حكومة مصر تهرول لبيع الأصول... ومخاوف من تقييم بخس وسط توترات المنطقة

29 سبتمبر 2024
الحكومة تخطط لبيع حصص في بنوك عامة ضمن رزنامة طرح الأصول (Getty)
+ الخط -

تتزايد مخاوف الاقتصاديين في مصر من تداعيات هرولة الحكومة إلى بيع الشركات العامة والعديد من الأصول في ظل الظروف الحالية، حيث تمر المنطقة بمنعطف خطير، إذ تلوح في الأفق حرب إقليمية بفعل العدوان الإسرائيلي غير المسبوق على لبنان، واستمرار تدمير غزة، ما يلقي بظلال سلبية قاتمة على اقتصاد مصر، ويؤثر سلباً في تقييم الأصول التي يحذر كثيرون من بيعها بأثمان بخسة.

يتهم خبراء في سوق المال الحكومة بـ"تقييم الأصول دفترياً" وبيعها، دون طرحها في البورصة أو الحصول على السعر العادل لقيمة أسهمها وفقاً للسوق، الأمر الذي تكرر عند بيع شركات لديها أصول رأسمالية هائلة، منها شركات في قطاعات الحديد والصلب والبتروكيماويات والفنادق التاريخية. ويخشى هؤلاء من توسع الحكومة في بيع شركات عامة مطروح بعضها في البورصة، بثمن بخس، لمستثمر استراتيجي، يخرجها من "التداول" فور إتمام صفقة البيع، ما يقلص حجم الشركات المتداولة، ويحرم المستثمرين المحليين والأجانب فرصة التعامل على أسهم جيدة، تدفعهم إلى البحث عن أسواق بديلة أكثر قوة في الخليج والبورصات الدولية.

وفي مواجهة فجوة تمويلية يقدّرها خبراء بنحو 40 مليار دولار بنهاية العام المالي الجاري 2024-2025 (يبدأ في الأول من يوليو/تموز وينقضي بنهاية يونيو/حزيران)، تسرع الحكومة نحو بيع الأصول العامة، لمواجهة أزمة ديون سيادية عميقة، أثرت في مناحي الأنشطة الاقتصادية، زادت حدتها، منذ عام 2022، مع تراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة، ونقص حاد في الواردات، وانهيار العملة، وارتفاع قياسي في معدلات التضخم فاق 40% في يونيو/حزيران 2023.

ولدت الأزمة رغبة محمومة من الحكومة للحصول على الدولار، واعتمادها على الأموال الساخنة، المدفوعة بالزيادة الهائلة بالفائدة على أذون الخزانة والسندات، وشهادات الإيداع، مع تأثر الدولة بالمخاطر الجيوسياسية في المنطقة وارتفاع الفائدة على العملات الرئيسية.

رأس جميلة ضمن القائمة

أعدت الحكومة قائمة جديدة لبيع مساحات واسعة من الأراضي في رأس بناس ورأس جميلة على ساحل البحر الأحمر شرقيّ البلاد وأصول 35 شركة عامة، لم تطرح بعضها من قبل في برنامج "وثيقة ملكية الدولة" التي تعهدت بتنفيذها منذ عام 2018. تشمل القائمة بيع 20% من حصة المال العام في بنك الإسكندرية، لمؤسسة "انتيسا سان بالو" الإيطالية، المشتري لأصول البنك، وطرح "المصرف المتحد" في البورصة، عقب فشل صفقات الاستحواذ التي أجريت لصالح مستثمرين خليجيين، على مدار الأعوام الثلاثة الماضية.

يأتي هذا في وقت يدفع فيه صندوق النقد الدولي، الحكومة إلى الإسراع في برنامج طرح الأصول العامة، قبل إتمام المراجعة الرابعة للصندوق التي ستجري الشهر المقبل، والإفراج عن قسط رابع مستحق بقيمة 825 مليون دولار من قرض متفق عليه بقيمة 8 مليارات دولار، بالإضافة إلى تمويل بقيمة 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة والصلابة التابع للصندوق، تسعى الحكومة للحصول عليه.

