بات الوضع المعيشي في تونس مزرياً ومقلقاً على كل المستويات، ومع ذلك يواصل نظام قيس سعيد وحكومته سياسة الإنكار للأزمات المتفاقمة، والاكتفاء بتحميل المؤامرات الخارجية والداخلية ذلك الوضع المخيف الذي يطاول معظم السكان، ويدفع الشباب نحو الهجرة حتى لو كلفهم ذلك فقدان حياتهم في عرض البحر المتوسط خلال رحلة غير شرعية لأوروبا.
الصورة الحالية في الشارع التونسي تبدو سوداوية وقاتمة، ومن أبرز ملامحها إغلاق المخابز أبوابها في وجه الناس وإيقاف إنتاج الخبز في جميع الأفران اعتبارا من اليوم الثلاثاء وإلى أجل غير مسمى.
وهناك 1500 مخبز ستشارك في الإضراب الواسع حسب بيانات المجمع المهني للمخابز العصرية، وهو رقم كبير مقارنة بعدد سكان تونس.
إضراب مخابز تونس ليس الأول من نوعه خلال أشهر قليلة، فقد دخلت أفران الخبز المدعم في إضراب مفتوح، في بداية شهر ديسمبر الماضي، احتجاجاً على ندرة المواد الأولية، وتباطؤ الحكومة في سداد مديونيات متراكمة مستحقة عليه، كما سبق أن أقدمت المخابز على إضراب مماثل في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
الصورة في الشارع التونسي تبدو سوداوية وقاتمة، ومن أبرز ملامحها إغلاق المخابز أبوابها في وجه الناس وإيقاف إنتاج الخبز في جميع الأفران
سبق قرار الإضراب الحالي الخطير أيضاً امتداد الطوابير الطويلة أمام المخابز والمحلات التجارية للحصول على رغيف خبز نتيجة شح المواد الأولية، وفي مقدمتها الدقيق، وحدوث ارتفاعات في أسعار القمح والحبوب، بسبب ندرة النقد الأجنبي المخصص لاستيراد الحبوب، وتراجع إنتاج المحاصيل الزراعية من القمح والسلع الغذائية بسبب الجفاف.
إضافة إلى وتداعيات أزمة حرب أوكرانيا، وقرار روسيا إيقاف اتفاقية الحبوب التي كانت توفر القمح الأوكراني لتونس بسعر مناسب وبتسهيلات مالية، علما بأن تونس تستورد 60% من احتياجاتها من القمح من أوكرانيا وروسيا.
والملفت أنه رغم الوقوف في الطوابير لساعات قد يغادر المواطن المخبز دون الحصول على رغيف خبز واحد بسبب نفاد الكميات أو قفزة الأسعار كما هو الحال في المحال التجارية.
يصاحب كل تلك المتاعب والضغوط المعيشية وزيادة الغلاء الذي يلاحق المواطن، تزايد مخاوف التونسيين من إقدام الحكومة على إلغاء دعم السلع الأساسية ومنها رغيف الخبز والوقود.
والخضوع لإملاءات وشروط صندوق النقد الدولي المجحفة والذي يصر على ضرورة إعادة النظر في نظام الدعم الحكومي والدفع نحو إلغائه وربط ذلك بالمساعدات والقروض التي ستمنح لتونس عقب إبرام اتفاق.
نظام قيس سعيد صامت كالعادة تجاه نقص رغيف الخبز وشكاوي المواطنين والأزمات الكثيرة التي تواجه المخابز ودفعتها نحو إغلاق أبوابها
نظام قيس سعيد صامت كالعادة تجاه نقص رغيف الخبز وشكاوي المواطنين والأزمات الكثيرة التي تواجه المخابز ودفعتها نحو إغلاق أبوابها بدءا من اليوم، وربما يخرج علينا الرئيس التونسي اليوم أو غدا ليتهم قوى خارجية وداخلية بالوقوف وراء الأزمات المعيشية المتلاحقة الساعية للإطاحة بنظامه الهش أصلا سياسياً واقتصادياً.
حتى الآن تكتفي الحكومة بتحميل التجار الجشعين أزمة ما يحدث في المخابز ونقص الخبز والدقيق دون وضع حلول لها، مكتفية بشن حملة مراقبة واسعة النطاق على الأفران التي تقول وزارة التجارة إنها تضارب في أسعار الخبز وتقوم باستعمال الدقيق المدعم بطرق غير قانونية.
وقبل أيام خرجت علينا وزيرة التجارة وتنمية الصادرات التونسية، كلثوم بن رجب بتصريح لافت حينما وصفت مشاهد الطوابير الطويلة أمام مخابز البلاد بـ"الظاهرة الغريبة"، وأنها لا تتناسب وكميات الدقيق التي تضخ يومياً.
قيس سعيد ينكر كالعادة وجود أزمات معيشية من الأساس، وكل رهاناته لحلها أو تخفيف تداعياتها الخطيرة خاسرة سواء الرهان على مليارات دول الخليج والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي التي لم تأتِ بعد.
أو الرهان على أموال رجال الأعمال، والفساد في الداخل، وبالتالي سيظل المواطن التونسي يدور في أزمة معيشية حادة، وسيظل قيس وحكومته في حال نكران مستمر لتلك الأزمة.