تفاصيل أكبر عملية احتيال ضريبي بملياري دولار بطلها سانجاي شاه: "متاهة دوّخت المحققين في الدنمارك"
مع إعلان شرطة دبي ووزارة العدل الدنماركية أمس الجمعة، عن توقيف المتهم بالاحتيال على نظام الضريبة الدنماركية، سانجاي شاه، يُسدل الستار على أكبر عملية مطاردة لمحتال دولي استغل قوانين الدول للإفلات من الملاحقة والتسليم منذ 2015.
وقبل الحديث عن الآلية وحجم المبالغ التي حولت له من مصلحة الضرائب الدنماركية وجب التذكير بأن شاه، بريطاني الجنسية (58 سنة)، اختار الانتقال إلى دبي منذ سنوات لعدم وجود اتفاقية تبادل متهمين بين الإمارات والدنمارك، وهي اتفاقية توصل إليها البلدان ووقعاها في مارس/آذار الماضي، وبموجبها أمكن للقضاء الإماراتي توقيف شاه أمس.
وعلى الرغم من أن اسم سانجي شاه هو المتداول، فإن القضية تشمل أشخاصا آخرين، من أميركيين وبريطانيين وجنسيات أخرى متورطة، في أكبر عملية احتيال في تاريخ الدنمارك.
استغلال الثغرات
ما جرى، وشكل حالة "إذلال" لنظام الضريبة الدنماركية، بحسب ما توصف به القضية، أنه بين 2012 و2015 استطاعت شبكة شاه، من أشخاص وشركات، خداع ذلك النظام بـ12.7 مليار كرونه (نحو 2 مليار دولار).
في تلك السنوات كانت مجموعة شركات شاه تتقدم بوثائق مزورة إلكترونيا لاستعادة مبالغ ضخمة، بحجة أنها تعود لدفع وكلاء مستثمرين ضرائب في دولهم.
اكتشفت "الضريبة" الدنماركية متأخرة في أواخر صيف 2015 الثغرة التي استغلها الرجل من خلال 124 شركة مختلفة الأسماء لتحويل المبالغ من الخزانة الحكومية إلى حسابات بنكية خارجية، بتزوير وثائق.
وشكلت القضية صدمة وغضبا شعبيا لأن المبلغ الضخم يساوي عمليا ما يدفعه في المتوسط أكثر من 136 ألف مواطن كضرائب دخل وأسهم وممتلكات خلال عام واحد.
بنى شاه، ما يسميه المتخصصون الاقتصاديون "متاهة شركات للنصب الدولي"، مستفيدا من عمله السابق كمصرفي في بنوك بريطانية سابقا.
ويعتقد هؤلاء أن المبالغ التي دفعت احتيالا من الدنمارك تشكل جزءا من عمليات احتيال دولي أوسع.
وصفت الصحافة المحلية "المتاهة" المكتشفة في أغسطس/آب 2015 بأنها "دوخت محققي الضرائب".
فالاحتيال تطلب إنشاء شركات وهمية وصل عددها، بتقدير شرطة الجرائم الاقتصادية الدنماركية وبالتعاون مع سلطات نيويورك ولندن، إلى 124 شركة. وأشهر تلك الشركات الصورية "هولمولوو هولدينغ" و"باركودا هولدينغ".
والشركات مسؤولة أمام الضريبة عن الإبلاغ حول آلية دفع المتربحين للضريبة، وتقديم إثباتات على أنها دُفعت في بلد المستثمر، وخصوصا تلك التي تملك اتفاقية عدم الازدواج الضريبي مع كوبنهاغن. وذلك ما كانت شركات شاه تفعله، لكن بالتزوير والاحتيال.
استغل المحتالون الثغرات الضريبية لجني ملياري دولار من خلال أكثر من 3 آلاف استمارة استرجاع ضريبي، حولت أموالها إلى حسابات أجنبية خلال 3 سنوات تقريبا.
وآخر التحويلات بنحو 100 مليون كرونه دنماركية جرت في نفس اليوم الذي انتبه فيه أحد مديري مصلحة الضريبة إلى أنه ثمة تلاعب وتزوير في الأوراق والوثائق.
