في إعلان صادم لمعظم شركات السيارات العالمية، خرجت تويوتا اليابانية لتكشف نهاية مارس/ آذار، عن ارتفاع إنتاجها السنوي على مستوى العالم خلال فبراير/ شباط الماضي، لتنجو من موجة هبوط الإنتاج التي ضربت مختلف الشركات، بسبب أزمة نقص الرقائق الإلكترونية التي تهدد بخسارة مصنعي السيارات نحو 61 مليار دولار خلال العام الجاري.
ويبدو أن كارثة تسونامي المدمر التي وقعت قبل عشر سنوات، وألحقت خسائر فادحة بشركة تويوتا، هي نفسها التي أنقذت العلامة التجارية الأكثر مبيعا في العالم الآن.
في عام 2011، عندما دمر زلزال توهوكو وتسونامي اليابان، غمرت مياه المحيطات مصانع شركة "رينساس إلكترونيكس" اليابانية، وتوقف الإنتاج في المنشآت الغارقة. وبالطبع، لم تُشكل هذه العواقب ضربة كبيرة للشركة فحسب، بل شكل التسونامي ضربة مدمرة لصناعة السيارات اليابانية بالكامل، والتي كانت تعتمد بشكل كبير على "رينساس" في أعمالها.
وفي ظل غياب وجود الرقائق الإلكترونية اللازمة لتصنيع كل شئ آنذاك بدءاً من الإرسال إلى شاشات اللمس، اضطرت تويوتا إلى الإغلاق أو إبطاء الإنتاج لعدة أشهر، بينما تعهدت بعد هذه الحادثة بالابتعاد عن مخاطر الاعتماد في التصنيع على مورد واحد للمكونات الرئيسية مستقبلاً.
وبعد عقد من الزمان، ربما تجني تويوتا، ثمار الخطوات التحوطية التي اتبعتها في أعقاب الكارثة الطبيعية، بينما تجد صناعة السيارات العالمية نفسها الآن أمام تسونامي جديد، ولكنه تقني، يهدد بشل أدمغة السيارات الحديثة.
وتضرّرت شركات صناعة السيارات عالمياً من عجز في الرقائق المستخدمة في إدارة المحركات وأنظمة مساعدة السائق، التي تأتي بشكل أساسي من آسيا وبخاصة تايوان، حيث طاولت معظم المنتجين في أوروبا والولايات المتحدة وحتى الصين وكوريا الجنوبية التي تضم شركات عملاقة في صناعة الرقائق .
ورغم الضجيج الواسع الذي أحدثته أزمة الرقائق وإعلان الكثير من الشركات العالمية تباعاً عن انخفاض إنتاجها، وإعلان البعض عن التوقف مؤقتا، أطلت تويوتا لتعلن قبل أيام عن نجاحها في تجنب أزمة نقص إمدادات الرقائق، بل وارتفاع إنتاجها على أساس سنوي في فبراير/شباط بنسبة 4.5% وكذلك مبيعاتها بنسبة 7.4%.
وذكرت المجموعة اليابانية أن إجمالي إنتاجها الذي يشمل "تويوتا موتور" و"دايهاتسو موتور" و"هينو موتورز"، وصل في الفترة المذكورة إلى نحو 797.8 ألف سيارة.
وتصدرت العلامة التجارية لشركة تويوتا قائمة أغلى العلامات التجارية لشركات صناعة السيارات عالمياً مع وصول قيمتها إلى أكثر من 59 مليار دولار، بحسب التقرير السنوي الأخير لمؤسسة "براند فاينانس"، تليها "مرسيدس" بقيمة 58.2 مليار دولار و"فولكسفاغن" بقيمة 47 مليار دولار، ثم "بي إم دبليو " بنحو 40.4 مليار دولار.
ووفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية، فإن تويوتا وهي أكبر منتج سيارات في العالم، واصلت زيادة التصنيع للشهر السادس على التوالي، بما يظهر مرونتها في مواجهة أزمة نقص الرقائق الإلكترونية التي أجبرت العديد من الشركات العالمية على تعليق العمل في بعض مصانعها خلال الأسابيع الأخيرة.
وقدرت شركة الاستشارات الأميركية "أليكس بارتنرز" خسائر شركات السيارات العالمية من تراجع الإنتاج والمبيعات على خلفية أزمة نقص الرقائق الإلكترونية بحوالي 14 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الحالي المنقضي بنهاية مارس/ آذار، بينما توقعت وصول هذه الخسائر إلى 61 مليار دولار للعام الجاري بأكمله.
