة يساهم ببطء وتيرة بناء المساكن في ألمانيا.
3 - الإدارة والدفاع والتأمين
وحل في المرتبة الثالثة قطاع "الإدارة العامة والدفاع والضمان الاجتماعي" بتعذر شغل 41 ألفاً و250 وظيفة، بخاصة في الإدارة العامة والعمل الاجتماعي والتربوي وكذلك رعاية الأطفال والتعليم.
يكمن معظم النقص في قطاع الرعاية الصحية بمقدار 11 ألفاً و600 وظيفة لأخصائيي العلاج الطبيعي، وسبعة آلاف و350 مساعد طبيب أسنان، وسبعة آلاف و100 في الرعاية التمريضية
4 - البيع بالتجزئة
كما حل رابعاً قطاع التجزئة بنقص بلغ 29 ألفاً و800 وظيفة.
5 - الخدمات الاجتماعية
وأتى في المركز الخامس قطاع الخدمات الاجتماعية بقرابة 28 ألف وظيفة.
ماذا يقول الخبراء عن نقص العمالة الماهرة في ألمانيا؟
في هذا الصدد، تنقل "دويتشه فيله" عن الخبير في مركز "كوفا" فيليب هيرتسر أن نقص العمالة الماهرة في الخدمات الاجتماعية والصحية يمثل مشكلة على وجه الخصوص، مشيراً إلى أن هذا قد يكون له تأثيرات سلبية على نقص العمال المهرة في المهن الأخرى، فغالباً ما يتعين تعويض النقص في خدمات الرعاية العامة (مثل مراكز الرعاية النهارية ودور رعاية المسنين) بجهود شخصية، ما يعني اضطرار آباء وقائمين بالرعاية إلى تقليل ساعات عملهم الأسبوعية.
وبحسب الدراسة إياها، ضاقت فجوة العمالة الماهرة في الآونة الأخيرة على نحو طفيف بوجه عام. وفي الفترة من يوليو/تموز 2023 حتى يونيو/حزيران 2024، تعذر في المتوسط شغل نحو 532 ألف وظيفة من متقدمين مؤهلين بشكل مناسب، بما يمثّل تراجعاً نسبته 13% تقريباً على أساس سنوي. ومع ذلك لا يزال النقص في العمالة الماهرة عند "مستوى مرتفع للغاية" تاريخياً.
أعلنت الحكومة الألمانية عن نظام قائم على النقاط مستوحى من كندا، بحيث يتم إصدار 200 ألف تأشيرة مهنية عام 2024، ضمن ما سمّته "بطاقة الفرصة"
هل تتبنّى ألمانيا النهج الكندي في استقطاب العمالة الماهرة؟
وفي إجراء عملي على هذا الصعيد، أعلنت الحكومة الألمانية أمس الأحد، أنها ستصدر تأشيرات مهنية إضافية بنسبة 10% عام 2024، بعدما خففت بعض القواعد في محاولة لمعالجة نقص العمالة الماهرة في البلاد، لا سيما مع وجود 1.34 مليون وظيفة شاغرة، وهو الأمر الذي استدعى تحرير القواعد المتعلقة بهجرة هذه العمالة في العام الماضي. وذكر بيان حكومي نقلته "فرانس برس" أنه بعد اعتماد نظام قائم على النقاط مستوحى من كندا، سيتم إصدار 200 ألف تأشيرة مهنية عام 2024، ضمن ما سمّته "بطاقة الفرصة".
وأضاف البيان أن تأشيرات الطلاب من دول ثالثة، أي غير تابعة للاتحاد الأوروبي، زادت 20%، كما تضاعف عدد تأشيرات التدريب المهني وشهد الاعتراف بالمؤهلات الأجنبية ارتفاعاً بنسبة 50% تقريباً.
ونقلت الوكالة عن وزيرة الداخلية نانسي فايزر قولها: "نحن نعمل على جذب العمالة الماهرة والمهنية التي يحتاج إليها اقتصادنا بشكل عاجل لسنوات"، فيما يعني نظام النقاط الجديد أن الأجانب الذين ليسوا من مواطني الاتحاد الأوروبي سيجدون سهولة أكبر بدخول سوق العمل الألمانية وربما إحضار عائلاتهم معهم. لكن تُعد معرفة اللغة الألمانية والخبرة المهنية والعمر من بين معايير جمع النقاط للراغبين بالعمل في ألمانيا.
وفي السياق، قالت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك إنه في ظل شيخوخة السكان ونقص سنوي يبلغ 400 ألف عامل، فإن الإصلاحات تحتاج إلى المضي قدماً، مشيرة إلى أن قطاعات الرعاية الصحية والخدمات والتكنولوجيا تعاني نقصاً في القوى العاملة.
وتشير البيانات الحكومية إلى أن عدد الوظائف في ألمانيا زاد بمقدار 1.6 مليون وظيفة خلال خمس سنوات، إذ كان 89% من هذه الوظائف من نصيب الأجانب، ما يعني أنه لولا الأجانب، لانخفض عدد الوظائف عام 2023.