خلال أيام قليلة أقدمت دولتان عربيتان نفطيتان، هما ليبيا والعراق، على خفض قيمة عملتهما الوطنية أمام الدولار بنسبة كبيرة في محاولة منهما لوقف تهاوي قيمتهما خاصة في سوق الصرف السوداء النشطة.
فقد أعلنت الحكومة العراقية أمس السبت عن خفض جديد في قيمة الدينار أمام الدولار، بحجة معالجة الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد بسبب تهاوي أسعار النفط المصدر الرئيسي للإيرادات العامة، ووقف تهاوي العملة في السوق السوداء.
والملفت في الحالة العراقية أنه بدلاً من استعادة الحكومة الأموال المنهوبة التي تقدر بنحو 450 مليار دولار، وفق أرقام عضو اللجنة المالية في البرلمان سابقاً رحيم الدراجي، وعدم توجيه اتهامات للصوص المال العام، راحت تختبر الحلول السهلة وهي خفض قيمة العملة، وزيادة الضرائب، وتقليل الإنفاق العام، وهي الأمور التي ستكون لها تأثيرات خطيرة على الاقتصاد والمواطن.
أما في ليبيا فقد خفض مجلس إدارة المصرف المركزي الدينار يوم الأربعاء الماضي عبر التوصية بتوحيد سعر صرف العملة المحلية، عند 4.48 دنانير للدولار بدلاً من السعر الرسمي الذي كان محدداً عند 1.4 دينار.
ورغم هذا الخفض الحاد إلا أن الدينار واصل تراجعه في السوق السوداء، وهو الأمر المتوقع حدوثه في العراق أيضاً.
وقبل أيام تكرر المشهد في اليمن حيث تتهاوى العملة الوطنية الريال مقابل الدولار بسبب استمرار الحرب الأهلية، وانقسام البنك المركزي في البلاد، وتهاوي تحويلات اليمنيين المغتربين، خاصة العاملين في السعودية، وتوقف دول التحالف عن تقديم موارد إضافية لاحتياطي البنك المركزي اليمني.
وسبقت الدول الثلاث دول أخرى، منها لبنان والسودان وسورية ومصر التي تراجعت قيم عملاتها الوطنية بشدة، وفي الطريق الجزائر وغيرها من الدول التي باتت تعاني من تراجع حاد في إيرادات النقد الأجنبي بسبب تهاوي أسعار النفط والخسائر الفادحة من جراء تفشي وباء كورونا، أو بسبب أعباء الدين الخارجي الذي تفاقمت أرقامه في السنوات الأخيرة، وعدم قدرة بعض الدول على سداد مستحقات ديونها كما حدث في لبنان.
خطورة الخفض المتواصل في قيمة العملات الوطنية لمعظم الدول العربية تترتب عليه أمور خطيرة، منها حدوث قفزات في أسعار السلع والخدمات، وخفض في القيمة الحقيقية للرواتب والدخول، وتهاوي في المدخرات الوطنية، وضعف في القدرة الشرائية للمواطن، وهي أعباء بات المواطن لا يستطع تحملها، خاصة مع ضعف الدخل، وزيادة تضخم الأسعار، وتراجع فرص العمل المتاحة.
لم تكتف الحكومات العربية بخفض قيمة العملات، بل راحت تفرض مزيداً من الضرائب والرسوم في محاولة لاستنزاف ما تبقى في جيب المواطن المغلوب على أمره، والنتيجة حدوث مزيد من الفقر والبطالة وركود الأسواق وإفلاس المصانع وتعثر الشركات، ومعها أزمات مجتمعية لا حصر لها.
الملفت أن بعض دول العالم تحرص على خفض عملاتها كما هو الحال في الصين والولايات المتحدة وسويسرا واليابان والهند وماليزيا وفيتنام وتايوان وتايلاند وسنغافورة وكوريا الجنوبية في محاولة لزيادة إيراداتها من النقد الأجنبي.
أما في المنطقة العربية فإن الخفض يؤدي إلى مزيد من التراجع، سواء للنقد الأجنبي أو لدخول المواطن، والسبب أن الحكومات تخفض قيمة العملات دون أن يكون لديها خطة للاستفادة من الخطوة في ترويج سلعها في الأسواق الخارجية، وزيادة صادراتها، وجذب مزيد من السياح والاستثمارات والأموال الأجنبية إلى الداخل.
الملفت في الأمر أنه في الوقت الذي يتلقى فيه الدولار ضربات في الأسواق العالمية، مع توقعات تراجع سعره 20% في العام المقبل حسب سيتي جروب، أكبر مصرف في العالم، خاصة مع تفاقم أزمات الاقتصاد الأميركي بسبب تداعيات تفشي كورونا، وحرص إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن على معالجتها، نجد الدولار يستأسد في دول المنطقة أمام عملات عربية تعاني من الضعف والفساد والنهب وتهريب الأموال وندرة النقد الأجنبي.