بدأت آثار انسحاب وزارة التجارة الداخلية من التسعير، وإصدار نشرات أسعار أسبوعية، تنعكس على السوق السورية، والأسعار التي وصفتها مصادر من دمشق، بـ"الفوضى"، مع ارتفاع الأسعار بنحو 10% خلال يومين، لتسجل أسعار بعض المنتجات، كالبيض واللحوم والسكر والأرز، السعر الأعلى منذ 11 عاماً.
وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة بشار الأسد، قد عممت، يوم الإثنين الماضي، انسحاب التسعير الدوري المركزي، تاركة تسعير المنتجات الاستهلاكية، المنتجة محلياً والمستوردة، للتجار، وفق فواتير تداولية تحرر من المنتجين وتجار الجملة والمستوردين.
وطلبت الوزارة، من مديريات التجارة الداخلية في المحافظات، إلغاء العمل بنشرة أسعار الوزارة، واعتماد فاتورة المنتجين والمستوردين وتجار الجملة أساساً في تحديد أسعار مبيع المستهلك، مبررة تعميمها بـ"المتغيرات المتسارعة في بنود التكاليف"، خاصة سعر الصرف، وارتفاع تكاليف مستلزمات الطاقة، "حرصاً على استمرارية تدفق المواد في الأسواق، وتداول الفواتير الحقيقية".
وعاودت الليرة السورية التراجع أمام الدولار والعملات الرئيسية، بعد تحسنها الأسبوع الماضي، وتسجيلها نحو 5500 ليرة مقابل الدولار، لتسجل اليوم الخميس، بحسب مصادر من دمشق نحو 6600 ليرة مقابل الدولار، كما ارتفع غرام الذهب عيار 21 قيراطاً إلى 356 ألف ليرة، مرتفعاً بأكثر من 20 ألف ليرة خلال يومين.
ويوضح الاقتصادي السوري حسين جميل، أنّ نشرة التجارة الداخلية وحماية المستهلك "بالأساس غير معمول بها، حتى من مراكز التوزيع الحكومية، وما تعميم الوزارة، سوى اعتراف بانسحاب الحكومة من التسعير وضبط الأسواق، بعد الانسحاب المتتالي من دعم المواد المقننة (سكر، أرز، شاي وزيوت) لتترك المستهلكين لقدرهم وجشع التجار".
ويضيف جميل، لـ"العربي الجديد"، أنّ "النشرة، ورغم عدم الأخذ بها سابقاً، إلا أنها مؤشر ومرجع للمستهلك، يمكن من خلال تجاوزه التقدم بشكاية لوزارة التجارة الداخلية (التموين) ولكن اليوم، باتت الوزارة تقاد من السوق ومما يسعره التجار"، لافتاً إلى أنّ "المستوردين يسعّرون الدولار بعشرة آلاف ليرة، لأنهم يضيفون الإتاوات وأجور النقل، على السعر النهائي".
بدوره، يعتبر أستاذ الاقتصاد في جامعة تشرين، علي محمد، أنّ قرار وزارة التجارة الداخلية "ليس مختلفاً عما هو موجود على أرض الواقع، إذ لم يكن التجار يلتزمون سابقاً بالنشرات الصادرة عن الوزارة، بينما كانت هذه النشرات تُستخدم فقط كأوراق ثبوتية بأيدي موظفي التموين عند كتابة بعض المخالفات لعدم الالتزام بالتسعيرة".
ويضيف محمد، في تصريحات إعلامية، أنّ ما صدر عن الوزارة "يحاكي ما كان معمولاً به فعلياً في الخفاء"، معتبراً أنّ "السؤال الذي يطرح نفسه في ظل المتغيرات الاقتصادية الكبرى، هل ستتملص وزارة التجارة الداخلية من القيام بحساب التكاليف الفعلية للمستوردات، وبالتالي في كيفية تحديد نسبة الربح للمستوردين وكذلك للمنتجين، لأنه من الضروري وجود سيطرة كاملة على قضية التسعير والتكلفة الكاملة للمستوردات، باعتبار أنها ممولة من مصرف سورية المركزي بسعر صرف تفضيلي".
وأثار قرار انسحاب وزارة التجارة، حفيظة المراقبين، إذ وصفته وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي بـ"كلام حق نتائجه باطلة"، مضيفة عبر منشور لها في "فيسبوك"، أول أمس الثلاثاء: "لو كان يسود الاقتصاد جو المنافسة الكاملة، ودعم العملية الإنتاجية والاستيراد مفتوح للجميع، دون عراقيل ومعوقات، لكان تحرير الأسعار وتطبيق قواعد السوق، التي تفترض استقرار السعر عند نقطة توازن العرض والطلب، أمراً إيجابياً، ونتائجه في مصلحة الكل مستهلكين ومنتجين، ولكن في ظل مستوى الاحتكار الكبير، والانفلات السعري، فإنّ تعميم الوزارة قد يرفع الأسعار إلى مستويات غير مقبولة، من شأنها تعميق الفجوة بين المتطلبات والدخول".
وتتوالى نتائج انسحاب حكومة الأسد من تسعير وضبط الأسعار على المواد الاستهلاكية، ليسجل سعر صحن البيض (30 بيضة)، اليوم الخميس، 21 ألف ليرة، وسعر كيلوغرام السكر 7 آلاف ليرة، والأرز المستورد 7500 ليرة.
وتشير مصادر من دمشق، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ قرار الوزارة "زاد تفاوت الأسعار بين المنتح نفسه بالأسواق، مع غياب بعض السلع التي بدأ التجار احتكارها، رغم قرار التسهيل باستيراد 100% من حصيلة القطع، الذي صدر مؤخراً"، معتبرة أنّ "حكومة الأسد تحابي التجار والمستوردين على حساب المستهلك، لأنه يدفع لهم إتاوات".
وكان رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، غزوان المصري، قد كشف أنّ المباحثات مع اللجنة الاقتصادية أثمرت بصدور قرار يسمح للمصدر أن يستورد 100/100 من حصيلة القطع دون الرجوع إلى المنصة.
ويضيف المصري، في تصريحات نشرتها صحيفة "الوطن" المقربة من نظام الأسد، اليوم الخميس، أنه "بموجب القرار الجديد يكتفي فقط المصدر بإبلاغ المصرف المركزي مصطحباً كتاباً من غرفة الصناعة تثبت ملكيته للبضاعة المصدرة، وبعد الحصول على موافقة المصرف المركزي لديه مهلة ستة أشهر ليستورد مواده الأولية"، معتبراً أنّ القرار "يخفف معاناة المصدرين والصناعيين، حيث بات بإمكانهم استيراد موادهم الأولية من حصيلة تصديرهم، من دون العودة أو المرور من خلال المنصة".
ونص القرار الجديد على السماح للصناعيين الذين لديهم عدة طلبات استيراد لمواد أولية ويتعاملون مع المنصة، أن يسددوا 30% فقط من قيمة المستوردات إلى المنصة (البوابة الإلكترونية)، وبات يحق لهم تحرير عدة طلبات، على أن يستكملوا تسديد 70%بعد شهر واحد من إدخال البضاعة.
واشترط القرار أنه في حال تخلف المستورد عن التسديد خلال مهلة الشهر يتم إيقاف باقي طلبات التمويل التي تقدم بها.