منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المتواصلة منذ السابع من أكتوبر 2023 الماضي، عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى استهداف البنية التحتية وتدمير المنشآت التجارية والمصانع وقطاع المطاعم والسياحة بشكلٍ مكثف، لا سيما في مدينة غزة التي تعتبر الأكثر نشاطاً من الناحية الاقتصادية.
وأظهرت الصور ومقاطع الفيديو تدمير الاحتلال لهذه المؤسسات والمنشآت، وهو أمر ينعكس بالسلب على المشهد الاقتصادي المدمر بالأساس، بفعل تلاحق الحروب الإسرائيلية على غزة، إلى جانب الحصار المفروض للعام السابع عشر على التوالي منذ عام 2006.
وقبل الحرب الإسرائيلية على غزة كانت معدلات البطالة تلامس 50% بشكل عام، وفي صفوف الشباب الخريجين 60%، أما في صفوف الإناث فتصل إلى 80%، فضلاً عن اعتماد قرابة 80% من السكان على المساعدات التي تقدمها المؤسسات المانحة.
ومن المتوقع أن ترتفع النسبة بشكل أكثر حدة خلال الفترة المقبلة مع انتهاء الحرب. ويقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن التقديرات الحكومية الأولية للخسائر المباشرة للحرب على قطاع غزة تبلغ نحو 12 مليار دولار، مشيرا إلى أن هذه التقديرات لا تشمل الخسائر غير المباشرة التي تسبب فيها العدوان على القطاع.
ويضيف الثوابتة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن الخسائر تتضمن المنازل، حيث جرى استهداف وقصف وهدم 305 آلاف وحدة سكنية، بينها 52 ألف وحدة تعرضت لهدم كلي، بتكلفة تقدر بحوالي 2.34 مليار دولار.
ويشير إلى أن هناك 253 ألف وحدة سكنية تم هدمها بشكل جزئي بتكلفة 5.06 مليارات دولار، وبالتالي فإن التقدير الأولي والمبدئي لخسائر قطاع الأبنية المنزلية يبلغ نحو 7.4 مليارات دولار، في حين أن القطاع الصناعي بلغت فيه التقديرات الأولية والمبدئية نحو 450 مليون دولار.
ووفق المسؤول الحكومي، فإن الخسائر على صعيد القطاع التجاري تشمل الأسواق والمحلات التجارية والمطاعم والفنادق والمخازن التجارية وغيرها من المنشآت التجارية التي تعمل على استقرار الواقع في قطاع غزة، لافتا إلى أن التقدير الأولي لخسائر هذا القطاع يبلغ نحو 650 مليون دولار.
ويؤكد أن الحرب انعكست بالسلب أيضاً على القطاع الزراعي، حيث تعتمد غزة عليه في توفير الغذاء لأكثر من 2.4 مليون نسمة، إلا أن تعطّل هذا القطاع أثر بشكل سلبي على الحركة الاقتصادية، لا سيما في القطاع الحيواني والأسماك، مشيرا إلى أن الخسائر الأولية لهذا القطاع تقدر بحوالي 420 مليون دولار.
وعلى الصعيد الحكومي، فإن التقديرات المترتبة على توقف عمل جميع الوزارات والمؤسسات بشكل عام بلغت 330 مليون دولار، خاصة في ظل توقف العملية المالية التبادلية التي تعمل على تحريك السوق المحلي بشكل عام.
كذلك بلغت خسائر القطاع التعليمي نحو 740 مليون دولار، نتيجة لقصف وتدمير الجامعات ونسف مقارها وتخريب المعدات والمختبرات والأجهزة التعليمية، وفق الثوابتة، الذي يقول إن القطاع الإعلامي تكبد خسائر مبدئية بنحو 160 مليون دولار، حيث يشمل ذلك المؤسسات الإعلامية المختلفة من فضائيات وإذاعات ووكالات إخبارية ومراكز إعلامية تدريبية، في حين أن خسائر القطاع الترفيهي والفندقي بلغت 400 مليون دولار.
