لم يلمس اللبنانيون فارقاً كبيراً في تغيّر أسعار المواد الاستهلاكية والسلع الغذائية على الرغم من تأكيد المسؤولين والجهات المعنية أن الانخفاض تراوح بين 25% و30%، لا سيما على الأصناف الأساسية، وذلك بفعل هبوط سعر صرف الدولار بحدود 9 آلاف ليرة لبنانية، بعدما كان قد لامس حدود 34 ألف ليرة في وقت سابق من يناير/ كانون الثاني الجاري، الأمر الذي يرجعه مواطنون إلى ما يصفونه بـ"جشع التجار الذي أضحى بلا سقف".
يقول صاحب سوبرماركت في منطقة جونية، شمال بيروت، لـ"العربي الجديد"، إن "معظم السلع الأساسية انخفض سعرها، ولا سيما الخبز والحبوب واللحوم والدجاج والألبان والأجبان والسكر، كما شهدت أسعار الدخان والمعسل انخفاضاً أيضاً، بيد أن السوق يشهد فوضى كبيرة وتغير الأسعار ليس بالنسب نفسها".
ويوضح أن "هناك محال كانت أصلاً تعتمد سعر صرف دولار أكثر مما كان في السوق السوداء، أي 35 ألف ليرة مثلاً، بينما كان 33 ألف ليرة، وأخرى التزمت بسعر التطبيقات، من هنا فإن الفارق في الأسعار سيبقى موجوداً في ظل غياب الرقابة الشاملة والجدية وعدم ثبات سعر الصرف، خصوصاً في ظلّ الكلام المتواصل عن أنه سيعاود الارتفاع".
تجار يخزنون السلع
ويتخوف اللبنانيون من عمليات التخزين التي دأب التجار على اتباعها، حيث يعمدون إلى شراء البضائع بكميات كبيرة على الأسعار المعدلة المنخفضة ويبيعون بعضاً منها ويخزنون معظمها لبيعه بمجرد أن ترتفع الأسعار بالتزامن مع ارتفاع سعر صرف الدولار مرة أخرى، كما حصل مع السلع التي كانت لا تزال مدعومة على سعر الصرف الرسمي وجرى تخزينها وبيعها بأسعار مرتفعة أو تهريبها وتحقيق أرباح طائلة، وفق مواطنين.
ويشكو المواطنون من أن أصحاب المتاجر يتذرعون دائماً بأنهم اشتروا بضائعهم على "الغالي" كي لا يخفضوا أسعارها، كما يسارعون إلى رفعها فور ارتفاع سعر صرف الدولار، وهو ما دفع المحال بغالبيتها إلى عدم وضع الأسعار على الرفوف في العلن للتحكم بها يومياً.
وعلى الرغم من تخفيض إدارة حصر التبغ والتنباك " مؤسسة تخضع لإدارة وزارة المالية اللبنانية" أسعار منتجاتها بنسب تصل إلى 15%، فإن غالبية المحال التجارية لم تلتزم بلائحة الأسعار الجديدة، ولا تزال تسعر هذه المنتجات على أساس سعر صرف يفوق 30 ألف ليرة للدولار الواحد، بحجة أن البضائع التي تباع تم شراؤها على السعر المرتفع.
وفي مقابل شكاوى المواطنين من عدم انخفاض الأسعار، يقول نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي، لـ"العربي الجديد"، إن "الشركات المستوردة بدأت بتقديم لوائح بأسعار جديدة تتماشى مع انخفاض سعر صرف الدولار، وهناك شركات ومؤسسات تجارية وسوبرماركت باشرت فعلاً في خفض أسعارها، ولكن لا دور رقابيا لنا، إذ إن النقابة ليست جمعية بل مجموعة شركات وكل شركة تتبع تسعيرة تضعها، ونحن لا نتدخل بها".
مراقبة حركة السوق
ويضيف بحصلي أن "أسعار السلع عادة تحتاج إلى ما بين 4 و5 أيام حتى تتغير، سواء صعوداً أو نزولاً، وذلك لمراقبة حركة السوق وسعر صرف الدولار والتسعير على هذا الأساس، لذلك بمجرد أن بدأ الانخفاض يحصل يوم الخميس قدمنا الاثنين لوائح جديدة بالأسعار ومن المفترض أن نرى ارتياحاً في السوق عند آخر الأسبوع، شرط أن يبقى الدولار على ثباته أو لا يسجل ارتفاعاً".
