- الحكومة تعزز الاقتصاد بالدعم الاجتماعي وزيادة المعاشات التقاعدية وإعانات الرهن العقاري، مواجهةً لتأثير العقوبات الغربية بعد غزو أوكرانيا.
- تحديات مثل نقص العمالة بسبب التجنيد والتضخم المتزايد تؤثر على الاقتصاد، مع ضرورة تشديد السياسة النقدية والنظر في زيادة الضرائب لتعزيز الاقتصاد والتحكم في التضخم.
اعتباراً من غد الجمعة تخوض روسيا انتخاباتها مستفيدة من اقتصاد حرب قوي المؤشرات على مختلف المستويات المعيشية والنقدية رغم العقوبات الغربية المشددة عليها.
ورصدت وكالة بلومبيرغ الأميركية هذه المؤشرات في تقرير موسّع، أوردته اليوم الخميس، ملاحظة مؤشرات قوية في ما خص الأجور والبطالة والعملة، رغم ما يشكله عجز الموازنة وتناقص الاحتياطيات الأجنبية من تحديات طويلة المدى.
فبعد عامين من الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبح لدى كثيرين في روسيا من الأسباب ما يجعلهم يشعرون بأن اقتصاد الحرب يعمل بشكل جيد بالنسبة لهم، في انتكاسة للعقوبات الغربية التي كانت تهدف إلى تأليب الشعب ضد رئيس البلاد فلاديمير بوتين.
الأجور ارتفعت بقوة، كما تلاحظ الوكالة، مشيرة إلى استقرار الروبل، في حين بلغت معدلات الفقر والبطالة أدنى مستوياتها على الإطلاق. وبالنسبة لأصحاب الدخل الأدنى في البلاد - وهم دائرة انتخابية رئيسية للكرملين - ارتفعت الرواتب خلال الأرباع الثلاثة الماضية بوتيرة أسرع من أي شريحة أخرى في المجتمع، مسجلة معدل نمو سنوي ناهز 20%، حسبما تظهر بيانات دائرة الإحصاء الفيدرالية.
وقبل الانتخابات الرئاسية الروسية التي ستُجرى في الفترة من 15 إلى 17 مارس/ آذار الجاري، ومع تأكيد بوتين فوزه بولاية خامسة، فإنّ السخط العام بشأن الاقتصاد ليس سائداً في البلاد إلى حد كبير، وفق "بلومبيرغ".
ويشدد بوتين على نجاح أداء اقتصاد البلاد رغم أنّ الحرب خلفت مئات الآلاف من القتلى والجرحى، واستمرار التحديات طويلة المدى في التراكم، حيث لا يزال المسؤولون يتصارعون مع التضخم الذي يتقدم على هدفهم في الوقت الحالي.
في هذا الصدد، قالت الخبيرة الاقتصادية في "رينيسانس كابيتال" صوفيا دونيتس لوكالة بلومبيرغ، إنّ روسيا تقترب من الانتخابات "بحالة جيدة"، مشيرة إلى معنويات المستهلكين "المتفائلة للغاية" وتقييمات الوضع المالي الحالي والمستقبلي في الدراسات الاستقصائية، مضيفة: "إنهم يظهرون بالفعل مستوى لا يشبه الأزمة على الإطلاق".
وتشير "بلومبيرغ" إلى أنّ الحكومة الروسية تنفق الكثير على الدعم الاجتماعي للأسر، وزيادة المعاشات التقاعدية، وإعانات الرهن العقاري، وتعويضات أقارب من يخدمون في الجيش، وقد يصل ثمن الوعود التي بذلها بوتين قبل الانتخابات إلى عشرات المليارات من الدولارات على مدى السنوات الست المقبلة.
بالنسبة لأصحاب الدخل الأدنى في البلاد ارتفعت الرواتب خلال الأرباع الثلاثة الماضية بوتيرة أسرع من أي شريحة أخرى في المجتمع
ومع ذلك، تسببت حرب أوكرانيا في تفاقم النقص الحاد في العمالة، حيث أدى التجنيد العسكري إلى إخراج العمال من السوق، وقال بوتين الشهر الماضي إنّ أصحاب العمل لديهم عجز قدره 2.5 مليون شخص.
وقد أفاد ذلك المواطنين الروس العاديين الذين أصبحوا نتيجة لذلك يتمتعون بالأمان في وظائفهم على المدى القريب مع عزوف المديرين عن السماح لأي شخص بالرحيل. وفي حين أن معدل البطالة لا يزال عند أدنى مستوى تاريخي، فقد ارتفعت توقعات التوظيف إلى مستوى قياسي، وفقاً لتقارير من البنك المركزي الروسي.
