تمر "الخطوط التونسية" منذ سنوات بصعوبات مالية وهيكلية كبرى باتت تهدد وجودها في ظل وضعية هشة، وفي هذا السياق كشف المدير العام للخطوط التونسية، خالد الشلي، في مقابلة مع "العربي الجديد" تفاصيل المديونية وخطط الإصلاح لإنقاذ الشركة.
وفيما يلي نص المقابلة:
- بعد موسم ضربت فيه جائحة كورونا قطاع النقل الجوي في العالم، كيف تقيمون الوضع الراهن لشركة الخطوط التونسية؟
الأمر لا يخفى على أحد، وتأثيرات الجائحة كانت وخيمة على قطاع الطيران في كل دول العالم، وتسببت في صعوبات كبيرة لكبرى الشركات، فما بالك بشركتنا التي تمر منذ سنوات بصعوبات كبرى عمقتها الأزمة الصحية؟
وعند بداية الجائحة سنة 2020، كنا بصدد وضع خطة إنقاذ بعد تراجع رقم معاملات الشركة بشكل كبير نتيجة صعوبات في النشاط جراء فقدان السيولة، وهو ما أثر على عمليات التزويد بقطع الغيار، مما جعل جل طائراتنا عاجزة عن الإقلاع، وأدى ذلك إلى خفض عدد رحلاتنا.
الموسم مرّ بصعوبة، وكان الأمل قائما لتعويض الخسائر خلال موسم 2021 عبر عودة نشاط الشركة بقوة، لكن المشكل تواصل جراء وضعنا الداخلي في الشركة وصعوبات التزويد، وكذلك جراء التضييق على السفر دوليا.
وواجهنا تراجعا حادا في حركة المسافرين خلال سنة 2020 والذي بلغ 70 بالمائة مقارنة بسنة 2019، لذلك حاولنا الضغط على المصاريف والاستغناء عن الرحلات غير المجدية.
- وما هي تداعيات هذا الوضع الذي استمر طوال الفترات الماضية؟
هذا الوضع زاد في حجم العجز بين مداخيل ضعيفة ومصاريف مرتفعة، تضاف إليها مصاريف أخرى مثل تكاليف الصيانة التي فاقت وحدها 70 مليون دينار (25 مليون دولار).
وضع جعلنا نسجل عجزا يناهز 1200 مليون دينار (425 مليون دولار) وحجم ديون ضخما مع إشكاليات كبرى في توفير السيولة.
ورغم ذلك تمكنا من تجهيز 10 طائرات واستئجار طائرة أخرى، ليصبح عدد الطائرات التي تم استغلالها هذا الموسم في حدود 14 طائرة، لنتمكن بذلك من الإيفاء بتعهداتنا خلال الموسم الحالي، خاصة فيما يتعلق بعودة الجالية التونسية.
- لكن رغم هذا التقدم في الأداء، فإن الصعوبات تظل قائمة، والشركة لا يمكنها أن تعيش في ظل وضع مالي صعب ورقم عمالة كبير ونفقات مرتفعة وأسطول متقادم؟
بالفعل، وهو ما حتم علينا التمسك ببرنامج إصلاح شامل سيمس كل شيء في الشركة، بما في ذلك برنامج التخفيف من الأعباء عبر تسريح حوالي 1000 موظف في مرحلة أولى باتفاق مع المنظمة الشغيلة والنقابات، ليصل الرقم لاحقا ربما إلى 1700 موظف وفق اتفاق سابق.
وفي إطار التطهير المالي كذلك، ستقوم الشركة بالتفويت (بيع) في عدد من أصولها غير المثمرة، ومنها عدد من العقارات في الداخل والخارج، وقدر ثمن التفويت في عدد منها بحوالي 150 مليون دينار (53 مليون دولار) ستجنيها الشركة من عقارات غير مجدية وفاقدة قيمتها الربحية.
وفي إطار الحوكمة والإصلاح، قامت الشركة باسترجاع 85 مليون دولار من شركة "إيرباص" سبق دفعها كمقدم لعملية اقتناء طائرات، وهو ما سيمكننا من السيولة المطلوبة لتحويل الصفقة من عملية شراء إلى عملية تأجير طائرات.
- إذا كانت الشركة نجحت هذا الموسم في الحد من شكاوى تأخير المواعيد وإلغاء رحلات، فإنها تركزت خاصة على الخدمات الجوية أي نوعية الاكلة المقدمة ورفاهية الطائرات. فكيف تفسرون هذا النقص الذي قلل من مجهوداتكم للحفاظ على الجودة؟
هذا الإشكال خارج عن نطاقنا، فالوجبات المقدمة توفرها شركة تونس للخدمات الأرضية (تونيزي كاترينغ) التي نمتلك جزء كبير من رأسمالها. هذه الشركة مرّت مثلها مثل معظم الشركات التونسية بصعوبات ما بعد الثورة مما أثر على خدماتها.
واليوم وبعد إبرام اتفاق جديد مع الشركة، نطمئن عملاءنا إلى أنه اعتبارا من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، سيجدون خدمات جوية راقية على متن الطائرة، سواء فيما يتعلق بدرجة الأعمال أو الدرجة الاقتصادية حيث ستعود الوجبة الممتازة والمتنوعة على متن كل رحلاتنا.