منحت الحكومة كلاً من صندوق الاستثمار الإقليمي "SPE PEF III" المدار من قبل "إس بي إي كابيتال" والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية وشركة "كابيتال فنتشرز للاستثمار" المباشرة المصرية، و"برتيش إنترناشيونال" البريطانية، حق الاستحواذ على شركة "تمويلي" المملوكة لبنك الاستثمار القومي والهيئة القومية للبريد، مقابل 2.8 مليار جنيه (57.9 مليون دولار). وقعت الصفقة 8 سبتمبر/أيلول الجاري، بعد 20 شهراً من مفاوضات وصفتها رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، بأنها جاءت ضمن خطة الحكومة للتخارج من بعض القطاعات، وفسح المجال أمام القطاع الخاص. وتدرس الحكومة بيع 46.6% من الأصول المملوكة لها في شركة الشريف للبلاستك "الأمل" في بورصة الأوراق المالية وبنك القاهرة.

تشير خبيرة سوق المال حنان رمسيس، إلى اهتمام الحكومة بطرح الشركات أمام مستثمر رئيسي فور اتفاقها مع صندوق النقد، للحصول على الدولار، من عوائد البيع على وجه السرعة، واستخدام الحصيلة، في ضبط سعر الصرف، لتحقيق نحو 30 مليار دولار من عوائد البيع، بخلاف العائد من بيع رأس الحكمة التي جرت ضمن صفقة سياسية بعيداً عن سوق المال أو التفاوض بشأنها مع مستثمرين آخرين.

ظروف جيوسياسية تثير المخاوف

وأكدت رمسيس في حديث مع "العربي الجديد" وجود مخاوف من عمليات الطرح المتعددة التي تستهدفها الحكومة، خلال الوقت الحالي، مع تعرّض المنطقة لظروف جيوسياسية تثير مخاوف لدى المتعاملين، ونظراً لعدم وجود ثقافة التعامل في البورصة لدى شريحة واسعة من المصريين، الذين يفضلون اللجوء بثرواتهم إلى الذهب والعقارات، فإن أغلب من ينتظرون الطروحات العامة، يشترون الأسهم وسرعان ما يعيدون بيعها بمجرد استقرار سعر الطرح، مكتفين بتحقيق عائد، دون أن يشاركوا في تعميق السوق وتوسيع أعداد المتعاملين به.

تشير خبيرة سوق المال إلى أن هذه الظواهر تسبب إشكالية للمؤشر الرئيسي الذي يشهد تدوير السيولة في الأسهم الجديدة، على حساب الأسهم المتداولة، الأمر الذي يحفز الحكومة على طرح حصص الشركات للبيع لمستثمر استراتيجي، حيث يجري تقييم السهم عبر مكاتب تقييم، وما إن يحصل المستثمر على الشركة المستهدفة، يبعدها عن البورصة، بما يقلل من الفرص المتاحة أمام المستثمرين للتداول على أسهم جيدة.

تحذر خبيرة سوق المال من التوسع في الاستحواذ على أصول الشركات العامة عبر مكاتب التقييم، التي تسعى عادة لفرض أسعار لا تمثل القيمة الحقيقية للأصول أو السعر العادل للأسهم، كما حدث عند تقييم أصول شركة "باكين" للدهانات، التي بيعت لشركة "أصباغ" الإماراتية، بأقل من قيمتها السوقية، وبعد اندماجها مع شركة الاستحواذ أخرجها الملاك الجدد من البورصة، ما حرم المتعاملين في سوق المال التعامل على أصولها، والاستفادة من صفقة بيعها.

وتشير إلى تفاوض الحكومة مع مؤسسة "سان باولو" المصرفية الإيطالية التي تستحوذ على 80% من بنك الإسكندرية، لمنحه 20% مملوكة للدولة، بهدف عدم تفتيت الملكية، دون النظر إلى خطورة ذلك على الاقتصاد المصري، حيث يمكن للمستثمر الأجنبي أن يتخذ قراراً منفرداً، يؤدي إلى نتائج غير محمودة للاقتصاد، بالإضافة إلى سحب أسهم البنك من التداول في البورصة، عقب عملية الاستحواذ.

