تسلم العاهل المغربي محمد السادس تقريرا يتضمن رؤية المملكة في الأعوام المقبلة، من أجل تجاوز أوجه القصور في السياسة الاقتصادية وتجاوز الظرف الاجتماعي الذي تجلى أكثر في ظل جائحة كورونا التي أفضت إلى انكماش الاقتصاد.
وتسلم محمد السادس التقرير من رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي شكيب بنموسي، الذي أشرف على مدى أكثر من عام ونصف على بلورة النموذج، حيث دعا اللجنة، اليوم الثلاثاء، لإجراء عملية واسعة لتقديم أعمالها، وشرح خلاصاتها وتوصياتها للمواطنين ومختلف الفاعلين، بكل جهات المملكة.
وحث الحكومةَ ومختلف الفاعلين والمؤسسات على تنفيذ توصيات التقرير، وترجمته إلى ميثاق وطني من أجل التنمية، داعيا، في الوقت نفسه، اللجنة إلى القيام بعملية شرح خلاصات التقرير وتوصياته.
وكان العاهل المغربي عيّن أعضاء اللجنة قبل نحو عام ونصف العام، حيث عهد لها ببلورة نموذج تنموي، يساهم في دفعة جديدة للاقتصاد ويساهم في تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية.
وحدد الملك للجنة التي تضم 35 عضوا مهمة ثلاثية: تقويمية واستباقية واستشرافية، مؤكدا على ضرورة الخروج بتوصيات للنموذج التنموي الجديد، واقتراح آليات التفعيل والتنفيذ والتتبع، وتحديد المقاربات الكفيلة بجعل المغاربة يتملكون النموذج.
وجاءت دعوة العاهل المغربي لبلورة نموذج تنموي جديد بعدما لاحظ أنه رغم الاستثمارات في البنية التحتية والإصلاحات التي انخرط فيها المغرب، إلا أن هناك مواطنين لا يلمسون آثار ذلك في الخدمات الأساسية والحد من الفوارق وتعزيز الطبقة المتوسطة.
وأكد أنه يفترض في اللجنة أن ذلك النموذج يجب أن يكون أساسا لعقد اجتماعي جديد، داعيا إلى الحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، مشددا على أن الفئات التي تعاني من صعوبة ظروف العيش تتواجد بالأرياف.
وشدد على تسهيل الولوج للخدمات الاجتماعية ومحاربة الفقر والهشاشة والاستفادة من الفرص التي يتيحها التكوين الفني، معتبرا في الوقت نفسه، أنه تجب صيانة مقومات الطبقة المتوسطة، عبر تحقيق مستويات عليا من النمو وخلق المزيد من الثروات وتحقيق العدالة في توزيعها.
ولم ينتظر المغرب عرض النموذج التنموي على العاهل اليوم، فقد بادرت الدولة إلى بلورة تصور للحماية الاجتماعية، حيث ينتظر أن يستفيد منها 22 مليوناً من السكان في أفق الأعوام الأربعة المقبلة.
واستطلعت اللجنة على مدى عام آراء الأحزاب والاتحادات العمالية والمؤسسات البحثية وجمعيات المجتمع المدني، حيث جرى التأكيد في مختلف المقترحات على ضرورة إحداث قطيعة مع اقتصاد الريع والامتيازات والحد من الفوارق الاجتماعية والمالية وتحسين أوضاع العمال والزيادة في الأجور و معاشات التقاعد، وتبني إصلاح ضريبي منصف، ونهج حكامة قائمة على الفعالية وتعزيز الخيار الديمقراطي وإعادة النظر في العمل الحزبي وفي المؤسسات، وإعادة النظر في السياسات العمومية في مجالات الشغل والصحة والتعليم.
وتجلت أهمية الانخراط في نموذج تنموي جديد خاصة مع الجائحة التي كشفت عن العديد من الاختلالات، ولا سيما على صعيد الخدمات الاجتماعية والحماية الاجتماعية، حيث اضطرت الدولة إلى توفير دعم لنحو 5.5 ملايين من الأسر التي تعيش من القطاع غير الرسمي.
لم يغب عن اللجنة الخاصة للنموذج التنموي المعطى الجديد المتمثل في الجائحة، التي جعلت التركيز أكثر ينصب في النقاش العمومي على مواضيع أضحت تحظى بالأولوية مثل التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، والبحث العلمي والصناعة الوطنية وأهمية دور الدولة.
غير أن الجائحة لم تفض فقط إلى إعادة طرح تلك المواضيع التي اعتبرت ذات أولوية، بل إن تساؤلات طرحت حول إمكان بناء نموذج تنموي في سياق متسم بعدم اليقين الذي كرس في ظل ضغط الظرفية وضرورة مواجهة تحديات الإنعاش الاقتصادي.
استحضرت اللجنة هذا المعطى الذي اعتبرته ظرفيا يفرض على الدول إجابات آنية، لكنه يستدعي مع ذلك نوعا من الرؤية المساعدة على التخطيط على المديين المتوسط والطويل، خاصة أن الجائحة رسخت بعض القناعات التي كانت لدى أعضائها قبل هذه الجائحة.
وسبق للجنة أن كشفت أنه على الصعيد الاقتصادي، رغم المكتسبات المحققة وجهود التنمية المحققة، إلا أنه يجب إصلاح بعض الاختلالات ومكامن الضعف، المتمثلة في نمو لا يخلق الشغل ويفاقم الفوارق، ومناخ أعمال يفضي إلى كبح المنافسة، ووجود جيوب فساد تحول دون تطور الاقتصاد، وضعف القوانين وضعف الابتكار والبحث والتطوير.
تلك عناصر تؤدي إلى ضعف تنافسية الاقتصاد، خاصة أن القطاع الخاص غير حاضر كفاية في الاستثمار ويتوجه، في غالب الأحيان، إلى أنشطة ريعية، تساعد على تحقيق ربح سريع ولا تقتضي جهوداً كبيرة.
وتجلى للجنة أن المغرب يجب أن يرفع تحدي تنويع الاقتصاد والتوجه نحو خلق الثروة وفرص العمل، ذلك يخلق تحديات من قبل توفير الآليات الداعمة للأنشطة التي تساهم في التحويل الهيكلي للاقتصاد الوطني والتي تسمح في توفير فرص العمل وتطوير المجالات الترابية.
وبعدما لاحظت اللجنة الدور الذي اضطلعت به الدولة في سياق الجائحة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، انكبت على التفكير في سبل دعم دور الدولة وتحسين فعاليتها، في الوقت نفسه، وانشغلت بتشجيع وتنظيم المنافسة في العديد من القطاعات بهدف جذب فاعلين وطنيين ودوليين.