لا أعرف هل تدرك الحكومة المصرية خطورة الخطوات التي تقوم بها حاليا تجاه إدارة أصول الدولة والتفريط فيها، ومن أبرز نتائجها تجفيف خزانة الدولة من الأموال والإيرادات التي توجه لسداد رواتب وأجور الموظفين وتمويل الاستثمارات العامة ومشروعات البنية التحتية وسداد أعباء الدين العام ودعم السلع والخدمات الأساسية.
وهل تدرك الجهات المسؤولة مخاطر ذلك التوجه على عملة البلاد والاقتصاد القومي وقدرة الدولة المالية ليس فقط على المدى البعيد والمتوسط بل على المدى القصير؟
الحكومة أسست الصندوق السيادي ونقلت إليه أصولا وأراضي وعقارات وشركات ومباني واستثمارات تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، وبدلا من أن تؤول عوائد تلك الأصول لخزانة الدولة باتت تصب في خزانة الصندوق الذي لا يعرف أحد أوجه إنفاقه وحصيلة إيراداته على وجه الدقة.
حرمان خزانة الدولة المصرية من أموال ضخمة لصالح مستثمرين أجانب
وقبلها تم تأسيس صندوق "تحيا مصر" الذي يستهدف جمع 100 مليار جنيه.
وقبل أيام كشفت الحكومة عن خطة لتأسيس صندوق استثماري خاص بهيئة قناة السويس يكون له حق بيع أو شراء أو استئجار أو استغلال أصول القناة الثابتة أو المنقولة، وهو ما يفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي وبيع الأصول التابعة للقناة، وبالتالي حرمان خزانة الدولة من هذه الأموال الضخمة لصالح مستثمرين أجانب.
علما بأن إيرادات قناة السويس والتي تجاوزت 7 مليارات دولار في العام الماضي تصب حاليا في الخزانة العامة للدولة واحتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، وبدلا من تنمية الحكومة هذا المورد الدولاري الحيوي للمساهمة في احتواء أزمة عملة حادة في البلاد وتغذية الاحتياطي الأجنبي راحت تلتف عليه.
والحكومة باتت تتوسع في سياسة بيع أصول الدولة من بنوك وشركات وفنادق وموانئ وغيرها من الأصول الثمينة، وهو ما يعني حرمان خزانة الدولة في مصر من مليارات الجنيهات التي تتدفق سنويا من هذه الأصول خاصة من وحدات القطاع المصرفي.
وقد رأينا في الفترة الأخيرة كيف أن الصناديق السيادية الخليجية تتوسع في سياسة شراء أفضل وأنجح وأربح الأصول المصرية، وهو ما يعني انتقال عوائد وأرباح تلك الأصول لهذه الصناديق وتحويلها إلى الخارج، وهو ما يضغط أكثر على سوق الصرف.
الحكومة تتوسع في سياسة بيع أصول الدولة من بنوك وشركات وفنادق وموانئ وغيرها
ومع إصرار الحكومة على عودة الأموال الساخنة وصناديق الاستثمار العالمية للاستثمار في أدوات الدين الحكومية مثل السندات وأذون الخزانة يتم خفض قيمة العملة المحلية ورفع سعر الفائدة، وهنا تعمل الحكومة بشكل حثيث على تجفيف ما تبقى من موارد لدى الموازنة العامة للدولة ومساعدة المستثمرين الأجانب على اغتراف المليارات من أموال الدولة خلال فترة زمنية قصيرة.
وأخيرا تعد الحكومة مشروع قانون يقضي بنقل تبعية الأموال المصادرة والمتحفظ عليها من الخزانة العامة للدولة إلى جهاز جديد سيتم تأسيسه لإدارة تلك الأصول والتصرف بها، سواء التي يديرها جهاز تصفية الحراسات أو الإدارة المركزية لموارد وتعويضات الإصلاح الزراعي، وغيرها من الأموال التي آلت ملكيتها إلى الدولة، وهو ما يعني ضعف فرص إعادة الأصول لأصحابها وحرمان موازنة الدولة من فوائض مالية تقدر بمئات المليارات من الدولارات، خاصة مع ضخامة الأموال المصادرة منذ منتصف العام 2013 مثل المدارس والمستشفيات ودور الرعاية الصحية ومراكز التحاليل والمصانع والشركات العقارية والمحال التجارية والأراضي والوحدات السكنية وغيرها.
ببساطة، الحكومة تجفف موارد خزانة الدولة يوما بعد يوم، وهو ما يعني مزيدا من العجز في الموازنة العامة، وزيادة الفجوات التمويلية التي تعاني منها البلاد وتقدر بنحو 17 مليار دولار سنويا، والضغط أكثر على الإيرادات العامة للدولة، تزيد حدة المأزق مع زيادة أعباء الدين الخارجي والمحلي للبلاد وزيادة سعر الفائدة بهدف احتواء التضخم ومكافحة ظاهرة "الدولرة" وهو ما يرهق الدين العام.
ومع تجفيف خزانة الدولة تزيد شهية الحكومة في البحث عن موارد جديدة، وأسهل الطرق اغتراف ما تبقى في جيب المواطن، وزيادة الضرائب والرسوم الحكومية، ورفع أسعار السلع الأساسية بما فيها التموينية والغذائية، وخفض الدعم الحكومي، وربما بيع أسعار المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز بأسعار تفوق الأسعار العالمية.