تشير التحليلات الاقتصادية، وضمنها الإسرائيلية، إلى أن حرب "طوفان الأقصى" ليست كسابقاتها من حيث تأثيرها على اقتصاد الاحتلال، وسط توقعات بتداعيات قاسية هذه المرة على الاستهلاك الخاص والاستثمارات، وضعف الشيكل، والمخاطر على التصنيف الائتماني لإسرائيل.
ويقول أوري غرينفيلد، كبير الاستراتيجيين في شركة بساجوت للاستثمار، في حديث نشره موقع "ذا ماكر" المتخصص الإسرائيلي، إنه "على عكس العمليات المختلفة في الجنوب في السنوات الأخيرة، والتي كان لها تأثير ضئيل على الأسواق، من المتوقع أن يكون للحرب التي بدأت في نهاية الأسبوع تأثير أكبر".
ويوضح غرينفيلد أنه في حين أن الاقتصاد الإسرائيلي لم يتضرر بشكل كبير في العمليات السابقة في جنوب البلاد، فإن احتمال حدوث سيناريو مماثل في الحرب الحالية ليس مرتفعا. وإذا كان رد الفعل في الأسواق في الماضي يتراوح بين يوم أو يومين على الأكثر، فمن المحتمل أن تواجه الأسواق المحلية هذه المرة صعوبة في التعافي بسرعة.
ويقدر غرينفيلد أن الضرر المتوقع للنشاط الاقتصادي سيأتي من قناتين، إذ من المرجح أن تستمر الحرب في غزة لفترة طويلة، سيظل خلالها جزء كبير من إسرائيل تحت تهديد الصواريخ، وهذا التهديد سيؤدي إلى انخفاض الاستهلاك الخاص.
وبعيداً عن ذلك، فمن المرجح أن يتضاءل حجم الاستثمارات في الاقتصاد، سواء في القطاع الخاص أو القطاع العام، وستزداد هذه التأثيرات قوة مع تزايد عدد المناطق التي تخوض فيها إسرائيل حربا وفق كبير الاستراتيجيين.
تأثير على التصنيف الائتماني
بالإضافة إلى ذلك، تجد إسرائيل نفسها في وضع ستضطر فيه إلى اتخاذ قرارات لن تكون بالضرورة مقبولة لدى المجتمع الدولي، وستؤدي إلى المزيد من الإضرار بصورة البلاد في العالم.
وهذا الوضع، وفق غرينفيلد، قد يضرّ بالاستثمار الدولي في إسرائيل وعلاقاتها التجارية مع الدول الأخرى، وسيكون لذلك تأثير على سعر صرف الشيكل وعلى النشاط الاقتصادي.
ومن المحتمل ازدياد ضعف الشيكل مقابل الدولار ومقابل العملات الأخرى.
ووفقا لغرينفيلد، فإن ضعف الشيكل ينعكس أيضًا في تعزيز الضغوط التضخمية، فضلا عن أن وكالة التصنيف الائتماني موديز ستقوم بتحديث التصنيف الائتماني لإسرائيل يوم الجمعة.
وعلى الرغم من أن شركات التصنيف مترددة في إجراء تغييرات جوهرية في أوقات عدم اليقين، وفقًا لغرينفيلد، سيكون للحرب تأثير على المناقشات في وكالة موديز، ومع استمرار الحرب سوف يكون لذلك تأثير أيضًا، و"المخاطر التي تهدد التصنيف الائتماني لإسرائيل سوف تنمو".
وبحسب "بلومبيرغ" الأميركية، فإن الحرب تتزامن مع وقت يتسم بالحساسية الدبلوماسية، وأيضا في لحظة انقسام تاريخي داخل إسرائيل بشأن ائتلاف بنيامين نتنياهو مع اليمين المتطرف في إسرائيل وقضية التعديلات القضائية.
وتلفت إلى تراجع الشيكل الإسرائيلي نحو أدنى مستوى له منذ سبع سنوات في الأيام الأخيرة، قبل إعادة فتح البرلمان الإسرائيلي المقرر في وقت لاحق من هذا الشهر.
ويقول حسنين مالك، الخبير الاستراتيجي المقيم في دبي في شركة تيليمر، وهي شركة تقدم الأبحاث والبيانات عن الأسواق الناشئة للوكالة الأميركية: "سيتم إخفاء الانقسامات في السياسة الإسرائيلية والبنية الأمنية بينما يستمر الرد العسكري في غزة، لكنها لن تختفي بالنسبة للمستثمرين. سيظل ذلك نقطة ضعف بالنسبة لجميع أسعار الأصول الإسرائيلية".
صداع لوزارة المالية
ووفق موقع "غلوبس" الإسرائيلي، فإن الحرب تكلف مليارات الشواكل. وبعيدًا عن التأثيرات المباشرة على ميزانية الدفاع، يمكن لهذه العمليات أيضًا أن تسبب صداعًا لوزارة المالية من خلال التحديات الناجمة عن ضعف الشيكل والتصنيف الائتماني القادم لإسرائيل.
ويلفت الموقع إلى أن الوضع يتطلب الاستعداد على الساحة الاقتصادية. ففي العمليات العسكرية السابقة، ظل التصنيف الائتماني لإسرائيل دون ضرر، وكان الشيكل مستقرا. ولكن يبدو أن هذه المرة قد تكون هناك عملية أطول وأكثر صعوبة، حيث يمر الاقتصاد الإسرائيلي بفترة حساسة.
ويبتعد المستثمرون حاليًا عن الأسواق في إسرائيل على أية حال، وفق "غلوبس"، وذلك بسبب التعديلات القضائية التي تجريها الحكومة. القلق الحالي في الأسواق الآن هو من "العاصفة الكاملة"، حيث سيؤدي الجمع بين الوضع الأمني الجيوسياسي والخلاف الاجتماعي والسياسي في إسرائيل إلى زيادة انخفاض قيمة الشيكل، ويؤدي إلى ارتفاع المخاطر في إسرائيل.
وحذرت "موديز" عدة مرات من إمكانية خفض توقعات التصنيف إلى "سلبية"، ويرجع ذلك أساسًا إلى عواقب التعديلات القضائية. وفي الشهر المقبل، ستنشر وكالة التصنيف ستاندرد آند بورز أحدث تصنيف لإسرائيل.
ومن شأن خفض التصنيف الائتماني أن يزيد التكلفة التي تتحملها إسرائيل لزيادة الديون. وسيكون هذا الأمر معقداً بشكل خاص في سيناريو الحرب الطويلة والواسعة النطاق، والتي قد تتطلب من وزارة المالية جمع الديون لتمويل تكاليف القتال.
عادة، في نهاية العملية العسكرية، تقوم المؤسسة الأمنية بتقديم مشروع القانون إلى وزارة المالية، ثم تجري مفاوضات حول مقدار التكلفة التي ستغطيها ميزانية الدفاع، وإذا ما كانت هناك حاجة إلى أموال إضافية من وزارة المالية، وإذا لزم الأمر، يمكن أن يأتي مصدر الميزانية أيضًا من الاحتياطيات التي تحتفظ بها وزارة المالية في مختلف أبواب الميزانية، بما في ذلك موازنات جميع الوزارات.