استقبلت المؤسسات العمومية والخاصة في الجزائر خبر خصم الحكومة الجزائرية 10 مليارات دولار من ميزانية التجهيز في موازنة 2021، بالكثير من القلق، كون أعمالها ترتبط بالإنفاق العام الآخذ في التراجع خلال السنوات الأخيرة. إذ ترتبط شركات البناء والإنتاج والخدمات وغالبية الأنشطة الاقتصادية، بطريقة أو بأخرى، بالإنفاق العمومي أو عائدات النفط.
مع دخول الجزائر عهد "التقشف" وتوجه الحكومة الجزائرية إلى تقليص ميزانية التجهيز، وجد الآلاف من الشركات نفسه في ضائقة مالية، منها ما تأثر بطريقة مباشرة ومنها ما طاولته خسائر جانبية. واقع سيعرقل وتيرة النمو الاقتصادي، وفق الخبراء.
يقول عباس بولعراس مدير شركة مختصة في صناعة الأحذية الأمنية إن "هذه الحالة بدأت منتصف السنة الماضية، لكن منذ فبراير/شباط بدأنا نشعر بثقل الضربة القاضية، إذ أصبح لدينا طلبات لكن بلا سداد ثمنها". ويتنوع زبائن بولعراس بين شركات خاصة وعمومية، "كلهم يعانون، وبمجرد أن نطلب مستحقاتنا، يجيبوننا أنهم أيضاً لم يتلقوا مستحقاتهم".
ويضيف المتحدث ذاته لـ "العربي الجديد" أن "ثلاث فواتير مستحقة الدفع منذ مارس/آذار لا تزال مفتوحة، منها المتوقف في وزارة الصحة وأخرى أبرمت مع البلديات، في المقابل كان الدفع يتم عادة بعد 15 يوماً من الطلبية".
قطاع الأشغال العامة يبقى من دون أي شك أكثر القطاعات تضررا من الأزمة التي تعصف بالاقتصاد الجزائري، حيث قررت الحكومة توقيف المئات من المشاريع بسبب نقص الأموال، من مستشفيات وطرق سريعة، وكذا مشروع توسعة خطوط ميترو الجزائر العاصمة، حالة تزيد من الانكماش الذي بات يخيم على قطاع الأشغال العامة وأدى إلى تراجع نمو القطاع 12 في المائة.
ويقول المهندس عمر بوداود إن "الشركات المكلفة بإنجاز المشاريع تردد كثيراً في الآونة الأخيرة أنها لم تستلم الأموال من وزارة المالية لتكملة الأشغال".
ويضيف أن الكثير من المشاريع التي يشرف عليها مكتبه توقفت بسبب "غياب السيولة لدى شركات المكلفة بالإنجاز، ولأن الوزارات لا تمنح الاعتمادات المالية في وقتها للإدارات الفرعية المُكلفة بمتابعة المشاريع، بالتالي المقاول لا يجد سيولة لمواصلة الأشغال ولا لدفع أتعاب مكتب الدراسات الهندسية، وهنا يتوقف كل شيء".
ويؤكد المهندس الجزائري لـ "العربي الجديد" أنه منذ "صدور تعليمة وزارة المالية التي تحث الوزارات والإدارات المحلية على تسقيف الإنفاق، بدأ الكابوس، وآجال الدفع مددت ثلاث مرات عن السابق".
وفي السياق، يشرح خالد سلاوي مدير وكالة للتأمين أن "الكثير من المؤسسات خاصة المختصة في الأشغال العامة والبناء تجد صعوبة في دفع الاقتطاعات الدورية للتأمين على المشاريع، لأنها لم تتلق مستحقاتها المالية، خاصةً وأن جل مشاريعها تأتي من الصفقات العمومية".
عدوى نقص السيولة خلفت أضرارا كبيرة في البنوك أيضاً، التي وجدت نفسها وسط هذه الدوامة، حيث أصبحت تدفع دون أن تتلقى الأموال، وهو ما يؤكده لـ "العربي الجديد" المدير الفرعي لأحد البنوك الإسلامية في الجزائر عبد المجيد خيدر الذي يضيف أن "دفع المستحقات لشركات الإنجاز أصبح بطيئاً، فإذا كان يستغرق في الماضي ثلاثة أشهر، أصبح اليوم يتعدى ستة أشهر، هي وضعية تؤثر على البنوك".
ويلفت إلى أن "شركات الإنجاز تجد صعوبة في تسديد القروض المصرفية التي تأخذها لمباشرة الأشغال، من جراء عدم تلقيها مستحقاتها من الجهة صاحبة العقد أو المشروع"، وعندما يتم صب الأموال في حساباتها، لا تسدد القروض لأنها ملزمة في دفع أجور العمال و الضرائب".
وأمام هذه الحالة الصعبة التي خلفها نقص السيولة لدى الكثير من الشركات في الجزائر، فقد أصبح "تسريح العمال" أبغض الحلول عند مسيري الشركات، لإنقاذ مشاريعهم.
وهو الحل الذي تبناه كمال دحماني صاحب شركة مختصة في "الكهرباء الصناعية" الذي يكشف لـ"العربي الجديد" أنه سرح "أربعة فرق من العمال بعدما تراجعت أعماله 80 في المائة"، كما أصبحت "الشركات التي تبيعه السلع، وهي 10 شركات تتصل به يوميا من أجل سداد الفواتير العالقة. ويتابع دحماني أنه اضطر الى بيع سيارتيه لتسديد بعض ديونه.
أما السيناريو الثاني الذي بات مطروحا أمام الشركات "المخنوقة ماليا" من جراء نقص السيولة، فيبقى الوقوف أمام أبواب المصارف بحثا عن قروض، وهو ما تنبه له بعض المصارف التي أصبحت لا تُقرض الشركات الصغيرة والمتوسطة إلا عند تقديم ضمانات كبيرة منها رهن "عقار صناعي" أو "رهن جميع أملاك الشركة"، وفق موساوي نور الدين مدير شركة صناعية.
ويشرح في حديث مع "العربي الجديد" أن "المصارف أصبحت لا تقرض الشركات، فقد توجهت إلى أربعة بنوك، ثلاثة منها رفضت إقراضي والرابعة أقرضتني بعد أربعة أشهر من الانتظار".
ويرى الخبير الاقتصادي جمال نور الدين أن "هذه الوضعية كانت منتظرة، كل شيء مرهون بالخزينة العمومية وبأموال النفط. عند جفاف "حنفية" الإنفاق العام الأكيد أن كل شيء سيتوقف لأن الحكومة وبكل بساطة فشلت في 20 سنة الماضية في إنشاء اقتصاد "خلاق للثروة" رغم إنفاقها قرابة ألف مليار دولار من الموازنات المتلاحقة".