وبينما كانت شركات السيارات تعتمد سياسة تصنيعية طويلة المدى، أضحت وفق شركة الاستشارات الأميركية رهينة الإدارة قصيرة المدى، حيث باتت تفكر في الأسبوع المقبل أو الشهر المقبل.
ونتجت أزمة الرقائق الإلكترونية عن جائحة فيروس كورونا، التي تسببت في زيادة الطلب على الرقائق المستخدمة في إنتاج الهواتف الذكية، وأجهزة التلفاز، وأجهزة الكمبيوتر، التي زادت مبيعاتها خلال فترة الإغلاق العالمي واضطرار الكثيرين للبقاء في المنازل والعمل عن بعد.
وفي الوقت الذي أدرك فيه موردو قطع السيارات متأخرين بدء نفاد كميات كبيرة من المعالجات الدقيقة اللازمة لكل سيارة، كانت شركات صناعة الرقائق منهمكة في تصنيع المعدات اللازمة للهواتف المحمولة ووحدات التحكم في الألعاب وأجهزة الكمبيوتر التي كان يشتريها المتسوقون بجنون منذ بداية جائحة كورونا.
وتفاقمت المشاكل بسبب القوة الفائقة التي تتمتع بها شركة واحدة، وهي شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات، التي استحوذت وحدها على 56% من عائدات تصنيع الرقائق العالمية في الربع الأخير من عام 2020، بحسب شركة الأبحاث العالمية "ترند فورس".
وبدأت مشاكل التوريد بصناعة السيارات في الظهور قبل أيام قليلة من عيد الميلاد، عندما أعلنت شركة "فولكسفاغن" الألمانية أنها تستعد لتعطل الإنتاج بسبب نقص أشباه الموصلات. وبعد ذلك ظهرت الإعلانات بشكل سريع، حيث أعلنت "نيسان موتور" اليابانية أن نقص الرقائق سيجبرها على تقليص تصنيع سيارتها "نوت هاتشباك"، ثم أعلنت مصانع "فيات كرايسلر" الأميركية الإيطالية عن تعطل الإنتاج، تبعتها "دايملر" الألمانية بالإفصاح عن تأثرها بنقص الرقائق الإلكترونية.
وأعلنت "رينو" الفرنسية توقف الإنتاج في 4 من مصانعها، كما خفضت "هوندا" و"مازدا" اليابانيتان، إنتاجهما، وأغلقت شركة "فورد" مصنعاً لسيارات الدفع الرباعي في ولاية كنتاكي الأميركية لمدة أسبوع وآخر في ألمانيا لمدة شهر.
واضطرت شركة "فورد" كذلك إلى بناء شاحنات صغيرة من طراز "إف-150"، الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة، من دون بعض الحواسيب لأول مرة، وفق إعلان الشركة منتصف الشهر الماضي، فيما طاولت الأزمة جنرال موتورز عملاق صناعة السيارات الأميركية.
وتوقعت شركة الأبحاث العالمية "إي إتش إس ماركيت"، إيقاف إنتاج ما يصل إلى 628 ألف سيارة، بما يعادل 3% من الإنتاج العالمي، خلال الربع الأول من 2021 فقط.
وبصرف النظر عن الجانب المخطئ، فإن فئة قليلة تتوقع التخلص من تلك المشكلات قبل الصيف، بينما يقول البعض إنها ستستمر حتى الخريف. وليس من السهل على صانعي الرقائق زيادة الطاقة الإنتاجية، لأن معظم المصانع تعمل حالياً بكامل طاقتها والمصانع الجديدة عادة ما تُكلف مليارات الدولارات وتحتاج لأعوام لبنائها.
ويقول مات بلانت، رئيس المجلس الأميركي لسياسات السيارات، وهي مجموعة ضغط لشركات صناعة السيارات في ديترويت: "سيكون لهذه المشكلة تأثير حقيقي خلال النصف الأول من العام، وكلما استغرق الأمر وقتاً أطول لحل المشكلة، استمر النزيف حتى الربع الثالث".
وتزحف الأزمة إلى السوق الصينية أيضا، رغم أنها حققت نتائج إيجابية واضحة في الأشهر الأخيرة، رغم جائحة كورونا، حيث أعلنت شركة "نيو" في الأسبوع الأخير من مارس/ آذار الماضي، أنها ستوقف الإنتاج مؤقتاً في أحد مصانعها بمقاطعة "آنهوي" بسبب نقص الرقائق الإلكترونية، لتصبح بذلك أول شركة صينية رفيعة المستوى لتصنيع السيارات تستسلم لأزمة الرقائق التي أدت إلى إخماد خطوط مصانع السيارات حول مستوى العالم.