الحقيقة المرة التي واجهتها الخزينة الدنماركية أنه لم يكن هناك مستثمرون ولا أرباح ولا ضرائب، بل نصب واحتيال وتزوير عالي المستوى، وفخاخ وقعت فيها. فلم يكن سهلا سد الثغرة غير المكتشفة، والتي كانت تدفع للمتقدم باستعادة الضرائب. فالقصة احتاجت فقط ملء استمارات وإرسال وثائق.
أخذ التحقيق الدنماركي سنوات للكشف عن أدق تفاصيل ما جرى. ووصلت أوراق التحقيقات إلى أكثر من 4 آلاف صفحة، حددت بالتفصيل ما جرى مع كل عملية تحويل مالي.
وبينت تحقيقات الدنمارك أن شخصا واحدا فقط في الولايات المتحدة الأميركية، ضمن متاهة شبكات شاه، استطاع خداع الضريبة، من خلال 200 طلب استرداد ضريبة مستقطعة عن الأرباح المزعومة في أسهم دنماركية.
بدهاء كبير، كان سانجي شاه والشركاء في النصب يتفحصون الدول التي تقيم اتفاقية مع كوبنهاغن، فاستغلوا وجودها مع ماليزيا، ليقوموا عبر 24 شركة وهمية في مقاطعة لابوان الماليزية باستعادة مئات ملايين الكرونات خلال السنوات التي شهدت نشاط شبكة الاحتيال الضريبي.
آمال باستعادة بعض المال
بقيت كوبنهاغن منذ انكشاف تفاصيل عملية النصب تتابع مكان إقامة شاه، الذي كان يقيم مع أسرته في لندن. وبعد تضييق الخناق عليه انتقل الرجل مع أسرته إلى فيلا فاخرة اشتراها في دبي.
التحقيقات توصلت إلى أن شاه هو العقل المدبر والمهيمن على أكبر نسبة من الأموال المنهوبة، حيث احتفظ لنفسه بنسبة 80 في المائة من ملياري دولار، بينما وزع الباقي على الشركاء، وبينهم بريطانيون وأميركيون، لم تستطع كوبنهاغن حتى اليوم جلبهم إلى المحاكمة على أراضيها.
وعرض محتالون أميركيون، من شركاء شاه، وهم ماثيو شتاين وجيروم لوت ولوك ماكجي، إعادة نحو 4 مليارات كرونه كتسوية لوقف ملاحقتهم قانونيا.
هروب شاه إلى دبي، وتخفيه عن الأنظار، شكل خيبة دنماركية كبيرة في البداية. وبقي تتبعه والبحث عن آثاره مثل قضايا الإثارة السينمائية، إذ شاركت بعض الصحف، بل وحتى التلفزيون الدنماركي، في تتبع أثره، حتى أعلن الرجل بنفسه أنه بالفعل قام باستغلال الثغرة في النظام الضريبي الدنماركي و"استرد ضرائب" منها.
تفاخر الرجل في مقابلات عام 2019 عن جني أموال دافعي الضرائب في الدنمارك لاعتقاده أنه نجا بفعلته، وأن الإمارات لن تسلمه طالما أنه ليس هناك اتفاقية تبادل مع الدنمارك، مع تأكيده متهكما أنه "مستعد للسفر إلى الدنمارك ليستمع القاضي إلي بشرط عدم توقيفي".
الآن وقد خرجت وزارة العدل الدنماركية والسلطات الإماراتية بتأكيد أن الرجل أوقف، بعد أقل من 3 أشهر على توقيع اتفاقية التبادل، لا تسعى السلطات فقط إلى تتبع وتجميد ومصادرة الأملاك والأموال، بل إلى تسفيره مرحلا إلى المحاكم الدنماركية.
وحددت محكمة كوبنهاغن بدء محاكمته في أكتوبر/تشرين الأول القادم وحتى بدايات عام 2023. عادة يحاكم المحتال، أو المتهم بجريمة اقتصاد، بـ8 سنوات سجنا، بينما الإدعاء العام يطالب باستغلال فقرة في قانون العقوبات الدنماركي ليقضي شاه 12 سنة في السجن، وعلى أمل استعادة بعض ما نهبه، بعد أن غيرت "الضرائب" الدنماركية بشكل تام طرق عملها وسدت كافة الثغرات كي لا يتكرر معها "الاحتيال المذل".