تؤكد خبيرة التمويل والاستثمار أن التوسع المفاجئ في الطروحات العامة، قد يعرّض الاكتتاب في بيع الشركات أو الأسهم لمخاطر صعوبة التغطية، في حالة عدم مراعاة التوقيت المناسب وظروف الطرح، مشيرة إلى أنه في حالة بيع البنك المتحد، ومزاحمته ببيع بنوك أخرى، لن يكون في صالح الدولة، لوجود 14 بنكاً مقيدة داخل البورصة تحقق نسبة تداول جيدة، يقودها البنك التجاري الدولي ومصرف أبو ظبي الإسلامي، اللذان شكلا ثقلاً كبيراً وثقة لدى المتعاملين عبر فترة زمنية طويلة، بما يعني ضرورة متابعة الحكومة لظروف الطرح وترك مدة زمنية للاكتتاب العام عند بيع الشركات، لمنحه وقتاً كافياً للتغطية، وقيد السهم، بما يضمن تعميه السوق واتساعه بما يحافظ على قيمة الأصول العامة.

الحرب الإسرائيلية تهدد المنطقة

بدوره، يقول خبير التمويل والاستثمار وائل النحاس لـ"العربي الجديد" إن أجواء الحرب التي تقودها إسرائيل ضد غزة ولبنان، يمكن أن تهدد المنطقة بأسرها، مشيراً إلى حالة الاضطراب في البحرين، المتوسط والأحمر، التي أثرت بحركة المرور في قناة السويس، وتهدد سلاسل التوريد، وتؤثر في أداء أسواق المال في المنطقة، مبيناً أن صعود مؤشر البورصة خلال الفترة الماضية، يرجع إلى انخفاض قيمة الأصول المحلية، مدفوعة بتراجع الجنيه وزيادة الدولار، ومحاولة المتعاملين مواجهة التضخم، بشراء أصول تحفظ لهم القيمة، ولو كانت عند حدودها الدنيا.

يلفت النحاس إلى ظاهرة خروج الأموال العربية المستثمرة في البورصة بمعدلات كبيرة خلال الفترة الماضية، مستهدفة تحويل عوائد استثماراتهم في البورصة وبيع الأصول التي اشتراها البعض من الطروحات العامة، مستفيدين من الانخفاض الكبير بقيمة الأسهم والأصول، وجني الأرباح واسترداد قيمة ما دفعوه وصافي الربح بالدولار، وتحويله إلى الخارج، بما يعني أن الحكومة تعين الأجانب على تحقيق ثروات، كان يمكن للمصريين الاستفادة منها بشكل أفضل.

يرجع النحاس رغبة بعض المستثمرين الأجانب، في شراء الأصول العامة، إلى تبييض الأموال التي تدخل من مصادر مشبوهة وتخرج باعتماد رسمي من الدولة، وإن تعرضت لخسائر، خصوصاً مع إدراج الدول القادمين منها ضمن القائمة الرمادية، التي تضعها المنظمات الدولية المكافحة لغسل الأموال الناتجة من تهريب المخدرات وشبكات الدعارة، والذهب والألماس، وبيع الأسلحة للمليشيات بمناطق الصراع في الدول المحيطة بالمنطقة.

في تصريحات صحافية أكد إبراهيم العيسوي، المدير السابق لمعهد التخطيط القومي، "حاجة الدولة لعلاج الأزمة الاقتصادية التي تمر بها، عبر طب آخر، غير طب صندوق النقد الدولي"، محذراً من لجوء الصندوق إلى بيع الأصول العامة بالخصخصة، والعلاج بالمسكنات التي لا تحول دون استفحال المرض، واستئصاله بطريقة جذرية، عبر برامج تنمية اقتصادية تقودها الدولة التي تعاني عجزاً في الإنتاج، يدفع إلى زيادة الواردات، ويقلل موارد النقد الأجنبي، ما يدفع إلى المزيد من الاقتراض.

يشير الخبير الاقتصادي إلى أن قيمة الجنيه تراجعت بعد تطبيق 4 اتفاقات مع صندوق النقد، حتى بلغ سعر الجنيه نحو 2 سنت من الدولار، عقب اتفاق مارس/آذار 2024، ما خلف أثراً سلبياً على الاستثمار، وزاد من الأعباء على السواد الأعظم من المصريين، الذين ارتفعت نسبة الفقراء بينهم والقريبين من خط الفقر جراء تقليص الإنفاق العام، بما فيه الاستثمار، مع ارتفاع معدلات التضخم.

