لا تدخر الدول المتقدمة، ومنها الولايات المتحدة، جهداً لضمان أمن الناس و المركبات على شبكة الطرق الداخلية فيها. وقد استعانت بأكثر التكنولوجيا تقدماً من دون اجتراح حل جذري للمشكلة المرتبطة بالسائقين المتهورين الأكثر خطورة.
فما الذي يمكن أن تفعله المدن حيال السائقين الأكثر خطورة، وما الإجراءات الأهم على هذا الصعيد؟ سؤال سعت شبكة "بلومبيرغ" الأميركية للإجابة عنه في تقرير موسّع نشرته بتوقيع مستشارة التخطيط الشهيرة أنجي شميت، وخلصت فيه إلى أن السلطات لا تفعل ما يكفي لكبح جماح رعونة السائقين الخطرين في الولايات المتحدة.
عن سبب استمرار المخالفات على نطاق واسع، تلاحظ شميت وجود ثغرة تسمح للسائقين من ماريلاند وفيرجينيا بالاستهزاء بالقانون في العاصمة مع إفلات نسبي من العقاب، فالسلطات القضائية المجاورة لا تفرض أي عقوبات على المخالفين الذين جمعوا عشرات محاضر الضبط في المنطقة.
وبينما يمكن تعطيل المركبات خارج الولاية التي تم العثور عليها بمحاضر معلقة أو حجزها إذا وجدت متوقفة في مكان عام، فإن وزارة الأشغال العامة لديها قدرة قليلة جداً، حيث يوجد فقط أربعة عمال لإنفاذ المحضر على السيارات، حسبما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست".
وإضافة إلى ذلك، أضعفت العاصمة في العام الماضي قواعدها الخاصة بالمخالفين، مما سمح للسائقين الحاصلين على محاضر بمبالغ ضخمة من الغرامات غير المدفوعة بتجديد رخص القيادة الخاصة بهم.
في غضون ذلك، في مدينة نيويورك، جمع كل واحد من 22 ألف سائق 15 انتهاكاً أو أكثر لكاميرات السرعة وخمسة انتهاكات أو أكثر لكاميرات الضوء الأحمر في أول 11 شهراً من عام 2022، حسبما ذكرت "ستريتسبلوغ نيويورك"، وكان لدى أسوأ المخالفين نحو 300 مخالفة.
وبموجب أحكام برنامج تخفيف حدة المركبات الخطرة في المدينة، كان يتعين على هؤلاء السائقين أن يأخذوا دورة تدريبية حول التشغيل الآمن للمركبات لمدة ساعتين أو أن يتم حجز سياراتهم. لكن 630 سائقاً فقط تلقوا التدريب.
كما أن حقيقة أن اثنتين من أفضل المدن الأميركية في مجال النقل العام ترفضان بأغلبية ساحقة اتخاذ إجراءات صارمة حتى ضد المخالفين الخطرين، تؤكد كيف يتم التعامل مع "حق القيادة المقدسة".
وبفضل اعتماد تقنية إنفاذ قوانين المرور، مثل كاميرات السرعة والضوء الأحمر التي تصدر مخالفات تلقائية، فإن السلطات في عدد قليل من الولايات لديها الآن بيانات وفيرة يمكنها تحديد السائقين الأكثر خطورة. لكن هذه المدن تختار في غالبا تجاوز الموضوع.
في العاصمة، يجري مشروع تقوده السلطات لتحليل البيانات للتنبؤ بالسائقين الذين من المحتمل أن يتورطوا في حادث قاتل، ولكن كل ما يفعله هو إرسال رسائل نصية إليهم.
وفي اعتقاد شميت، إن التردد في الرد بموضوعية أكبر له آثار قاتلة. فقد وجدت الأبحاث التي أجرتها مدينة شيكاغو أن السائقين الذين لديهم 10 ملاحظات أو أكثر من كاميرات المرور خلال فترة 7 سنوات كانوا أكثر عرضة بثلاث مرات للتورّط في حادث تصادم يسبب الإصابة. ووجدت أبحاث أخرى أن الأشخاص الذين لديهم سجلات قيادة سيئة هم أكثر ميلا لقتل الأطفال المشاة.
وفي أحد الحوادث المشهورة التي وقعت في بروكلين عام 2021، والتي أدت إلى مقتل رضيع يبلغ من العمر 3 أشهر، كان السائق الذي تسبب في الحادث حاصلاً أصلاً على 75 مخالفة سرعة وعبور الضوء الأحمر.
وتصاعدت جرائم السرعة خلال الأيام الأولى لوباء كورونا، ولم يتراجع الارتفاع المصاحب في الحوادث المميتة: فقد بلغت الوفيات المرورية أعلى مستوى لها منذ 15 عاماً في عام 2021، وارتفعت أكثر من 20% في الجزء الأول من عام 2022 بالمقارنة مع ما قبل الجائحة، حيث تتركز الوفيات بشكل متزايد بين المشاة وراكبي الدراجات.
