دفع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأسهم الأميركية إلى مستويات قياسية جديدة، ورفع الدولار إلى أعلى مستوياته في عامين، إلا أن ذلك كان له انعكاساته السلبية على أسواق العالم، حيث يتوقع أغلب المستثمرين والمحللين ألا تكون خطة "أميركا أولاً" التي يتبناها ترامب برداً وسلاماً على شركاء الولايات المتحدة التجاريين ومنافسيها.
وفي الأسبوع الذي تلا إعلان فوز ترامب في الانتخابات، تهاوت الأسهم خارج الأسواق الأميركية، حيث وصل مؤشر MSCI للأسهم العالمية إلى أدنى مستوى له في ثلاثة أشهر. وبالتزامن فقد مؤشر العملات في الأسواق الناشئة أكثر من 1% من قيمته، مقتربًا من محو مكاسب هذا العام، بينما تراجعت الأسهم الأوروبية واليورو بصورة واضحة.
وأصبح الانقسام بين الأصول الأميركية وغير الأميركية أكثر بروزًا مع بدء تشكيل إدارة الرئيس المنتخب، مع تسمية الموالين المستعدين لتنفيذ خطة "أميركا أولًا" لمناصب رئيسية، الأمر الذي أكد أسوأ مخاوف المستثمرين. وتظهر العناوين الرئيسية لخطة "أميركا أولاً" نية ترامب فرض رسوم جمركية أعلى، خاصة على الصين، إلى جانب مجموعة من السياسات المحتملة، التي يتوقع أن تزعزع استقرار الأسواق العالمية، من خلال رفع معدلات التضخم، وتقييد أيدي البنوك المركزية.
ودفعت هذه المخاوف المستثمرين إلى الهروب بأموالهم باتجاه الأصول الأميركية، حيث قفز انكشاف مديري الصناديق للأسهم الأميركية إلى أعلى مستوى له منذ عام 2013، وفقًا لمسح من "بنك أوف أميركا"، كما تعرضت الأسواق الناشئة مثل الصين والمكسيك، التي تُعتبر غالبًا الأكثر عرضة لسياسات ترامب التجارية، لضربة كبيرة.
ونقلت بلومبيرغ عن راجيف دي ميلو، المدير التنفيذي للاستثمار في شركة إدارة الأصول Gama Asset Management، قوله إن سياسات ترامب التي تركز أكثر على الداخل ستفيد الشركات الأميركية. وأضاف دي ميلو: "لقد قمنا بتقليل المخاطر قبل الانتخابات الأميركية، والآن حان الوقت لزيادة الانكشاف في المحافظ ولكن بالتحول إلى الاستثمارات التي ستستفيد من الخيارات السياسية المتوقعة لترامب".
ولم تنبئ تعاملات صباح الأربعاء في أسواق العالم، قبل افتتاح جلسة التداول في بورصة نيويورك، بتحسن الأوضاع، حيث انخفض مؤشر MSCI للأسهم الآسيوية بأكثر من 1%، ما مهد لجلسة ضعيفة في الأسواق الأوروبية، التي تتبع الآسيوية في أغلب الأحيان. وكانت الأسهم في كوريا الجنوبية تتجه نحو أدنى مستوى لها في عام، حيث باع الأجانب أسهما في شركات مثل سامسونغ للإلكترونيات التي تكون عادة في مرمى نيران السياسات الحمائية للدول الأخرى، ومنها السوق الأميركية. وفي الأثناء، واصل مؤشر بلومبيرغ للدولار ارتفاعه بعد وصوله إلى أعلى مستوى له منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022 في الجلسة السابقة.
ويتابع المستثمرون عن كثب تعيينات وزراء ترامب للحصول على دلائل عما إذا كان الخطاب الانتخابي للرئيس الجمهوري سيتحول إلى سياسات على أرض الواقع. وكان الرئيس المنتخب قد تعهد سابقًا بفرض تعريفات جمركية جديدة ضخمة، متطلعًا إلى فرض رسوم بنسبة 20% على جميع البضائع الأجنبية، و60% أو أكثر على تلك القادمة من الصين. وأعادت السياسات المقترحة إحياء مخاوف المستثمرين حول العالم من اشتعال حرب تجارية أخرى يمكن أن تعطل سلاسل التوريد العالمية، وتضر بالشركات التي تعتمد بشكل كبير على البيع في السوق الأميركية.
وتشمل مقترحات ترامب الأخرى الترحيل الجماعي للمهاجرين غير النظاميين وتخفيض الضرائب، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم، ويحد قدرة بنك الاحتياط الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة. ومع دعم هذه الاحتمالات للدولار وضغطها على عملات الأسواق الناشئة، تدخلت بعض البنوك المركزية، بما في ذلك بنك إندونيسيا والبنك المركزي البرازيلي في الأسواق الأسبوع الماضي لدعم عملاتها. أيضاً قام بنك الشعب الصيني بتحديد سعر الصرف المرجعي لليوان، والذي جاء أقوى من تقديرات السوق اليوم الأربعاء، في إشارة إلى عدم ارتياحه لضعف العملة في ظل تهديد رسوم ترامب الجمركية المنتظرة.
ولكن هذا لا يعني أنه لا توجد ملاذات أمان، حيث قام بعض مديري الأموال في شركات إدارة الأصول، ومنها Pictet Asset Management SA، بزيادة استثماراتهم في أسواق مثل الهند التي يُعتقد أنها ستكون أقل تأثرًا بسياسات ترامب. ويمكن أن تحفز الرسوم الجمركية المرتفعة على السلع الصينية تحول الاستثمارات بعيدًا عن ثاني أكبر اقتصاد في العالم باتجاه أسواق جنوب شرق آسيا، وفقًا لشركة إدارة الأصول كاسيكورن، رغم أنه حتى هذه اللحظة، تبدو الأصول الأميركية فائزًا واضحًا.