ويتابع أن "فوضى تقلبات سعر الصرف حتماً تنعكس بعدم وجود أسعار موحدة في المتاجر كافة، بحيث أن كل سوبرماركت يعتمد أسعاراً خاصة به وتتوافق مع الأسعار التي اعتمدها تبعاً لسعر صرف الدولار الذي سعّر على أساسه، ومن هنا أهمية الاستقرار الذي يتطلب في المقابل مقومات فعلية لتثبيته وإلا سنكون امام تكرار لارتفاع سعر صرف الدولار وسنبقى دائماً في حال ترقب".
بدوره، يؤكد رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، لـ"العربي الجديد"، أن "متابعتنا لم تعد تنفع، وأصبحت مضيعة للوقت، نحن نشهد فوضى شاملة وكل محل يسعر على هواه، والتراجع إذا حصل يكون خجولاً مقارنة مع مسار الارتفاع".
ولفت إلى أهمية فتح الاستيراد لتحقيق المنافسة وتوقيف الاحتكارات ومعالجة المشاكل الجوهرية في البلاد وإحداث تغيير جذري في البنى السياسية والاقتصادية".
ويقول برو إن "البلد ينهار في ظل السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية المتبعة والمنظومة المصرفية القائمة، التي ما زالت تتآمر على الناس وتتهرب من المسؤولية وتحمل المواطنين والفقراء والمودعين تبعات الأزمة".
في سياق متصل، يؤكد رئيس تجمع مزارعي البقاع إبراهيم ترشيشي، لـ"العربي الجديد"، أن أسعار البطاطا والثوم والبندورة والعنب والتفاح بشكل خاص انخفض سعرها وسيواصل النزول تبعاً لمسار سعر صرف الدولار، ولكن هناك أسعارا لم تتغير، مثل أسعار الخيار والكوسا والباذنجان.
موجة الصقيع
يقول ترشيشي إنه "لسوء حظنا وسوء حظ المستهلك، أتت موجة الصقيع لتلحق أضراراً بالكثير من البيوت البلاستيكية (الصوب الزراعية)، خصوصاً في شمال لبنان، عكار ووادي خالد، ما أدى إلى انخفاض كمية الإنتاج، ولا سيما في ظل درجات الحرارة المتدنية، باعتبار أن الثمرة عندها لا تعطي إنتاجاً كما يجب وتحتاج لما بين 40 و50 يوماً حتى تنتج من جديد".
ويلفت إلى أن أسعار الخضروات ليست مرتبطة دائماً بمسار سعر صرف الدولار، فأحياناً تشهد انخفاضاً، بينما يكون الدولار مرتفعاً والعكس صحيح، وبالتالي فهي تتصل بعوامل كثيرة، منها وجودها في السوق، والعرض والطلب، ففي حال كان العرض مرتفعاً تنخفض الأسعار حتى لو كان الدولار يسجل ارتفاعاً، وفي حال لم يكن لدينا عرض ترتفع الأسعار وإن كان الدولار يشهد انخفاضاً.
وعلى الصعيد الرسمي، أشار وزير الاقتصاد أمين سلام، في مؤتمر صحافي أخيراً، إلى دور فوضى سعر صرف الدولار في السوق السوداء في ارتفاع الأسعار، مشيراً إلى أنه يرتفع 10 آلاف ليرة دفعة واحدة وينخفض 10 آلاف سريعاً، ما يؤدي إلى انعكاسات وتداعيات تضاعف التحديات والضغط.
وقال سلام إن الإصلاح والتعافي الاقتصادي يبدأ من مديرية حماية المستهلك، مضيفاً: "إننا اليوم في وضع اقتصادي طارئ يتطلب إجراءات استثنائية وتعاوناً من قبل الجميع".
وتؤكد مصادر وزارة الاقتصاد لـ"العربي الجديد"، أن مديرية حماية المستهلك والأجهزة الأمنية المختصة تقوم بجولات مفاجئة على المحال الغذائية والملاحم (متاجر بيع اللحوم) ومراكز بيع الدواجن في مختلف المناطق للتحقق من الأسعار المعتمدة والتدقيق بها مع تحرير محاضر ضبط بحق المخالفين، وهي ستستكمل جولاتها ومداهماتها للتأكد من تخفيض الأسعار ووضع حد للفوضى الحاصلة ومحاولة أصحاب المحال تحقيق أرباح غير مشروعة على حساب المواطنين الذين تدهورت قدراتهم الشرائية بشكل خطير.
في المقابل، شهدت أسعار المحروقات في الأيام الماضية تراجعاً ملحوظاً تماشياً مع هبوط سعر صرف الدولار.