في السياق، قال أحمد بهاء الدين شعبان، مؤسس التحالف الشعبي، الذي يضم عدداً من أحزاب اليسار وقيادات بالتيار المدني، لـ"العربي الجديد" إنه يجري مشاورات مع عدد من الأحزاب السياسية لدعوة المواطنين إلى التصدي لبيع الأصول العامة، وفقاً للنهج الذي تسرع في الحكومة، خشية إهدار ثروات الشعب، وبيعها بثمن بخس، عبر صفقات يشوبها كثير من الفساد، خصوصاً الشركات المالكة لمصانع كثيفة العمالة، وذات الأهمية الاستراتيجية للدولة.

وتتجاهل الحكومة اعتراض نواب البرلمان والاقتصاديين، على بيع أسهم الشركات بأسعار متدنية، عبر التنازل المباشر للمستثمرين الأجانب، بصفقات استحواذ، مبررة رغبتها الملحة في الحصول على الدولار، وإنقاذ النظام المالي الذي تداعى بشدة منذ منتصف 2023، ولم يتوازن إلا أخيراً عبر صفقة إنقاذ مالي من عوائد بيع أرض رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط (شمال) التي نفذت خلال شهرين من توقيع الاتفاق في مارس/آذار 2024.

سقوط في فخ الديون

يرى خبراء أن سقوط الحكومة في فخ الديون دفعها إلى الهرولة نحو طلب الإنقاذ من صندوق النقد الدولي وتوقيع أربع اتفاقات، بدأت منذ 2016، أسفرت عن المزيد من الديون، من دون حل لمشكلة تراجع الجنيه والنقص الحاد في الدولار، بما أجبرها على التفريط في الأصول العامة، عبر صفقات استحواذ الدول الخليجية الداعمة للنظام، مقابل توفير السيولة المالية.

واستهدفت الحكومة جمع 40 مليار دولار من عوائد بيع الأصول العامة، منذ اتفاقها الثالث مع الصندوق 2020 بحلول عام 2026، حققت بيوعاً بقيمة 30 مليار دولار، منها 5.2 مليارات دولار، في استثمارات مباشرة من دولتي الإمارات والسعودية، خلال عامي 2022 و2023.

بدأت الصفقات الخليجية بشراء صندوق أبو ظبي السيادي، حصصاً في خمس شركات مدرجة بالبورصة، بنسبة 32.5% من شركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، بقيمة 168 مليون دولار و12% من "فوري للمدفوعات الرقمية" بقيمة 68.6 مليون دولار، و18.5% من البنك التجاري الدولي في صفقة قيمتها 911 مليون دولار، و20% من "موبكو للأسمدة" بقيمة 266.6 مليون دولار، وحصة بنك الاستثمار القومي بشركة "أبو قير للأسمدة" البالغة 21.52% مقابل 391.9 مليون دولار.

كما جرى الاستحواذ على 25% من شركة الحفر الوطنية بقيمة 330 مليون دولار، و30% من "شركة إيثيدكو" و35% من شركة "المصرية لخطي البنزين والألكيل أيلاب" غير المدرجتين في البورصة، والمعاد تمليكهما للصندوق السيادي، أكملتها ببيع أرض مدينة رأس الحكمة بمساحة 40.6 ألف فدان، مقابل استبدال ديون بالعملة المحلية بما يوازي 11 مليار دولار، ودفع 24 مليار دولار نقداً. وسمحت الحكومة للصندوق السيادي السعودي بالاستحواذ على "إي فاينناس للاستثمارات المالية والرقمية"، و19.82% من أسهم شركة أبو قير للأسمدة والكيماويات، و25% من "موبكو" للأسمدة"، و20% من "الإسكندرية لتداول الحاويات".

كذلك تخطط الحكومة للعودة لأسواق الدين الدولية، بعد ثلاث سنوات من التوقف، بإصدار سندات دولية بقيمة ثلاثة مليارات دولار، مطلع العام المقبل، لمواجهة العجز المتوقع من عوائد بيع الأصول العامة، واستغلال تراجع جديد بسعر الفائدة على الدولار، في خفض قيمة تكلفة القروض.

المساهمون