تفاوت في إنفاذ قوانين السير
والمخاوف بشأن التفاوتات العرقية في إنفاذ قوانين المرور لها ما يبررها، وقد أدى مقتل صور نيكولز بعد توقف مرور في ممفيس في يناير/كانون الثاني إلى تجدد موجة الاهتمام بهذه القضية. تحركت عدة مدن للحد من التوقفات المرورية للمخالفات البسيطة، وانضمت إلى حركة طويلة الأمد لإبعاد الشرطة عن إنفاذ قوانين المرور.
تميل كاميرات السرعة أيضاً إلى التركيز في الأحياء السوداء. والمخاوف بشأن تأثير الغرامات على الفئات ذات الدخل المنخفض حقيقية، لكن من الصحيح أيضا أن العديد من الأحياء السوداء واللاتينية مثقلة ببعض أكثر الطرق خطورة، بما يرجع الفضل فيه جزئياً إلى اتخاذ القرارات العنصرية من جانب مخططي النقل.
وإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون لمصادرة الشرطة السيارات تأثير غير عادل على ذوي الدخل المنخفض، خاصة في الأماكن التي تعتمد على السيارات. ويفصل مقال نشرته في الآونة الأخيرة صحيفة "نيويورك تايمز" مدى انتشار هذه الممارسة وتعسفها وتكلفتها في ممفيس.
وهذه هي أنواع القضايا التي دفعت المشرعين في العاصمة إلى تخفيف العقوبات على السائقين الذين لديهم مخالفات غير مدفوعة، وفقاً للمديرة التنفيذية لموقع "غرايتر واشنطن" الإخباري المحلي غير الربحي كيتلين روجر.
وفي الوقت نفسه، كافح برنامج "فيجن زيرو" Vision Zero للسلامة المرورية في المدينة لتقليل الوفيات والإصابات في شوارع المدينة، حيث تتراكم مخالفات القيادة الناتجة عن الكاميرا، حيث تقول روجر إن "ذي ديستريكت" لديها نحو مليار دولار في شكل مخالفات غير مدفوعة.
استخدام التكنولوجيا الذكية لضبط الطرق
وللتكنولوجيا الذكية كلمتها على هذا الصعيد بما لها من إمكانات عالية في المساعدة. فقد بدأت مدينة نيويورك بتجربة تقنية المساعدة الذكية للحد من السرعة في المركبات المملوكة للمدينة. وإذا لم تكن المدن مستعدة أو قادرة على تشغيل سيارات المخالفين المتكررين، أو إلغاء تراخيصهم، فقد يكون هذا بديلاً مستساغاً.
يقول عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك أندرو جونارديس، الذي تضم مقاطعته أجزاء من بروكلين، إن فكرة مطالبة أسوأ المخالفين بتزويد سياراتهم بتكنولوجيا الحد من السرعة هي أمر يهتم باستكشافه. وقال: "لا يمكننا الاستمرار في السماح للناس بالموت في حوادث يمكن التنبؤ بها".
توجد بالفعل سابقة قانونية لتثبيت أجهزة قفل الإشعال في سيارات السائقين المعتادين في حالة سكر. ثلاثون مدينة تقريبا تطلب من السائقين الذين يرتكبون مخالفات متعلقة بالكحول "نفخ" النفس في جهاز يثبت رصانة قبل بدء تشغيل سيارتهم. أثبتت الأجهزة، التي يتكلف تثبيتها ما بين 75 و150 دولارا فقط، أنها فعالة جدا رغم أن القانون غالبا ما يتم تطبيقه بطريقة محدودة.
وقد تحققت بعض القفزات سابقاً على مستوى السلامة العامة على الطرق في الولايات المتحدة، مثل الحملات ضد القيادة تحت تأثير الكحول التي قادتها جمعية "أمهات ضد القيادة في حالة سكر". لكن مدنا مثل العاصمة لديها فرصة لرسم مسار جديد للمضي قدماً يستفيد من التكنولوجيا بدلاً من الشرطة والسجن.
في المحصلة، إلى جانب عنف السلاح والجرعات الزائدة من المخدرات، تعد القيادة الخطرة مساهما رئيسيا في الزيادة المقلقة في معدل الوفيات بين الشباب في الولايات المتحدة، وهي عوامل مرتبطة بالتداعيات الاجتماعية لوباء كورونا.
يبقى أن قدرة المدن الأميركية على حماية سلامة سكانها، ومواجهة الاضطرابات الحضرية التي ظهرت في السنوات الأخيرة، أصبحت على المحك أيضا. ففي حين أن حجم هذا الاضطراب غالباً ما يكون مبالغا فيه، إلا أنه لا يخلو من أساس حقيقي، في حين أن إبعاد أسوأ السائقين عن الشوارع سيكون خطوة منقذة للحياة وفي الاتجاه الصحيح.