لا تتوقف الضغوط التي يتعرض لها المواطن في كل دول المنطقة وبشكل يومي عند غلاء الأسعار والتضخم الجامح وتفشي ظاهرة الاحتكار وانعدام السلع الأساسية، وقبلها انعدام الأمن الغذائي.
بل امتدت لمؤشرات أخرى لا تقل خطورة عن تهاوي العملة ومعها انهيار القدرة الشرائية للمستهلك وفشله في حيازة سلع غذائية رئيسية وحياتية، حتى وإن كانت متوافرة بالأسواق.
من بين تلك المؤشرات انتشار ظاهرة الأغذية الفاسدة والأطعمة منتهية الصلاحية والأدوية المغشوشة، إضافة إلى معاناة معظم الأسواق العربية من سلع مضرة بالبيئة والصحة العامة، بما فيها سلع مستوردة من الصين وأسواق مجهولة المصدر. ووصل الغش إلى سلع أخرى منها الذهب والفضة والمعادن النفيسة.
في ظل الغلاء الفاحش وفشل الحكومات في كبح ظاهرة التضخم، تنتشر مافيا الأغذية وعصابات الموت وتجار الأزمات وصائدو الصفقات الحرام
في ظل الغلاء الفاحش وفشل الحكومات في كبح ظاهرة التضخم، تنتشر مافيا الأغذية وعصابات الموت وتجار الأزمات وصائدو الصفقات الحرام وحيتان الاستيراد والمهربون ومستغلو الأحوال المعيشية المتردية.
ينشط هؤلاء مع اختفاء الرقابة الرسمية والقوانين الرادعة وضعف الحكومات في مواجهة ظاهرة الاحتكارات والاستغلال، حيث يستغل هؤلاء تسجيل الأسعار قفزات متواصلة لممارسة تجارتهم الحرام والتي لا تقل أضرارها عن تجارة المخدرات والأسلحة، بل تفوقها خطورة لتعلقها بالصحة العامة للمواطن.
في مصر مثلا، وهي صاحبة أكبر سوق في المنطقة، باتت الأغذية الفاسدة تزعج المستهلك، وبات الجميع يخشى على صحته من الأدوية المغشوشة المنتشرة من قبل مصانع بير السلم والشركات غير المرخص لها والتي تعمل بعيدا عن أعين ورقابة الدولة.
وباتت شريحة من المواطنين تخشى تناول اللحوم خوفا من أن تكون لحوم كلاب أو حمير أو أبقار وخيول نافقة. ويوميا نسمع عن إصابة مواطنين بأزمات صحية ربما أفضت إلى الوفاة بسبب تناول أدوية مغشوشة.
وفي السودان باتت أسواقه مرتعا للتجارة الحرام بكل أصنافها، ولا يقتصر الأمر على انتشار السلع الفاسدة، بل انتشرت أيضا ظاهرة أخطر وهي العملات المزيفة، في ظل فوضى أمنية وسياسية داخل الدولة، وحرب مفتوحة بين الجيش وقوات الدعم السريع بدأت قبل نحو 5 شهور، ولا أفق لوضع نهاية لها.
باتت شريحة من المواطنين تخشى تناول اللحوم خوفا من أن تكون لحوم كلاب أو حمير أو أبقار وخيول نافقة
وفي الأردن تنتشر الأغذية الفاسدة ومنها الأرز، الوجبة الرئيسية للمواطنين، ورغم أن الدولة تعلن من وقت لآخر عن إتلاف مئات الأطنان من الأغذية الفاسدة والمواد التجميلية، إلا أن كميات كبيرة من تلك السلع تتسرب إلى الأسواق.
وفي المغرب كشف تقرير رسمي نشره مؤخرا المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية أن معظم الأغذية التي يتناولها المغاربة فاسدة، وأن الأغذية الفاسدة تحتل المركز الثاني ضمن مسببات التسمم بعد الأدوية، وأن اللحوم الرائجة في الأسواق لا تخضع للمراقبة.
وأن الخضر والفواكه الموجهة للاستهلاك الداخلي لا تخضع لأي رقابة لمدى خلوها من بقايا المبيدات التي تستعمل في الزراعة، وأن مبيدات الآفات الزراعية يتم استخدامها على نطاق واسع، باعتبارها أحد التدابير الرئيسية لتحسين الإنتاجية من وجهة نظر المزارعين.
وفي السعودية تنتشر السلع الفاسدة، رغم أنه لا يمر أسبوع إلا وتعلن السلطات عن إتلاف مئات الأطنان من السلع الفاسدة والمغشوشة.
وفي العراق تتدفق مواد غذائية فاسدة ومنتهية الصلاحية بكميات كبيرة إلى الأسواق، في ظل عدم قيام الحكومة بما يكفي لضبط الحدود والرقابة على الأسواق وفساد القطاع الخاص.
وفي سورية حدّث ولا حرج عن تفشي ظاهرة السلع الفاسدة واللحوم المتعفنة وغير صالحة للاستهلاك الأدمي والمشروبات الفاسدة، في ظل تهاو تاريخي في قيمة الليرة والغلاء غير المسبوق وخفض الحكومة دعم السلع الغذائية والوقود والكهرباء والمياه، وتخلي الدولة عن دورها في توفير السلع التموينية.
غذاء المواطن قضية أمن قومي، ولذا فإن الحكومات مسؤولة بشكل مباشر عن أمن الغذاء والأطعمة وأدوية المواطن
يتكرر المشهد في معظم الدول العربية، ومنها الجزائر وتونس وفلسطين والعديد من دول الخليج، وتزداد الظاهرة في الدول التي تشهد قلاقل سياسية وأمنية، ومنها اليمن وليبيا.
غذاء المواطن قضية أمن قومي بالدرجة الأولى، ولذا فإن الحكومات مسؤولة بشكل مباشر عن أمن الغذاء وصحة الأطعمة وأدوية المواطن، ودورها لا يقتصر فقط على الرقابة السابقة واللاحقة وتشديد القوانين وإعدام الأغذية الفاسدة، بل يبدأ من تقوية القدرة الشرائية للمواطن، بحيث تكون لديه القدرة على شراء الغذاء الصحي.