لكن لا يزال التزايد السريع للأسعار يشكل مصدراً كبيراً ومستمراً للقلق الاقتصادي بالنسبة للكرملين، بما يؤدي إلى تآكل دخول الروس. وفي حين أن هذا لا يتلاشى، إلا أن الرواتب تتزايد بوتيرة أسرع، مدفوعة بالإنفاق الحكومي الضخم ونقص العمالة.
ووصل متوسط الأجر الشهري في عام 2023 إلى أكثر من 74 ألف روبل (814 دولاراً)، أي أعلى بنحو 30% مما كان عليه قبل عامين. فقبل العام الماضي، لم تشهد روسيا زيادة في الدخل الحقيقي المتاح لأكثر من 5% لسنوات عديدة.
وبالنسبة لعدد كبير من الروس، أصبحت الحرب فرصة للحراك الاجتماعي والاقتصادي الذي كان مستحيلاً في السابق. وقالت عالمة الاجتماع في مجموعة "سوشال فورسايت غروب" آنا كوليشوفا لـ"بلومبيرغ": "تمكن البعض من إطلاق مشروع تجاري جديد، وتلقى آخرون مدفوعات لأزواجهن وأبنائهن في الجبهة، وهو ما مكنهم أخيراً من شراء شقة أو سيارة أو الانتقال من قرية إلى مدينة".
لا يزال التزايد السريع للأسعار يشكل مصدراً كبيراً ومستمراً للقلق الاقتصادي بالنسبة للكرملين، بما يؤدي إلى تآكل دخول الروس
ويتباهى بوتين بأن العقوبات الدولية غير المسبوقة فشلت في إخراج الاقتصاد الروسي عن مساره، والذي توسّع بدلاً من ذلك، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ضخ أموال ضخمة من الميزانية والإنتاج العسكري والتجارة القياسية مع الصين.
ولدعم وجهة نظره، استشهد بوتين ببيانات تظهر أن روسيا اقتحمت أكبر 5 اقتصادات في العالم من حيث تعادل القوة الشرائية، بعدما تجاوزت ألمانيا.
وقد بدأ الاقتصاد هذا العام بزخم مماثل، فجاءت بيانات مبيعات التجزئة والأجور الحقيقية والإنتاج الصناعي لشهر يناير/ كانون الثاني الماضي، أفضل من توقعات السوق.
أما الوجه الآخر للعملة فهو أن ارتفاع الإنفاق الاجتماعي والحربي أدى إلى فجوة واسعة في الميزانية والتهديد بأن الاقتصاد المحموم بالفعل قد يستمر في دفع الأسعار إلى الارتفاع.
ولا يزال التضخم أعلى من الهدف الذي وضعه البنك المركزي الروسي، حتى بعد تشديد السياسة النقدية بشكل كبير، ما أدى إلى خنق النشاط الائتماني في البلاد. وتسارع نمو الأسعار السنوي في فبراير/ شباط إلى 7.7% من 7.4% في الشهر السابق، رغم الجهود المتشددة التي بذلها صناع السياسات.
يبقى التضخم أعلى من الهدف الذي وضعه البنك المركزي الروسي، حتى بعد تشديد السياسة النقدية بشكل كبير
وفي الوقت نفسه، بلغت فجوة الميزانية الفيدرالية لهذا العام 1.5 تريليون روبل بحلول نهاية فبراير، في حين خططت وزارة المالية لعجز قدره 1.6 تريليون روبل لعام 2024 بأكمله، وانخفضت احتياطيات صندوق الثروة الروسية المتاحة إلى النصف بالفعل.
والحكومة التي تعتبر بداية فترة رئاسية جديدة بمثابة فرصة سانحة لإصلاحات لا تحظى بشعبية، تدرس حالياً زيادة الضرائب على أصحاب الدخل المرتفع.
وترى دونيتس أنّ "قصة النجاح لعام 2023 هي قصة تعافي نمو سيكون من الصعب تكرارها"، مضيفة أنه هذا العام يجب أن يبدأ التحفيز المالي في التراجع لأن "الاحتياطيات التي كانت المصدر الرئيسي لها تم استخدامها بالفعل إلى حد كبير".
وانتهت إلى القول إنّ "الزيادات الضريبية أمر لا مفر منه، وهي زيادات كبيرة للغاية"، محذرة من أنّ "عدم اليقين يظل التحدي الأكبر الذي يواجه الاقتصاد الروسي، وقد يسبب لنا المزيد من الصداع".