- التحسين الداخلي للطائرات والرفاهية التي تسعون إليها لا تمنع من التساؤل حول تقادم الأسطول؟
خطتنا الكبرى تتمثل في تغيير الأسطول بشكل جذري يصبح معه معدل أعمار طائراتنا لا يتجاوز الـ10 سنوات، وذلك بداية من هذا الشهر، حيث سنعمل على التفريط في عدد من الطائرات القديمة وتعويضها بأخرى جديدة، لتعزيز الأسطول قبل نهاية السنة الجارية بطائرة جديدة تليها 3 طائرات خلال سنة 2022، ومع حلول 2023 سيتم اقتناء طائرة رابعة ليصبح العدد الإجمالي في حدود الـ15 طائرة.
كذلك قررنا توحيد نوعية الأسطول، وذلك في إطار الحوكمة والضغط على المصاريف، والتخلي عن الخطوط الخاسرة وعددها 7 بين أوروبا وأفريقيا، مقابل المحافظة فقط على الخطوط الرابحة أو التي لا تكلفنا خسائر فادحة.
وهذه الخطة ستجعل شبكة خطوطنا تتقلص بما يؤدي إلى تخفيض وجهات الشركة من 45 إلى 35 وجهة. سيقتصر أسطولنا على العلامة "ايرباص" ليتكون من طائرتين "A230" و15 طائرة "A320 " مع التخلي عن طائرات "بوينغ" طراز " 737" و"319" التي يتجاوز معدل أعمارها الـ20 سنة، ليصل العدد إلى 17 طائرة مع تأجير عدد آخر من الطائرات التي لا يتجاوز معدل أعمارها 8 سنوات، وبالتالي لن يتجاوز معدل سن أسطولنا 10 سنوات.
- تعاني الشركة من مديونية كبرى ونقص السيولة، مما عطل برامجها، وأثر على نشاطها وأدخلها في خلافات مع البنوك وخاصة مع المزودين، فأي إجراءات ستتخذونها للحد من نسبة المديونية؟
المسالة ليست بجديدة، وهو حال جل المؤسسات العمومية، فالخطوط التونسية تواجه حجم مديونية ضخما بلغ 2200 مليون دينار (776 مليون دولار)، 1250 مليون دينار (440 مليون دولار) منها تجاه ديوان الطيران المدني والمطارات، والمبلغ المتبقي يتوزع بين ديون تجاه الدولة، وأخرى تجاه البنوك المحلية والأجنبية.
وكلها في شكل قروض، فضلا عن ديون المزودين، ولنا حلول في اتجاه التقليص منها، والإيفاء بتعهداتنا مع الجهات المانحة من خلال رفع رأس مال الشركة عن طريق دخول ديوان الطيران المدني والمطارات بجزء من ديونه في رأس المال، ونفس الشيء بالنسبة إلى البنوك التي سنعرض عليها الدخول بجزء من ديونها في رأس المال، وسنفسح المجال للقطاع الخاص التونسي في الداخل والخارج للاكتتاب.
كل هذا مع خطة واتفاق مع البنوك لجدولة الديون ستجعلنا في أريحية مالية تمكننا من مواصلة الإصلاحات الكبرى.
الحديث عن الإصلاحات الكبرى يجرنا للتساؤل حول خطة الإصلاح الاجتماعي عبر تسريح عدد من العمال في إطار التطهير المالي الذي من شأنه أن يخفف من كتلة الأجور الثقيلة جدا بالنسبة للشركة؟
هو برنامج رئيسي تباحثنا فيه مع الطرف الاجتماعي، وسيمكّننا من تسريح اختياري لحوالي 1000 موظف بصفة أولية، وربما يصل الأمر لاحقا إلى 1700.
وفي إطار الحد من المصاريف، أغلقنا عددا من المكاتب في الخارج وخففنا عدد الموظفين في أُخرى. وفي الإطار نفسه، تم التخلي عن استغلال عدد من المقرات، ومنها التي نمتلكها والتي قمنا بتسويغها مقابل الانتقال إلى مقرات أُخرى أقل تكلفة، وهي عملية مربحة للشركة. هذا إلى جانب خطتنا الأساسية المتمثلة في التوجه أقصى ما يمكن إلى الرقمنة التي ستمكّن من تقليل اليد العاملة مع تحسين الخدمات.
- كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن إمكانية التفويت في جزء من رأس مال الشركة إلى شريك استراتيجي، والذي اعتبره البعض الحل الأسلم والأمثل لخروج الشركة مما تردت فيه؟
لا يمكن فتح رأس المال إلا بعد عملية إصلاح مهمة تعيد للشركة وزنها ومكانتها وتجعلها قبلة للمستثمرين، وفكرة الشريك الاستراتيجي عرضت أكثر من مرة، وأساسها هو إبقاء الدولة التونسية كمساهم رئيسي في الشركة التي لا يمكن التفريط فيها، باعتبارها رمزا وطنيا لا يحق التفريط فيه.
- وقعت تونس مؤخرا على الانضمام لاتفاقية السماوات المفتوحة، وهو خيار لم يكن بإمكانها الهروب منه، فماذا عن استعداداتكم لهذا التوجه، وهل بإمكان شركتكم الصمود أمام عمالقة شركات الطيران في العالم؟
نغالطكم إن قلنا إننا جاهزون للسماوات المفتوحة التي تتطلب قوة وخططا وبرامج، خاصة أن البرنامج الإصلاحي الذي من شانه أن يخفف من هذه الأزمة ما زال في أولى خطواته. الاتفاق أبرم من قبل الدولة التونسية، وما علينا إلا التعامل معه. الإيجابي أن الاتفاق استثنى مطار تونس قرطاج ولمدة 5 سنوات، وهو ما يعد ضمانة مهمة للشركة لمواصلة إصلاحاتها ومسايرة السماوات المفتوحة تدريجا.