يقضي الشاب اليمني أوس سلطان، العام الثاني في عالم البطالة، بعد أن تخرج من كلية التجارة والاقتصاد في جامعة عدن، ولم يستطع حتى الآن الحصول على وظيفة حكومية أو أي عمل في القطاع الخاص.
هذا الأمر يُشعر سلطان بالإحباط كما يعبر عن ذلك لـ"العربي الجديد"، لأنه "رفض الانخراط في التشكيلات العسكرية التي استوعبت عددا من خريجي الجامعات العامة والخاصة في العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية عدن وبقية المحافظات الواقعة في نطاقها".
وينتظر وفق حديثه فرصة في العمل بالقطاع المدني العام أو الخاص. ويواصل خريجو الجامعات اليمنية في جميع المدن والمناطق التدفق سنوياً منذ عام 2015 من الجامعات إلى الشوارع دون استيعاب مع توقف جميع المشاريع التنموية والاستثمارية.
وفي الوقت الذي تتسع فيه مساحة الجوع والفقر والبطالة في اليمن وسط أزمات اقتصادية متصاعدة بسبب الحرب ومسكنات دولية عبر مساعدات إنسانية محدودة، تتكدس بشكل مضطرد أعداد غفيرة للشباب الخريجين من الجامعات اليمنية على رصيف البطالة. ولم يعد المواطن شوقي حميد، والذي كان يعمل معلماً في إحدى المدارس الحكومية في صنعاء، قادراً على تعليم ثلاثة من أولاده أحدهم يدرس في جامعة صنعاء بالنظام الموازي الذي يتطلب مبلغا من المال لا يستطيع توفيره بعد أن فقد راتبه قبل نحو أربعة أعوام وأصبح منذ ذلك الحين يعمل في أعمال ومهن شاقة بالكاد يوفر منها احتياجات أسرته من الغذاء والدواء.
يقول حميد لـ"العربي الجديد"، إنه استنفد كذلك ما كان متوفرا لديه من مدخرات منها بقايا ذهب ومجوهرات خاصة بزوجته تم بيعها واستخدم جزءاً منها للإنفاق على تعليم أبنائه خلال الثلاثة أعوام الماضية.
ويطالب اتحاد عمال نقابات اليمن الحكومة الجديدة في عدن بسرعة حل مشكلة رواتب الموظفين لتشمل الجهاز الإداري للدولة في صنعاء وجميع المحافظات اليمنية والعمل على إعداد هيكل أجور موحد لكافة الموظفين والدوائر والمؤسسات العامة يراعى فيها الحد الأدنى من الأجور بما يعادل 300 دولار شهريا. كما تتطلب عملية التصدي للفقر والبطالة إيجاد رؤية متكاملة تشمل معالجة أوضاع العمالة الفائضة والمسرحين من أعمالهم ووظائفهم في القطاع المدني ومعالجة سلم الأجور.
ويحذر مراقبون من ثورة جياع قادمة في اليمن إذا ما استمر الوضع الراهن بهذا التردي المتواصل مع انسداد افق الحلول الهادفة إلى توقف الحرب والصراع الممتد منذ ثورة 2011. عضو اتحاد نقابات عمال اليمن، يحيي حسن، يرى أن الوقت قد حان لتقوم الحكومة اليمنية بمسؤوليتها في التصدي لآفة البطالة واستيعاب هذا العدد الهائل من الخريجين الشباب منذ بداية الحرب. وقال حسن لـ"العربي الجديد"، إن نفس الأمر ينطبق على سلطات الأمر الواقع في صنعاء وجميع المحافظات اليمنية وعلى القطاع الخاص الذي يركز جزء كبير منه على الربح السريع من خلال أعمال تشكلت بفعل الحرب هدفها الإثراء على حساب المشاريع الاستثمارية والتنموية في القطاعين العام أو الخاص.
وفي مقابل ارتفاع أعداد الخريجين الجامعيين المعطلين عن العمل، يعاني اليمن من فقر مدقع ارتفع من 55% عام 2014 إلى 70% في عام 2019، ويعيش حسب الأمم المتحدة 17 مليون يمني على وجبه واحدة في اليوم، وضاعفت الحرب أعداد البطالة في البلاد إذ وجد نحو مليوني شخص أنفسهم على رصيف البطالة إلى جانب مليون ونصف المليون، وفق بيانات رسمية عام 2014.
الباحث الاقتصادي والأكاديمي في جامعة عدن، نصر السماوي، يرى في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة الجديدة التي تكافح من أجل البقاء في عاصمتها المؤقتة عدن، عليها إعداد موازنة عامة للدولة بسرعة محددة بتوجهات تنموية لتخفيف المعاناة عن كاهل المواطنين من خلال وضع برامج فاعلة لامتصاص البطالة وإعادة برامج التوظيف في الخدمة المدنية والتي تتضمن إحالة من بلغ سن التقاعد من الموظفين واستقطاب الشباب المؤهل لشغل هذه الدرجات الوظيفية. وتابع أنه يجب أيضاً "تركيز عمل الدوائر والوزارات المختصة مثل المالية والخدمة المدنية، على وضع برامج هادفة لامتصاص جزء من البطالة المتراكمة وتوفير فرص عمل جديدة بما من شأنه إعادة الأمل للشباب المنتظرين للتوظيف منذ سنوات".
وإذا استمرت الحرب حتى العام القادم 2022، فسيُصنف اليمن كما ورد في تقرير صادر العام الماضي عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، كأفقر بلد في العالم. ويعود ارتفاع نسبة الفقر والجوع في اليمن إلى عوامل تتعلق بالحرب الدائرة، بما في ذلك انهيار الاقتصاد الذي خسر ما يناهز 90 مليار دولار منذ عام 2015، وفق تقارير رسمية. كما أدى الصراع إلى تعطيل الأسواق والمؤسسات وتدمير البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية، بينما انخفض إجمالي الناتج المحلي للفرد من 3577 دولارا إلى 1950 دولارا في أول عامين من الحرب فيما وصل إلى أقل من 300 دولار نهاية عام 2019. وهو مستوى لم تشهده البلاد منذ نحو خمسة عقود، إذ يُعد اليمن الآن وفق تصنيف منظمات دولية ثاني أكبر بلد غير متكافئ في العالم من حيث الدخل، حيث تجاوز 100 بلد آخر في مستويات عدم المساواة في السنوات الخمس الماضية.