قبل حرب أوكرانيا توقع صندوق النقد الدولي أن تحصد الدول العربية المصدرة للطاقة إيرادات تراكمية تقدر قيمتها بنحو 1.3 تريليون دولار في السنوات الأربع المقبلة، "2022-2026"، هي حصيلة بيع النفط والغاز، وأن تؤدي تلك الفوائض المالية إلى تحسن وضع صناديق الثروة السيادية واحتياطيات النقد الأجنبي وتعزيز الموازنات العامة في منطقة الخليج، في وقت تشهد فيه الأصول العالمية تآكلا بسبب التضخم الجامح وعمليات بيع كبيرة تقلل من قيمتها.
بالطبع، هذه التقديرات كانت قبل الطفرة الكبيرة التي شهدتها أسعار الطاقة عقب انطلاق حرب أوكرانيا، فقد قفز سعر النفط بعد الحرب إلى نحو 140 دولارا للبرميل وهو أعلى معدل منذ شهر أغسطس 2008، حيث سجل السعر وقتها 147 دولارا.
1.3 تريليون دولار إيرادات خليجية متوقعة من قفزات أسعار النفط والغاز في السنوات الأربع المقبلة
وحلقت أسعار الغاز الطبيعي عاليا حيث شهدت قفزات لم تشهدها عبر التاريخ، بسبب فرض الغرب حظرا على منتجات النفط والغاز الروسيين، وقيام موسكو بحظر تصدير الغاز إلى أوروبا في إطار حرب اقتصادية شرسة بين الطرفين لا تزال مستعرة حتى اللحظة وتهدد أوروبا بشتاء قارس، وقبلها تهدد مصانعها بالإغلاق.
وفي ظل أزمة طاقة شرسة يعيشها العالم يصاحبها أزمة تضخم لا تقل في حدتها عن الأزمات الاقتصادية الحالية فإن التوقعات تشير إلى أن الأموال المتدفقة على موازنات دول الخليج من إيرادات النفط والغاز ستكون أعلى بكثير من رقم 1300 مليار دولار.
كما أن هذه الأموال ستحول بعض الصناديق السيادية الخليجية إلى أضخم الصناديق حول العالم، وتعيد بناء احتياطيات بعض الدول الخليجية النقدية التي تهاوت في السنوات الماضية بسبب خسائر كورونا الفادحة وتهاوي أسعار النفط خاصة في عام 2020.
لا تقف مصادر الأموال الضخمة المتدفقة على دول الخليج من قفزات أسعار النفط والطاقة، بل هناك مصادر أخرى، فهذه الدول ستكون من أكبر المستفيدين من الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد العالمي.
فسعر الفائدة على الدولار سيزيد هذا العام بنسبة 3% مرة واحدة، وهناك توقعات بزيادات أخرى في العام 2023 مع استمرار أزمة التضخم، وهو ما يعني أرباح إضافية لهذه الدول التي تودع معظم ثرواتها في البنوك الأميركية.
فوائض الخليج النفطية ستكون من أكبر المستفيدين من الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد العالمي
أيضا هناك زيادة في سعر الفائدة على أبرز العملات حول العالم وفي المقدمة اليورو والجنيه الاسترليني، وهو ما يعني استفادة الأموال الخليجية المودعة في بنوك وأصول أوروبية.
وستكون صناديق الخليج من أكبر المستفيدين من حالة الكساد العالمي والركود التضخمي، حيث يمكنها شراء أفخم الأصول والعقارات والفنادق والأندية الرياضية المعروضة للبيع، والاستحواذ على حصص مؤثرة في أسهم البنوك والشركات والمصانع الكبرى بأسعار أقل، كما يمكنها تراكم الثروات المستثمرة في الحيازات والسندات وأدوات الدين والبورصات وأسواق المال العالمية بقيم سوقية أقل أيضا.
هذه بالطبع أخبار جيدة لدول الخليج التي تعيش لحظات نادرة من حيث الفوائض المالية المتراكمة والتي يمكن أن تمتد لسنوات طويلة مع عدم وجود أفق لوضع سقف زمني لانتهاء حرب أوكرانيا، واتساع رقعة المواجهات بين الغرب وروسيا، وزيادة حدة المخاطر الجيوسياسية والأزمات الاقتصادية العالمية من تضخم وأزمة طاقة وركود وضخامة الديون السيادية وزيادة تكلفة الأموال وأزمة سلاسل الامدادات والسلاسل.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل ستوجه دول الخليج ثرواتها وفوائضها المالية الضخمة لتمويل مشروعات التنمية في الداخل والعمل على تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي من سلع ضرورية مثل الأغذية والدواء والسلاح؟
وهل ستعمل بعض هذه الدول على إقامة مصانع ومشروعات إنتاجية بهدف زيادة الإنتاج المحلي والصادرات والحد من الواردات، وقبلها توفير فرص عمل للخريجين والشباب، وذلك بدلاً من توجيه هذه الثروات الضخمة لدعم الاضطرابات السياسية والقلاقل والثورات المضادة والحروب الدائرة منذ سنوات في بعض المنطقة كما الحال في اليمن وسورية وليبيا.
هل تعمل حكومات الخليج على إقامة مصانع وتوفير فرص عمل بدلاً من توجيه الثروات لدعم الاضطرابات والقلاقل والثورات المضادة؟
وبالتالي إجهاض حق الشعوب العربية في نيل الحرية والتمتع بثروات بلادها، وأن تترك دول الفوائض المالية الشعوب تقرر مصيرها من دون وصاية أحد، وأخيرا فإن مكافحة الفقر والبطالة والعشوائيات في داخل هذه البلدان أهم كثيرا من مساندة الحكومات المستبدة.