أثار حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن رفع سعر رغيف الخبز المدعم للمرة الأولى في عقود صدمة بين محدودي الدخل في أكثر الدول العربية سكانا، في حين يترقب خبراء اقتصاد تحديد قيمة الزيادة لمعرفة مدى تأثيرها المتوقع على معدل التضخم.
ويوم الثلاثاء، فاجأ السيسي نحو 71 مليون مستفيد من منظومة دعم الخبز، سواء بشكل مباشر من خلال شراء الرغيف بخمسة قروش أو من يحصلون على عشرة كيلوجرامات من الدقيق شهريا من المستودعات، بقوله: "جه الوقت اللي رغيف العيش أبو خمسة صاغ (قروش) ده يزيد تمنه... مش معقولة أدي 20 رغيف بثمن سيجارة".
وأبقت مصر منذ الستينيات على برنامج دعم ضخم ومكلف في كثير من الأحيان يوفر الخبز الرخيص لما يقرب من 71 مليونا من سكانها البالغ عددهم أكثر من 100 مليون نسمة.
وقال اقتصاديون منذ سنوات إن على مصر كبح برنامج الدعم الموسع للحد من الإنفاق الحكومي، في حين ارتفعت أسعار القمح بشكل كبير بسبب مخاوف الإمدادات في ظل جائحة كورونا.
وتقول وفاء بكر من منطقة شبرا الخيمة وأغلب سكانها من الطبقة العاملة وتقع على مشارف القاهرة: "مكناش مصدقين في الأول لما سمعنا الجيران بتتكلم عن زيادة سعر العيش .. محدش صدق الكلام غير لما شوفناه في التلفزيون واتصدمنا كلنا، هنعيش إزاي دلوقتي والفلوس هتكفينا إزاي".
وتضيف أن "العيش أهم حاجة في حياتنا وكل اللي زينا بالمناطق الشعبية.. يا ريت حد يحس بينا".
ولم يحدد السيسي في حديثه يوم الثلاثاء لدى افتتاح منشأة لإنتاج المواد الغذائية مقدار الزيادة المحتملة، لكن أي تغيير في منظومة دعم الغذاء مسألة شديدة الحساسية في أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم.
كانت هناك عملية تمهيد طويلة لهذه الخطوة، بما في ذلك خفض وزن الرغيف من 130 جراما إلى 110 جرامات ثم إلى 90 جراما في أغسطس
وقال حسن محمدي رئيس شعبة المخابز بغرفة الحبوب في اتحاد الصناعات المصرية إن "قرار تحريك سعر الخبز المدعم تأخر سنوات طويلة... قرار صائب حفاظا على المواطن وعلى رغيف الخبز... رغيف الخبز كرامته متهانة، بخلاف استخدامه كعلف للطيور والمواشي".
وأضاف: "لابد أن يصاحب زيادة السعر تحسين جودة الرغيف من خلال استبدال دقيق 82 بالمئة الذي ترتفع به الرطوبة إلى نوعية أفضل ولتكن دقيق 76-80 بالمئة".
وتبلغ قيمة فاتورة دعم الخبز المتوقعة في السنة المالية الحالية 2021-2022 نحو 44.884 مليار جنيه بينما تحتاج الحكومة لتوفير ثمانية مليارات لتوفير الوجبات المدرسية التي تعتزم تقديمها للتلاميذ في العام الدراسي المقبل.
وفي المنيا جنوب مصر تساءل أبو محمود (53 عاما) الذي يعمل عملا حرا هل يناسب استقطاع أموال من دعم الخبز لإنجاح مشروع التغذية المدرسية، وهل تغذية تلميذ واحد من أسرة واحدة أهم من إطعام أسرة بأكملها.
ولم تهدأ منصات التواصل الاجتماعي منذ حديث السيسي وحتى الآن عن رغيف الخبز وسيطر عليها وسم (هاشتاج) #إلا رغيف الخبز.
وقال ديفيد باتر المحلل السياسي والاقتصادي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى "تشاتام هاوس" إن "الحكومة طبقت تدابير موجهة بشكل أفضل مثل برنامج تكافل وكرامة للتحويلات النقدية".
