على الرغم من ارتفاع معنويات المستثمرين خلال الأسابيع الأخيرة، وتوالي تسجيل المستويات القياسية للأسهم والسندات الأميركية والأوروبية، جاءت أحداث البحر الأحمر وهجمات الحوثيين على السفن المتعاونة مع دولة الاحتلال، لتعقد مشهد الأسواق في العام الجديد، ولتضيف المخاطر الجيوسياسية إلى تحركات أسعار الفائدة، ومخاوف دخول الاقتصادات الكبرى في ركود.
وفي اليوم الذي جرى الإعلان عن ارتفاع معنويات الأميركيين تجاه النشاط الاقتصادي، عبر بنك مورغان ستانلي عن قلقه من الأسواق، بسبب المخاطر الجيوسياسية، مؤكداً تفكيره في التقليل من انكشافه على أسواق الأسهم خلال الفترة القادمة.
وقال جيم كارون، من ذراع إدارة المحافظ الاستثمارية في مورغان ستانلي: "لقد كان لدينا تعرض زائد في الأسهم طوال العام، إلا أننا بدأنا بالتفكير في تقليل ذلك، والتحرك نحو الحياد. لم نقم بذلك بعد، ولكن ربما تكون هذه هي خطوتنا التالية. والسبب وراء ذلك هو أن كل ما فكرنا فيه في أواخر أكتوبر ونوفمبر تحقق بالفعل".
واليوم الأربعاء، كشفت بيانات مؤشر ثقة المستهلكين لشهر ديسمبر عن تسجيل 110.7 نقاط مقابل توقعات بتسجيل 103.8 نقاط، بينما جاءت القراءة السابقة عند 102 نقطة، قبل أن يتم تعديلها إلى 101 نقطة، ما اعتبر أخباراً جيدة للأسواق، قبل أن تتراجع بعدها، مع استمرار تعقد الموقف في الشرق الأوسط.
ويحدد هذا المؤشر توقعات المستهلكين في ما يتعلق بنشاط الشركات، ومستويات الأجور، وفرص العمل المتاحة في سوق العمل، ويتم استخراج هذه القراءة من مسح شهري لمعرفة توقعات الاقتصاد في المستقبل.
ومثلت كلمات مدير المحافظ دفقة من الماء البارد في وجه المستثمرين، بعد أشهر قليلة مليئة بالحيوية بالنسبة لمستثمري الأسهم والسندات.
البحر الأحمر يضيف للمخاطر المعتادة
وقال كارون إنه يشعر بالقلق من المخاطر الدولية، وآخرها قيام الحوثيين في اليمن بمهاجمة السفن في البحر الأحمر، مشيراً إلى أن هناك مجموعة من القضايا الأخرى، بما في ذلك العلاقة بين الصين وتايوان، والانتخابات الرئاسية الأميركية، وكل هذه الأمور أسوأ مما كانت عليه قبل عام. وأضاف: "الأسواق التي توقعت أن الأمور تسير على ما يرام تحتاج إلى إزالة بعض المخاطر من المشهد العالمي".
وأردف: "أعلم أننا نتحدث عن مسارات التباطؤ والهبوط الناعم، وأتفهم أننا قد نشهد تباطؤًا خفيفًا، أو ركودًا بسيطاً يمكن وصفه بأنه هبوط ناعم، لكنني أعتقد بإمكانية حدوث هبوط خطير حقًا في هذه المرحلة".
وتسببت هجمات الحوثيين في تعطيل حركة الملاحة البحرية وإجبار الشركات على تغيير مسارات السفن، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط. وارتفع خام برنت بنسبة 8% تقريبًا منذ منتصف ديسمبر، ما مثل انعكاساً واضحاً لارتفاع المخاطر الجيوسياسية.
ورأى محللون، مثل روب ثوميل من شركة "تورتويز كابيتال للاستثمارات"، أن التوترات في البحر الأحمر ستكون العامل الأكبر المتسبب في ارتفاع الأسعار، وهو ما قد يتسبب في عودة التضخم، وتأخير خفض الفائدة المنتظر في العام القادم.
ومع ذلك، يعتقد بعض المحللين، مثل محللي بنك الاستثمار غولدمان ساكس، أن الاضطرابات من غير المرجح أن تؤثر بشكل كبير على إجمالي أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، مستشهدين بإمكانية الاستعانة بإعادة توجيه السفن، واستمرار الإنتاج، كعوامل مخففة.
ويمر حوالي 12% من حركة الشحن العالمية عبر البحر الأحمر. ويخشى محللو الأسواق حول العالم تسبب التوترات في إجبار السفن على اتخاذ طريق أطول حول أفريقيا، مما يؤدي بشكل كبير إلى زيادة تكاليف الشحن ويسبب تأخيرات. وزادت التوقعات أخيراً بتسبب ذلك في ارتفاع أسعار العديد من السلع في جميع أنحاء العالم.
وأشعلت العناوين الرئيسية اليوم الكثير من نيران التحذير من المخاطر الجيوسياسية المقبلة، حيث كانت الهجمات التي يشنها الحوثيون ضد السفن في بؤرة الاهتمام، لأسباب ليس أقلها أن الولايات المتحدة تدرس، وفقا لتقرير حديث لـ"بلومبيرغ"، توجيه ضربات لتدمير قدرة الحوثيين في اليمن على تهديد السفن في البحر الأحمر.
وقال آرون ديفيد ميلر، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "خياراتنا هنا ليست كبيرة. وفي ما يتعلق بالردع، فقد تجاوزنا ذلك بالفعل". وأضاف: "يبدو أن الدول العربية مترددة للغاية في الانضمام إلى الجهود الأميركية لقمع الحوثيين، طالما أن الحرب بين إسرائيل وغزة مستمرة".