فرضت جائحة كورونا وتداعياتها واقعاً صعباً على موازنة الأردن الجديدة لعام 2021، ما عكس حجم التحديات التي تواجه الوضع الاقتصادي في ظل الانحدار المتواصل في مستويات المعيشة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق.
وفي قراءة لبنود مشروع الموازنة العامة الذي أقره مجلس الوزراء أخيراً، بحجم 14 مليار دولار، يتضح أن العناوين الأبرز للبرنامج المالي للحكومة العام المقبل هو التصدي لتدهور معيشة المواطنين وتعزيز الحماية الاجتماعية في ضوء الارتفاع الكبير لمعدل الفقر وفقدان عشرات الآلاف لوظائفهم في عام 2020 بسبب الجائحة.
وزير المالية الأردني، محمد العسعس، أكد في تصريحات صحافية أنه عُزِّزَت الحماية الاجتماعية والقدرة الشرائية للمواطن خلال موازنة عام 2021، وأن الحكومة تهدف إلى التخفيف من البطالة ومنع تحولها إلى مشكلة بالتوازي مع جائحة كورونا، قائلاً إنه رُصدَت مخصصات لدعم العاملين في القطاعات المتضررة.
وبموجب مشروع الموازنة، فقد رفعت الحكومة مخصصات صندوق المعونة الوطنية الذي يعطي راتباً شهرياً للأسر الفقيرة بنسبة 38%، لتصبح 284 مليون دولار، مقابل 205 ملايين دولار لعام 2020، وذلك في محاولة لاحتواء ارتفاع أعداد الأسر الفقيرة هذا العام.
وحسب تقديرات البنك الدولي، يتوقع أن ترتفع نسبة الفقر في الأردن من 15.7% إلى 27%، فيما ارتفعت البطالة إلى 23.9% للربع الثالث من العام الحالي، وفق بيانات رسمية صدرت عن دائرة الإحصاءات العامة (حكومية).
إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي، حسام عايش، لـ"العربي الجديد"، إن شكل الموازنة العامة للعام المقبل مختلف تماماً عن السنوات السابقة، حيث يجب على الحكومة التعاطي مع النتائج السلبية لجائحة كورونا من خلال التوسع بالإنفاق الرأسمالي لتنشيط بيئة الأعمال وتحريك القطاعات الاقتصادية.
وأضاف أن من أخطر إفرازات الجائحة هو الارتفاع الكبير في نسبتي الفقر والبطالة، ما يتطلب إجراءات مباشرة من قبل الحكومة من خلال صرف معونات نقدية مباشرة للأسر الفقيرة، بهدف الحد من الأوضاع المالية الصعبة التي يعاني منها كثير من الأفراد الذين خسروا وظائفهم وعمال المياومة (اليومية) بسبب الانكماش الاقتصادي والحظر الذي فرضته الحكومة ولا تزال من حين لآخر لمواجهة الجائحة الصحية.
وقال إنه لأول مرة منذ سنوات يرتفع العجز المالي إلى هذا المستوى بعد احتساب المنح الخارجية، ما سيؤدي إلى ارتفاع مباشر في حجم الدين العام، وبالتالي ستجد الحكومة نفسها مضطرة إلى الاقتراض لتغطية العجز المالي وتنفيذ الأولويات الواردة فيها بخاصة الإنفاق على بندي الرعاية الصحية والاجتماعية.
وقدرت الموازنة العامة العجز المالي بعد المنح الخارجية بنحو 3.6 مليارات دولار، وتوقعت الحكومة انخفاض المنح الخارجية إلى 814 مليون دولار، ما سيُسهم في رفع العجز المالي.
وحسب وزير المالية الأردني، فإن الانكماش هذا العام بلغ 3%، متوقعاً أن ينعكس عام 2021 بنمو نسبته 2.5%، سيصاحبه تضخم بنسبة 1.3%، ليكون النمو الاسمي 3.8%.
من جانبه، قال النائب في البرلمان الأردني، موسى هنطش، لـ"العربي الجديد": "نأمل أن تلتزم الحكومة ما ورد في مشروع الموازنة العامة بعدم فرض ضرائب أو رسوم جديدة في إطار سعيها، كما قال وزير المالية، لاستعادة قدرة الاقتصاد على النمو وخلق الوظائف".
