تسعى إيطاليا لجذب صناديق الثروة السيادية من أجل الاستثمار في صندوق جديد، بهدف توفير الموارد للشركات العاملة في قطاعات ذات أهمية استراتيجية، لكن التجارب السابقة تشير إلى أن مسعاها قد لا يكلل بالنجاح.
كانت رويترز قد ذكرت في وقت سابق هذا الشهر أن رئيسة الوزراء جورجا ميلوني تعتزم ضخ ما يصل إلى مليار يورو (1.10 مليار دولار) من أموال الدولة في صندوق للشركات العاملة في قطاعات تشمل الطاقة وشراء المواد الخام.
ومن أجل تعزيز المشروع، قال مسؤول حكومي كبير لرويترز إن ميلوني ترغب في جذب استثمارات من قطر والإمارات وأذربيجان والنرويج. غير أن وزارة الصناعة لم تكشف حتى الآن سوى عن سعيها للحصول على استثمارات من السعودية.
ولم توضح الحكومة بعد حجم الأموال التي تتوقع جمعها من الصناديق السيادية.
وبموجب مشروع قانون من المتوقع إقراره بحلول نهاية العام، من المرجح أن تحتفظ وزارة الخزانة بحصة أقلية في الصندوق الجديد، والذي سيحظى أيضا بدعم من بنك "كاسا ديبوست أي بريستيتي الاستثماري" (دي.سي.بي) الحكومي.
وقال مسؤول حكومي آخر إن روما ستطرح استراتيجية شديدة التركيز لإقناع المستثمرين بوضع أموالهم في شركات محددة تعتبر استراتيجية، مع توزيع الأموال باعتدال بين الشركات.
ويشكك المحللون في فرص النجاح، مبررين ذلك بالبيروقراطية الإيطالية المعقدة والعقبات التشريعية.
وقال فابيو سكاكيافيلاني، الشريك في "نكستبيرينس" للاستشارات المالية، الذي عمل سابقا في الصندوق السيادي العُماني، "من الصعب إقناع المستثمرين الأجانب بالمراهنة على إيطاليا. يجب أن يكونوا مستعدين لمواجهة فوضى تشريعية ومالية وقضائية".
واستشهد على ذلك بمسعى شركة الاتحاد للطيران الإماراتية لإنقاذ شركة الطيران الرئيسية السابقة أليطاليا، والذي انتهى بالفشل في عام 2017 عندما اضطرت الحكومة إلى تعيين مفوضين خاصين لإدارة الشركة.
وتُظهر بيانات من مختبر الاستثمار السيادي بجامعة بوكوني في ميلانو أن تدفق الأموال من صناديق الثروة السيادية بالشرق الأوسط على إيطاليا بلغ ذروته في عام 2010 عند 2.3 مليار دولار من حيث أحجام الصفقات. ولكن هذه الصناديق استثمرت بالكاد مليار دولار في إيطاليا على مدار السنوات الخمس الماضية.
وفي عام 2021، لم يكن هناك أي استثمارات، وكان ذلك على الأرجح بمثابة رد من الخليج على الحظر الذي فرضه رئيس الوزراء آنذاك جوزيبي كونتي على مبيعات الأسلحة إلى الإمارات بسبب دورها في الحرب في اليمن.
وسعت ميلوني منذ توليها المنصب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى توثيق العلاقات مع الخليج، في تجاهل لمخاوف الحكومات السابقة بشأن حقوق الإنسان في المنطقة. وزارت ميلوني الإمارات في مارس/آذار ورفعت بعد ذلك الحظر المفروض على مبيعات الأسلحة.
وتستلهم الخطة الإيطالية مبادرة أُعلن عنها هذا الشهر في فرنسا، حيث ستطلق شركة الاستثمار المباشر "انفرافيا كابيتال بارتنرز" صندوقا قيمته ملياري يورو لمشاريع المواد الخام الضرورية، وستمول باريس ربع قيمة الصندوق.
ويقترح مشروع القانون الإيطالي أن تستثمر وزارة الخزانة في "الشركات الوطنية الواعدة"، من خلال الأدوات المالية أو صناديق الاستثمار التي يروجها بنك "كاسا ديبوست أي بريستيتي".
وأظهرت مسودة اطلعت عليها رويترز أن روما ستعمل وفقا "لشروط السوق" لتجنب مخالفة قواعد الاتحاد الأوروبي التي تمنع المساعدات الحكومية.
وتسلط محاولة حديثة لمساعدة الصناعات الاستراتيجية الضوء على صعوبة إنشاء مثل هذه الصناديق.
وتم إطلاق ما يسمى "باتريمونيو ريلانشو"، أو إعادة إطلاق التراث، في عام 2021 لدعم الشركات المتضررة من الجائحة. وكان القصد منه في الأصل توفير تمويل بحوالي 40 مليار يورو، لكنه لم يتمكن حتى الآن سوى من استثمار ما يزيد قليلا عن مليار يورو.
وقال مسؤول حكومي إن الاتحاد الأوروبي وضع معايير صارمة للغاية لمثل هذه الصناديق، وإن الطلب لم يكن كبيرا على المشروع، إذ أن الشركات المؤهلة فضلت في نهاية المطاف استثمار أموالها هي بدلا من دخول الدولة كشريك مساهم أو دائن.
ويعد الاقتصاد الإيطالي ثالث أكبر اقتصاد وطني في الاتحاد الأوروبي، والثامن على مستوى العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي. وشاركت إيطاليا في تأسيس الاتحاد الأوروبي، ومنطقة اليورو، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومجموعة الدول السبع، ومجموعة العشرين، كما أنها ثامن أكبر مصدر في العالم، حيث صدرت ما بلغت قيمته 611 مليار دولار في عام 2021.
لكن اقتصاد البلاد تعرض لضغوط كبيرة بالتزامن مع الغزو الروسي لأوكرانيا، وفرض عقوبات غربية ضخمة على موسكو، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، التي تستورد إيطاليا أغلبها من الخارج.
(رويترز، العربي الجديد)