يحاصر ثلاثي الوباء والغلاء والبطالة عمال تونس للعام الثاني على التوالي، بسبب تواصل تداعيات الجائحة الصحية وسياسات عامة تركت الشغالين إلى مصيرهم يواجهون أزمات معيشية خانقة رغم إصرار النقابات العمالية على حماية ما أمكن من الحقوق التي تتراجع من عام إلى آخر.
ويأتي عيد العمال هذا العام فيما تعيش البلاد تحت وطأة موجة ثالثة من فيروس كورونا الذي حصد أكثر من 10 آلاف ضحية، مخلفا مآسي اجتماعية واقتصادية قد تحتاج البلاد إلى سنوات لتجاوزها واستعادة سوق العمل لقدرتها على استيعاب أكثر من مليون عاطل عن العمل.
كما يتزامن عيد العمال مع انطلاق تونس في مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي ستبدأ في 3 مايو/ أيار من أجل الحصول على قروض جديدة بشروط متشددة ستضع الشغالين في مواجهة موجات جديدة من الغلاء والتقشف الحكومي الذي ينذر بإنهاء مرحلة الدولة الراعية لمواطنيها وفتح الباب نحو سياسة النظام الاقتصادي الليبرالي.
ويقر المتحدث الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري أن الوضع العمال زاد سوءا هذا العام مقارنة بالعام الماضي، مؤكدا أن الشغالين يدفعون ثمنا باهظا للوضع السياسي في البلاد وتوتر الأجواء بين الفاعلين الأساسيين في البلاد.
ويقول الطاهري في تصريح لـ"العربي الجديد" إن وضع العمال سيئ جدا وهم ضحايا الوضع الصحي والسياسي بسبب فشل الحكومة في إدارة الجائحة الصحية والتقليص من تداعيتها على سوق العمل التي تنزف من الغلق اليومي للمؤسسات والإفلاس.
وأكد الطاهري أن الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي رفض أن يكون ضمن الوفد الحكومي والمنظماتي الذي سيلتقي خبراء صندوق النقد الدولي، مؤكدا أن الاتحاد يريد أن يكون شريكا صوريا تستعمله الحكومة لتعزيز موقفها أمام الصندوق.
وأضاف أن الحكومة لم تطلع النقابات العمالية على فحوى البرنامج الإصلاحي الذي ستقدمه لخبراء الصندوق أو قيمة القرض الذي ستطلبه، غير أنه اعتبر أن العمال هم أول من سيدفعون ثمن الاتفاقات الجديدة التي ستكون لها انعكاسات مباشرة على معيشة التونسيين وقدرتهم على الإنفاق.
ورغم الأزمة السياسية والصحية وشروط صندوق النقد بخفض كتلة الأجور، قال الطاهري إن الاتحاد يتمسك بحق العمال في الزيادة في الرواتب وتحسين وضعهم المهني، مشيرا إلى أن الأمين العام سيقدم بمناسبة عيد الشغل مبادرة شاملة لإخراج البلاد من الأزمة.
واعتبر المتحدث باسم الاتحاد العام التونسي للشغل أن إنقاذ البلاد هو الأولوية المطلقة في الوقت الحالي، مؤكدا أن إنقاذ البلاد يحفظ حقوق عمالها ويحميهم من كل المخاطر التي تحيط بهم.
وتسجل تونس معدلات قياسية في عدد العاطلين عن العمل ونسب الفقر التي قفزت إلى مستويات تاريخية، لتصل إلى 21 بالمائة نتيجة فقدان الدخول وانحسار فرص العمل، كما سجلت البلاد عام 2020 زيادة في عدد العمال المتضررين من التسريح بسبب جائحة كورونا بنسبة 783% مقارنة بعام 2019، وهي أعلى نسبة تسجلها البلاد.
ولا يثق عمال تونس بجدية الحكومة في تحسين أوضاعهم أو إنقاذ البلاد، إذ تسيطر حالة اليأس على أغلب المواطنين الذين أصبحوا فريسة للغلاء والتضخم الذي يلتهم أجورهم وسط توقعات بأن يرتفع التضخم في البلاد إلى أكثر من 12%.
أدرج صندوق النقد تونس ضمن البلدان المهددة بارتفاع نسب التضخم، متوقّعاً أن تزيد معدلات التضخم إلى 12.8% عام 2021 نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتي تشكل جزءاً أساسياً من سلة السلع الاستهلاكية وارتفاع أسعار الطاقة في البلدان المستوردة للنفط.
ويقول سفيان عمايرية وهو عامل مسرح من مصنع لكابلات السيارات إن الشركة التي كانت يعمل بها خفضت من طاقتها التشغيلية بنحو 40%.
وأضاف سفيان لـ"العربي الجديد" أن العمال التونسيين في أسوأ الأوضاع في تاريخ البلاد لأنهم ضحايا في كل الحالات؛ إما ضحايا سوق التسريح والبطالة وإما ضحايا الغلاء والتضخم الذي يلتهم أجورهم، معتبرا أن أصحاب الرواتب فقراء في كل الحالات.
ويوسع وقف التوظيف الحكومي وتراجع تشغيلية القطاع الخاص سوق العمل الموازية في تونس التي باتت ملاذا للباحثين عن لقمة العيش وسط تعثر حكومي في احتواء القطاعات الموازية وإدماجها في الاقتصاد المنظم وإخضاعها لقوانين الجباية والصرف.
وكشفت نتائج بحث للمرصد الوطني للتشغيل أن نسبة التشغيل غير المنظم في تونس بلغت 36% وتقدر نسبة التشغيل غير المنظم 52% لدى فئة الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم 30 سنة.
في المقابل، تقول بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي أن الأسواق الموازية تحوز على 44% من فرص العمل في البلاد، بما يوازي 1.5 مليون تونسي من مجموع 3,566 ملايين عامل في تونس