وأضاف:"كانت هناك عملية تمهيد طويلة لهذه الخطوة، بما في ذلك خفض وزن الرغيف من 130 جراما إلى 110 جرامات ثم إلى 90 جراما في أغسطس/آب الماضي".
وقال: "لذلك فالحديث عن أن خمسة قروش للرغيف ليست أمرا مقدسا كان موجودا منذ بعض الوقت"، مضيفا أن بعض الحسابات تشير إلى أن زيادة سعر الرغيف إلى مثليه ليصل إلى عشرة قروش بالإضافة إلى زيادة حجمه قد توفر أربعة مليارات جنيه سنويا.
وأشعلت آخر محاولة لزيادة أسعار الخبز، في عام 1977 خلال عهد الرئيس الراحل أنور السادات، أعمال شغب دامية لم تتوقف إلا بعد إلغاء القرار.
خط أحمر
يقول أحمد سعيد من محافظة الشرقية شمال شرقي القاهرة "كنا نقبل بالجودة المتدنية لرغيف الخبز، لا نستطيع الاعتماد على الخبز الحر لارتفاع أسعاره... سعر رغيف الخبز المدعم خط أحمر هناك أرامل وأيتام ليس لهم دخل ثابت".
وقال السيسي خلال حديثه: "مبقولش نغليه قوي زي ما بيقف علينا بستين أو 65 قرشا (الجنيه=100 قرش)، ولكن هذا الأمر لازم يتوقف".
وأضاف: "مفيش حاجة بتثبت على حالها بالطريقة دي على مدى 20 أو 30 سنة ونقول إن الرقم ده محدش يمسه".
وكان هناك اختلاف واضح بين محدودي الدخل في البلاد وبين أصحاب المستويات الأعلى فبينما يرى الفريق الأول أن أي زيادة في السعر تزيد فقرهم ومعاناتهم اليومية، يرى الفريق الثاني أن الخطوة مهمة ولا بديل عنها لإصلاح خلل عبء الدين في الموازنة.
ويقول الشيخ إبراهيم رضوان أمام وخطيب أحد المساجد في محافظة كفر الشيخ التي تقع على بعد 140 كيلومترا تقريبا شمالي القاهرة: "بلاش رغيف العيش سيادة الرئيس لأنه ساتر بيوت كتير... يا ريس الفقير بيروح يجيب أي شيء بسيط وبجانبه العيش المدعم لا يمكننا الاستغناء عنه أو تحمل أي زيادة به".
وانخفض معدل الفقر في مصر إلى 29.7 بالمئة في السنة المالية 2019-2020 من 32.5 بالمئة في 2017-2018 وفقا لأرقام وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.
وعادة ما يصاحب رفع الدعم عن أي سلعة في مصر ولو بشكل جزئي ارتفاع أسعار أكثر من منتج آخر لضعف الرقابة والسيطرة على الأسواق مما يسبب زيادة مؤشرات التضخم بالبلاد.
وتقول رضوى السويفي من "فاروس" القابضة للاستثمارات المالية : "طبعا أي زيادة في سعر الخبز المدعم ستؤثر على أرقام التضخم، لكن لا نستطيع تحديد النسبة لعدم الإعلان عن وزن الخبز المدعم من معادلة قياس التضخم بمصر".
وأضافت أن "المصانع هي الأخرى قد تستغل زيادة الخبز المدعم لتمرير بعض الزيادات للمستهلك نتيجة ارتفاع التكلفة التي يعانون منها من فترة بسبب ارتفاع أسعار الخامات العالمية... لكن لا يمكننا إغفال الجزء الإيجابي من القرار في خفض بنود الدعم بالموازنة وتراجع الاحتياج للاقتراض من الخارج لسد الفجوة التمويلية".
وزاد تضخم أسعار المستهلكين بالمدن المصرية إلى 4.9 بالمئة على أساس سنوي في يونيو/ حزيران من 4.8 بالمئة في مايو أيار لكنه يظل أقل من المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي المصري حتى نهاية 2022 عند سبعة بالمئة، مع نقطتين مئويتين بالزيادة أو النقصان.
وتقول عبير السيد من محافظة الشرقية "قد نستغنى عن وجبة يومية لنستطيع مواصلة العيش... هناك زيادات في أسعار الكهرباء وكل الخدمات والسلع وكل ذلك فوق طاقة أي أسرة".
(رويترز)