يتكبد الاتحاد الأوروبي خسائر تقدر بعشرات المليارات من اليوروهات بسبب تأخر اللقاحات المضادة لفيروس كورونا الجديد، والتي تعيده إلى موجة الإغلاقات التي أنهكت اقتصادات دوله واستنزفت الكثير من الشركات، لا سيما العاملة في قطاعات الخدمات، ما يجعل اقتصاد المنطقة في وضع متأخر مقارنة بالولايات المتحدة التي تحصل على جرعات أسرع من اللقاحات، وكذلك بريطانيا التي غادرت الاتحاد الأوروبي مطلع العام الجاري.
ومن شأن الإغلاق أن يفقد الإنتاج في الكتلة الأوروبية، وفق تقديرات نشرتها وكالة بلومبيرغ الأميركية، أمس الأربعاء، حوالي 12 مليار يورو (14 مليار دولار) أسبوعياً فقط، بينما الخسائر الناجمة عن تأخير تسليم اللقاحات من شهر إلى شهرين قد تتراوح بين 50 و100 مليار يورو.
وتسلط هذه الأرقام الضوء على المخاطر الهائلة للمفوضية الأوروبية، التي دخلت في مواجهة عامة مع شركة الأدوية البريطانية ـ السويدية "أسترازينيكا" التي تخلفت عن التزامها بتسليم الجرعات المتفق عليها والتي تبلغ نحو 100 مليون جرعة للربع الأول من العام الجاري 2021، وفق تصريحات رئيسة إدارة الصحة في المفوضية الأوروبية ساندرا غالينا، أمام البرلمان الأوروبي، يوم الاثنين الماضي.
وقال جونترام وولف، مدير مركز Bruegel للأبحاث في بروكسل لوكالة بلومبيرغ: "كل أسبوع يتم فيه تمديد الإغلاق، لأن السكان لا يتم تطعيمهم ويكونون عرضة للخطر، يعني تكبد تكاليف اقتصادية كبيرة، وهذه التكاليف أعلى بكثير من تكاليف اللقاحات نفسها".
حتى الآن، قام الاتحاد الأوروبي بإعطاء 3 جرعات فقط لكل 100 شخص، وهو أقل بكثير من 15 جرعة لكل 100 شخص في المملكة المتحدة و10 جرعات في الولايات المتحدة، بينما تنتشر في غضون ذلك سلالات أكثر عدوى من فيروس كورونا، مما يجبر الحكومات الأوروبية على تمديد الإغلاق.
وبحسب جيمي راش، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في بلومبيرغ إيكونوميكس، فإن "التقدم المبكر في منح التطعيمات في المملكة المتحدة يعني أننا نتوقع تعافياً اقتصادياً قوياً يتجذر في وقت أقرب مما هو عليه في بقية بلدان أوروبا، حيث يؤدي ارتفاع معدل انتقال سلالات كوفيد ـ 19 الجديدة إلى اتخاذ تدابير احتواء أكثر صرامة في معظم أنحاء أوروبا، مما يرفع تكلفة تأخير اللقاح".
في المقابل يتوقع الاتحاد الأوروبي زيادة في إمدادات اللقاحات في الربع الثاني من 2021، ولا يزال يخطط لتحصين 70% من السكان البالغين بحلول الصيف. وهذا هو المستوى الذي يجب أن يسمح للحكومات بإلغاء العديد من القيود الحالية التي أغلقت المتاجر والمطاعم والسفر.
مع ذلك، تقدر مؤسسة أليانز للخدمات المالية أن البلدان متأخرة خمسة أسابيع في ما يتعلق بتحقيق هذا الهدف، ويجب أن تحدث التطعيمات بمعدل ستة أضعاف السرعة الحالية للحاق بالركب. وقدرت التكلفة بـ 90 مليار يورو، مع مراعاة الآثار غير المباشرة في وقت لاحق من العام.
وقال لودوفيك سوبران كبير الاقتصاديين في أليانز في تقرير له أخيراً: "في اقتصاديات اللقاحات، هناك فقط أسود أو أبيض، فالاقتصادات التي تنهي السباق أولاً ستكافأ بتأثيرات مضاعفة إيجابية قوية تزيد من الاستهلاك والنشاط الاستثماري في النصف الثاني من 2021، بينما سيبقى المتخلفون عن التطعيم عالقين في وضع الأزمة ويواجهون تكاليف باهظة اقتصادية وسياسية أيضاً".
وستعاني بلدان الجنوب، بما في ذلك إسبانيا وإيطاليا، الأكثر تضرراً بالفعل من الوباء، أكثر من تأخر اللقاحات، بينما ضرب السياحة يعرضها لخسائر فادحة، في حين تترقب الافتتاح الجزئي في عطلة عيد الفصح في بداية إبريل/ نيسان المقبل والتي يتوقع أن تحقق عائدات تشتد الحاجة إليها، وفقًا لرينهارد كلوز، الاقتصادي في بنك الاستثمار السويسري "يو بي اس".
وقال كلوز وفق ما نقلت بلومبيرغ إنه "مع التقدم البطيء في التطعيمات، ليس من الواضح أننا سنحظى بموسم عيد الفصح الجيد"، مضيفاً أن الصيف معرض أيضاً للخطر، حيث يحجز العديد من المسافرين عطلاتهم في الربيع وقد يختارون البقاء بالقرب من منازلهم لسنة أخرى.
وتابع أن كل أسبوع إضافي يخضع الاقتصاد للقيود خلاله، يكبر خطر دفع الشركات التي تآكلت مصادرها المالية العام الماضي إلى حافة الهاوية وطلب الإفلاس، وهذا من شأنه أن يرفع معدلات البطالة ويقوض احتمالات الانتعاش السريع.
ولا يزال بإمكان الاتحاد الأوروبي اللحاق بنظرائه، أو قد تنغمس جميع الدول في أزمة أخرى، فإذا ظهرت طفرات فيروسية تقاوم اللقاحات الحالية، فإن ذلك يجعل القارة الأوروبية تتجه نحو حساب مؤلم. وقال كلوز: "إلى الحد الذي لا نحصل فيه على معدلات التشغيل اللازمة في الأسابيع والأشهر المقبلة، فإن مخاوفنا ستكبر".
لكن إريك مامر المتحدث باسم المفوضية الأوروبية كان قد قال يوم الأحد الماضي "نتوقع أن نتلقى 300 مليون جرعة في الربع الثاني، وبالطبع أكثر إذا ظهرت لقاحات أخرى". واتخذت الكتلة الأوروبية خطوات سريعة نحو تنويع مصادر اللقاحات، حيث قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، يوم الثلاثاء الماضي، إن جميع اللقاحات المضادة لكورونا "مرحب بها"، مشيرة إلى أنها تحدثت مؤخراً إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن لقاح سبوتنيك الروسي.
وعانى الاقتصاد الأوروبي من الانكماش الذي بلغت نسبته 6.8% خلال عام 2020، بسبب الإغلاقات الناجمة عن تفشي الوباء، وفقاً لبيانات صادرة الثلاثاء الماضي عن وكالة إحصاءات الاتحاد الأوروبي (يوروستات)، وسط توقعات باستمرار الانكماش لهذا العام في حال عدم السيطرة سريعاً على تداعيات كورونا.