وأضاف أن الأوضاع المعيشية للمواطنين وانكماش الاقتصاد لا يحتمل زيادة الأعباء المالية على المواطنين والقطاعات الاقتصادية، بل يجب أن تكون الموازنة العامة محفزة للنمو من خلال الإنفاق الرأسمالي ورفع القدرات الشرائية والحد من ارتفاع الأسعار.
وبيّن هنطش أن مجلس النواب الذي سيناقش الموازنة في دورته البرلمانية المنتظرة سيؤكد ضرورة التزام الحكومة عدم رفع الضرائب وزيادة الأسعار وحماية الطبقات الفقيرة من تداعيات كورونا.
وكان زير المالية قد أوضح أنّ الإنفاق الرأسمالي رُفع 24.4%، ورُصدَت مخصصات لمشاريع الشراكة مع القطاع الخاص، تستهدف جذب الاستثمار.
وتوقعت الحكومة أن تبلغ الإيرادات العامة المتوقعة 11.1 مليار دولار وانخفاض ضريبة الدخل بقيمة 178 مليون دولار وارتفاع ضريبة المبيعات 5.3 مليارات دولار، وهو ارتفاع مرتبط باستعادة زخم النمو.
المدير العام للموازنة العامة مجدي الشريقي، قال إنه رُصد مبلغ نحو 85 مليون دولار لدعم القطاعات المتضررة من جائحة فيروس كورونا الجديد في مشروع الموازنة العامة لعام 2021.
وتابع قائلاً إن قيمة القروض المقدر الحصول عليها خلال العام المقبل تبلغ حوالى 10 مليارات دولار، وتشمل الاستدانة من البنوك المحلية والاقتراض من دول ومؤسسات دولية وطرح سندات يورو بوند في الأسواق العالمية.
وكانت الحكومة قد أعلنت أنها ستعيد صرف زيادة رواتب العاملين في الجهازين المدني والعسكري اعتباراً من بداية العام المقبل، التي كانت الحكومة السابقة برئاسة عمر الرزاز قد أوقفت صرفها في إطار سعيها إلى تخفيض عجز الموازنة ومواجهة تداعيات أزمة كورونا.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي، موسى الساكت، إن توجه الحكومة لاقتراض مبلغ كبير بحجم 10 مليارات دولار العام المقبل سيفاقم وضع المديونية العامة للمملكة التي لا شك ستقفز عن 50 مليار دولار لأول مرة في تاريخ الأردن، وبالتالي سترتفع فوائد وأقساط الدين العام.
وأَضاف الخبير الاقتصادي لـ"العربي الجديد" أن زيادة المخصصات الرأسمالية في موازنة العام المقبل مهم للغاية، كذلك يجب توجيه دعم مباشر للقطاعات الاقتصادية المتضررة من الجائحة لزيادة مقدرتها على مواجهة الظروف الراهنة.
وشدد الساكت على ضرورة تكثيف جهود محاربة التهرب الضريبي وملاحقة المتهربين من دفع الضريبة، وخاصة المبالغ الضخمة التي هي حق للخزينة، ما يساهم في زيادة الإيرادات المحلية.
وفي لقائه مع مجلس إدارة غرفة صناعة الأردن، أخيراً، أكد رئيس الوزراء بشر الخصاونة، أن حكومته تضع ضمن أولوياتها للعام المقبل مضاعفة الجهود لمواجهة وباء كورونا وتداعياته على مختلف القطاعات التي ستُدعَم بالقدر المستطاع.
ولكن في مقابل البنود الحمائية للفقراء في الموازنة الجديدة، يتخوف مراقبون من أن تتخذ الحكومة قرارات تزيد من أعباء الفقراء، ومنها إلغاء الدعم النقدي المباشر للخبز للفئات الفقيرة ومتدنية الدخل اعتباراً من العام المقبل، بعد ثلاث سنوات متتالية من صرفه بسبب ارتفاع أسعار الخبز، حسب تصريحات سابقة لمسؤول أردني لـ"العربي الجديد"، الذي قال إنه لن يكون هناك أي دعم بدل ارتفاع أسعار الخبز للمواطنين اعتباراً من عام 2021، ولذلك لم تُرصد مخصصات مالية في مشروع الموازنة العامة.