تراجعت تربية الأغنام في شمال غربي سورية، وباتت تشكل عبئاً على المربين، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وغلاء الأعلاف وتقلص مساحات المراعي بسبب سيطرة قوات النظام على مساحات كبيرة في مطلع 2020، الأمر الذي أجبر مربي الأغنام على بيع قسم منها من أجل إطعام القسم الآخر، وفقد معظم مربي الأغنام أصولهم المنتجة نتيجة النزوح المتكرر.
ينتقل محمود العبد الله الذي هاجر مع أغنامه، من جنوب شرقي إدلب في أرياف الشمال السوري الخارجة عن سيطرة قوات النظام للبحث عن مراعٍ لأغنامه، إلا أنه يجد صعوبة في ذلك بسبب قلة المساحات وانتشار العمران واستخدام الأراضي البور في الإسكان.
أكد العبد الله لـ"العربي الجديد"، أنه يبيع خمسة رؤوس من الأغنام لشراء طن من الأعلاف لإطعام بقية الرؤوس، وكان تأخر هطول الأمطار هذا العام سبباً لغلاء الأعلاف.
تعتبر تربية الأغنام مهنة سائدة في المجتمعات الريفية في حلب وإدلب، كون المنطقة ذات طبيعة زراعية، وتساهم في تحقيق الأمن الغذائي لهذه المجتمعات، حيث يستفاد منها في منتجات اللحوم والحليب ومشتقاته، وتشكل مصدر دخل لكثير من الأسر السورية.
موجات النزوح
يرجع نقيب الأطباء البيطريين في منطقة إدلب، حسين بلان، سبب تراجع تربية الأغنام لعدة أمور، منها موجات النزوح المتكررة من مناطق جنوب وشرق إدلب، وقلة المساحات المزروعة وخصوصاً الشعير، وارتفاع أسعار الأعلاف واللقاحات التي يتم استيراد معظمها من تركيا عبر معبر باب الهوى الحدودي.
فيما أرجع مدير مشروع الثروة الحيوانية، السيد عبد الحي سرميني، في منظمة "وطن" العاملة في شمال غربي سورية سبب تراجع تربية الأغنام في شمال سورية، إلى تقلص المساحة الجغرافية لرعي الأغنام فيها بسبب سيطرة قوات النظام على مساحات جغرافية واسعة، إضافة إلى حالة الجفاف التي حدثت في الآونة الأخيرة، وغلاء الأعلاف المستوردة وقلة الأعلاف المحلية في مناطق شمال سورية، وغلاء الأدوية البيطرية.
ويرى سرميني، أن أبرز التحديات التي تواجه مربي الاغنام، هي تذبذب أسعار اللحوم والألبان والأجبان، مما ينعكس سلباً على الإنتاجية، وعدم توفر المراعي الخصبة وارتفاع أسعار الأدوية البيطرية.
فيما يقول الطبيب البيطري غسان بكرو لـ"العربي الجديد"، إن النزاع وخطورة الوضع الأمني أديا إلى سلخ منطقة البادية عن بقية المناطق ففقدت الثروة الحيوانية مصدراً أساسياً للمراعي في الشتاء والربيع.
كما أدى تهجير السكان بصورة قسرية مع ملكياتهم من الماشية إلى حرمان الأغنام من مراعٍ أخرى كانت تعتمد عليها، حسب بكرو.
ركود الأسواق
قبل 2011 مثلت المواشي ما بين 35% إلى 40% من الإنتاج الزراعي الكلي لسورية، مع اعتماد 35% من المنازل الريفية على تربية المواشي في معيشتها.
وحسب آخر الإحصائيات الرسمية في سورية عام 2010، وصلت أعداد الأغنام إلى 18 مليونًا، أما في إدلب فانخفضت أعداد الأغنام بنسبة 22%.
وتشهد أسواق الأغنام في شمال غربي سورية حالة من الركود، ويعود ذلك بحسب محمد الأحمد وهو مربي أغنام وتاجرها، إلى غلاء الأعلاف المستوردة وارتفاع تكلفة ضمان الأراضي الزراعية.
وأضاف الأحمد: "لكن نحن اليوم في فصل الشتاء ولا يوجد سوى العلف المستورد نقدمه للأغنام، الأمر الذي أجبر أغلب المربين على بيع أو تقليل عدد مواشيهم".
وأضاف الأحمد: "جميع الأعلاف والأدوية البيطرية تأتينا من تركيا التي تختلف عن المنتجات المحلية التي تتميز بجودة أكبر، كما أن الأسواق تشهد حالة من الجمود، فكثير من المربين يذهبون أكثر من مرة للسوق دون أن يبيعوا أي رأس".
وأشار الأحمد إلى أن الأسعار بدأت تهبط بعد قدوم أعداد كبيرة من المواشي من منبج والرقة وهي مناطق خاضعة لسيطرة قسد وبأسعار أقل عن طريق التهريب، وذلك بسبب الجفاف الذي أصاب البلاد في حين لم يرخص سعر لحم الخروف المعروض للبيع بسبب تكلفة إطعامه العالية من الأعلاف.
ولجأ مربو الماشية في المنطقة إلى أساليب عديدة لإطعام ماشيتهم، كرعي مخلفات الحصاد وضمان مراعٍ غنية ببقايا الخضار الصيفية.
وتعدّ البادية السورية مترامية الأطراف والممتدة من تخوم ريف دمشق حتى الحدود العراقية شرقاً، أحد أبرز المراعي الطبيعية في البلاد، وتوفر نسبة كبيرة من الحاجة العلفية للثروة الحيوانية.
وكانت توفّر قبل 2011 السلّة الغذائية للمواشي وتغني الرعاة عن شراء العلف الصناعي.