ويشير المسؤول الحكومي إلى أن خسائر قطاع الاتصالات والإنترنت بلغت 600 مليون دولار، أما خسائر قطاع النقل والمواصلات بما يشمل السيارات والمركبات المختلفة والشاحنات وأسواق ومعارض السيارات والسفن وتخريب الشوارع والطرق وتعطل الحركة، بلغت نحو 480 مليون دولار.
ويلفت الثوابتة إلى أن خسائر قطاع الكهرباء بلغت 120 مليون دولار، وهي تشمل شبكات الكهرباء المختلفة والأسلاك والأعمدة الحديدية والخشبية والأدوات ومقدرات شركة توليد الطاقة وشركة توزيع الكهرباء وغيرها من المتعلقات في قطاع الكهرباء.
وبحسب مدير المكتب الإعلامي الحكومي، فإن هذه التقديرات أولية وغير نهائية للخسائر المباشرة، ولا تشمل الخسائر غير المباشرة، لأنه لا يمكن إعطاء تقدير كامل لهذه الخسائر في هذه المرحلة، خاصة أن العدوان الإسرائيلي ما يزال مستمراً ولم تنته فرق الإحصاء والحصر من 3% من أعمالها.
من جانبه، يؤكد المختص في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب، أن تقديرات الخسائر الاقتصادية لقطاع غزة جراء الحرب ما تزال أولية وهي محددة بنهاية عام 2023 وقابلة للزيادة في حال استمرار الحرب فترات أطول.
ويقول أبو جياب لـ"العربي الجديد" إن تكلفة مرحلة الإيواء والإغاثة الطارئة للسكان تحتاج فقط إلى أكثر من ملياري دولار، كما أن إعادة إعمار البنية التحتية من طرق وشبكات مياه وصرف صحي وكهرباء واتصالات تحتاج ما يزيد عن 3 مليارات دولار، لافتا إلى أن هناك الكثير من القطاعات التي تحتاج إلى إعمار وتشغيل، منها القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية التي تحتاج إلى أكثر من ملياري دولار.
ومع نزوح قرابة مليوني نسمة من أماكن سكنهم، فإن كوارث وأزمات إنسانية كبرى يواجهها هؤلاء جراء حالة الحصار الإسرائيلي الذي شدد الاحتلال الإسرائيلي خناقه مع بداية الحرب الحالية المستمرة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وأغلق جيش الاحتلال المعابر الحدودية مع غزة وقطع الكهرباء عنها، ويسمح بدخول كميات شحيحة من الغذاء والمساعدات عبر معبر رفح جنوبا، بعد تفتيشها من قبل قواته في معبر العوجا الذي يربطه بمصر.
كما تعززت أزمة السيولة النقدية، مع بداية العدوان الحالي، حيث أغلقت البنوك المحلية والعربية العاملة في القطاع أبوابها بسبب القصف الإسرائيلي، واعتمد الغزيون على ما هو متوفر من سيولة نقدية لديهم أو لدى بعض الصرافين العاملين في السوق السوداء.
ولم يشهد القطاع خلال هذه الفترة أي عملية إدخال للعملات الثلاث المتداولة بشكلٍ أساسي في غزة سواء الدولار أو الدينار الأردني أو الشيكل الإسرائيلي، كما كان الفلسطينيون قد اعتادوا في السنوات السابقة على عمليات إدخال تتم بشكلٍ إما شهري أو على فترات متباينة.
ويعتمد السوق المحلي في الفترة الحالية على ما هو موجود من سيولة نقدية متداولة تنتقل بين الفلسطينيين والصرافين، فيما شحت عملة الدولار من الأسواق، حيث أوقفت بعض البنوك صرفها، فيما يلجأ بعض الصرافين لاستخدام الشيكل في صرف الحوالات المالية الخارجية بدلاً من الدولار أو الدينار الأردني.