يزرع الرئيس الأميركي دونالد ترامب المزيد من الألغام في طريق الرئيس المنتخب جو بايدن، الذي بات من المؤكد أنه سيتسلم الرئاسة رسمياً في 20 يناير/ كانون الثاني. ويستهدف ترامب عبر زراعة هذه الألغام التأكد من أن صراع النفوذ الرامي لعزل الصين سيستمر خلال السنوات المقبلة. ويتخوف الجمهوريون، خاصة التيار اليميني المتطرف، من تبني إدارة بايدن لاستراتيجية مرنة تسمح للشركات الصينية بمواصلة التمدد في الأسواق الدولية بدلاً من عزلها عن المحيط العالمي.
في هذا الصدد، تخطط إدارة ترامب لحظر شركة الطاقة الوطنية الصينية "سي أن أو أو سي"، التي تملكها الدولة، وهي من كبرى شركات الطاقة الصينية إلى جانب سينوبيك.
وقال الخبير النفطي بشركة "آي أتش ماركت" دان يرغن، في تعليقات نقلتها قناة "سي أن بي سي" الأميركية، إن صراع النفوذ بين الولايات المتحدة والصين سيتواصل في عهد الرئيس المنتخب جو بايدن. وترى إدارة الرئيس ترامب أن شركات الطاقة الصينية من بين القطاعات المهمة التي سيعرقل حظرها النمو التجاري الصيني إلى جانب محاصرة شركات التقنية.
ويلاحظ أن الحكومة الصينية تتخوف منذ مدة من محاصرتها نفطياً، خاصة إبان أزمة الحاويات النفطية في مضيق هرمز، وبالتالي عملت بكين على تأمين احتياجاتها النفطية لأطول فترة ممكنة عبر استراتيجية مكونة من ثلاث نقاط رئيسية، وهي تملك حصص أغلبية في شركات النفط الأجنبية، خاصة في أفريقيا وروسيا، وزيادة استثماراتها في خطوط الأنابيب والطاقات البديلة، وزيادة المخزون الاستراتيجي والمخزونات التجارية من الخامات النفطية عبر تشجيع شركات النفط الوطنية والمصافي على رفع مشترياتها من النفط الرخيص.
وحسب بيانات صينية، رفعت الحكومة الصينية من احتياطاتها النفطية الرسمية والتجارية من الخامات خلال العام الجاري وسط التخوف من فوز الرئيس ترامب بولاية رئاسية ثانية، وساعدها في ذلك انهيار أسعار النفط خلال أشهر مارس/ آذار وإبريل/ نيسان ومايو/ أيار الماضية، حينما هبطت الأسعار إلى أقل من 20 دولارا للبرميل في بعض الأوقات.
وحسب تصريحات لكبير المدراء بشركة "أس آي أيه" الصينية، سينغ يك، فإن احتياطات المخزونات التجارية والرسمية الصينية من الخامات بلغت نحو 1.16 مليار برميل خلال العام الجاري، وهو ما يكفي واردات الصين لمدة 105 أيوام. من بين هذه الكميات نحو 370 مليون برميل كاحتياطي استراتيجي في خزانات الحكومة الصينية.
وحسب سينغ يك، رفعت المصافي الصينية كذلك مخزوناتها إلى 180 مليون برميل. وتستورد الصين نحو 70% من احتياجاتها من الخارج، وهو ما يضعها في موقف حرج في حال حظر شركاتها النفطية من قبل واشنطن. كما تستهدف إدارة ترامب من خطوات حظر شركات نفطية صينية، قطع الطريق كذلك أمام اتفاقية طاقة استراتيجية تخطط لها الصين مع إيران.
وتتضمن اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين إيران والصين استثمارات صينية هائلة في إيران، تقدر قيمتها بـ400 مليار دولار على مدى 25 عاما، منها 280 مليار دولار تمثل حجم الاستثمارات المتوقعة في قطاعي الغاز والنفط الإيرانيين، و120 مليار دولار في شبكة الطرقات والمطارات والسكك الحديدية. ولا تبدي الصين تلك الحماسة التي يبديها الجانب الإيراني تجاه وثيقة الشراكة الاستراتيجية، غير أنه لم يتم التوقيع عليها بعد، وبحسب التصريحات الإيرانية، فإن المباحثات بشأنها مستمرة.
وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد قال قبل شهرين، إنه "لم تبدأ بعد المباحثات النهائية بسبب كورونا"، إلا أنه أكد في الوقت ذاته أن الطرفين "قريبان جداً من الاتفاق". ويرغب ترامب بأن يجيز الكونغرس الأميركي عقوبات على شركات نفط صينية مهمة تعوق اجتمال توقيع مثل هذه الاتفاقية الاستراتيجية في عهد بايدن. كما يعمل ترامب كذلك على عرقلة الصادرات النفطية الإيرانية التي تشتريها الشركات الصينية من إيران رغم الحظر المشدد الذي تنفذه واشنطن.
وإضافة إلى حظر شركات النفط الصينية، تخطط إدارة الرئيس ترامب لحظر المزيد من شركات التقنية الصينية وتضييق الخناق عليها في السوق الأميركي. في هذا الشأن، يدفع ترامب الكونغرس حالياً لإجازة قانون يطالب بإلغاء سجل الشركات الصينية في بورصة "وول ستريت" ما لم تقدم حسابات مدققة من قبل شركات محاسبية دولية معترف بها لدى الولايات المتحدة.
ولا تعترف السلطات الأميركية بشركات المحاسبة القانونية الصينية، بينما تحرم الإجراءات القانونية الصينية شركاتها من تقديم معلومات حساسة لجهات أجنبية. وبالتالي ستجد الشركات الصينية صعوبة في الإيفاء بمتطلبات سلطات البورصة الأميركية. ويمنح القانون الذي يدرس الكونغرس إجازته، الشركات الصينية ثلاث سنوات للإيفاء بهذه الإجراءات الجديدة التي تطالب بها البورصة الأميركية.
والرئيس المنتخب بايدن ليس من محبي الصين، كما لا يملك علاقات حميمة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وربما ستجد الإدارة الديمقراطية الجديدة صعوبة في رفع الحظر المقر والحظر الجديد على شركات التقنية الأميركية وشركات النفط في حال إقرارها، لأن الكونغرس معبأ تماماً ضد الصين. وتتكون استراتيجية الرئيس بايدن تجاه الصين من ثلاث نقاط رئيسية، وهي تكوين تحالف من الاقتصادات الديمقراطية والليبرالية في العالم لمحاصرة التمدد الصيني، والتركيز على خروقات الصين لنظم حقوق الملكية الفكرية، ومطالبتها بإجراء إصلاحات واسعة على قوانين التجارة والمنافسة وفتح أسواقها دون شروط أمام المنافسة الخارجية.