سكان غزة بدون بنوك وصرافة منذ 381 يوماً... جيوب فارغة وبطون جائعة

22 أكتوبر 2024
أوراق نقدية في سوق بدير البلح وسط تفاقم أزمة السيولة (حسن جدي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه الفلسطينيون في غزة أزمة سيولة حادة بسبب إغلاق البنوك ونقاط الصرافة، مما أدى إلى فرض نسب فائدة مرتفعة على صرف المستحقات والودائع.
- تسببت الحرب والحصار في تآكل المدخرات وزيادة الأعباء المالية، حيث يضطر السكان لدفع فائدة تصل إلى 22%، مما يزيد من معاناتهم في ظل ارتفاع الأسعار وفقدان الدخل.
- يعاني السكان من صعوبة الحصول على المساعدات المالية بسبب استغلال التجار لحاجتهم، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية والاقتصادية.

يواجه الفلسطينيون في قطاع غزة منذ بدء الحرب الإسرائيلية قبل أكثر من عام تحدياً قاسياً يتمثل في شح السيولة النقدية في ظل إغلاق البنوك وغياب مكاتب ونقاط الصرافة، ما تسبب بفتح الباب واسعا أمام استغلال الحاجة الماسة للسيولة النقدية من خلال مضاعفة نسب الفائدة الخاصة لتوفير المستحقات والودائع والمبالغ المراد صرفها.

الأزمة بدأت منذ اليوم الأول لاندلاع شرارة الحرب، والتي فرض على أثرها حصار مشدد عبر إغلاق المعابر ومنع دخول البضائع والمواد الأساسية، إلى جانب منع دخول السيولة ما تسبب بشح كبير علاوة على اهتراء العملات الورقية من جراء الاستخدام المتكرر ضمن دائرة مغلقة دون تجديدها أو استبدالها بأخرى جديدة.

وفي الوقت الذي يواجه فيه سكان غزة مجاعة تتسع تحت وطأة العدوان الإسرائيلي منذ 381 يوماً، يجدون جيوبهم فارغة من النقود وغير قادرين على صرف مستحقاتهم في البنوك أو المساعدات المالية إلا بعد دفع ربع مستحقاتهم ما يفاقم من أزماتهم المعيشية.
وأكدت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو"، يوم 16 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري أن أزمة الغذاء في قطاع غزة الذي تشن عليه إسرائيل حرب إبادة جماعية هي "الأسوأ" في تاريخ تقارير المنظمة.
وكان برنامج الأغذية العالمي قال في تقرير سابق، إن "نصف مليون شخص في قطاع غزة يواجهون مستويات كارثية من الجوع". وأضاف البرنامج الأممي أن "العائلات الفلسطينية بغزة لا تحصل في أغلب الأحيان على الحصص الغذائية الكاملة وبشكل مستمر".
 

الإغلاق التام للبنوك والصرافات

وتسبب الإغلاق التام للبنوك ومكاتب الصرافة المعتمدة بسبب الاستهداف الإسرائيلي المباشر أو حالة الخطر العام والتهديد المتواصل بالإخلاء في دفع بعض الصرافين وأصحاب رؤوس الأموال لتصدّر المشهد عبر توفير السيولة مقابل نسب فائدة متصاعدة بدأت منذ الأسابيع الأولى للعدوان بـ 3 أو 4% فيما وصلت من جراء طول أمد الحرب وتفاقم تداعياتها الاقتصادية إلى ما بين 20 و25%.

وأضيفت إلى الأزمة الحادة في السيولة أزمة إضافية تتمثل في تضاعف نسب الصرف في أكواد المؤسسات الإغاثية، كذلك في التطبيقات البنكية والتي كانت تتراوح بين 13 و15% لتصل إلى قرابة 22% وأكثر، مع اشتراط صرف أوراق نقدية مهترئة ضمن المبلغ المراد صرفه، الأمر الذي يخلق أزمة جديدة تتمثل في عدم المقدرة على تصريف تلك الأوراق في السوق، من جراء رفض التجار والباعة استلامها لعدم مقدرتهم على تصريفها واستبدالها نتيجة إغلاق البنوك.
وتتسبب نسب الفائدة المرتفعة في صرف المبالغ المستحقة بخلق حالة من الضيق بين المواطنين، حيث تنهش مبالغهم ورواتبهم ومدخراتهم المتواضعة، بالتزامن مع الغلاء الجنوني في الأسعار التي تنهش بقية المبلغ من جراء تضاعفها عشرات المرات عن السابق، في الوقت الذي تتضاعف فيه نسب الفقر والبطالة من جراء تواصل العدوان وخسارة الفلسطينيين مصادر دخلهم الدائمة والمؤقتة.

تآكل المدخرات في غزة

ويواجه الفلسطيني أسعد المنيراوي العديد من الصعوبات منذ اليوم الأول لنزوحه بفعل المصاريف الزائدة من جراء التنقل المتكرر والاضطرار إلى شراء العديد من المتطلبات الأساسية التي تعين أسرته على قضاء مهامها اليومية داخل أحد مراكز اللجوء.
ويلفت المنيراوي في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أنه فقد مصدر دخله بعد تدمير الاحتلال مشروعه الخاص بالأجهزة الكهربائية، فيما بدأ بالصرف من مدخراته التي شارفت على النفاد بفعل نسب الفائدة المرتفعة، والتي تتضاعف يوما بعد آخر بسبب شح السيولة، واستغلال أصحاب رؤوس الأموال حاجة الناس الملحة لصرف أموالهم.
ويشير المنيراوي إلى أنه لم يتخيل لحظة إيداع نقوده في حساب التوفير الخاص به في أحد فروع البنوك الكبرى أنه سيفقد نحو ربع المبلغ لحظة التفكير في استرداده، حيث وصلت نسبة الفائدة الخاصة بالصرف إلى ما يزيد عن 22%، علاوة على اشتراط معظم نقاط الصرف الحصول على عملات ورقية مهترئة ضمن عملية الصرف.
 

المساعدات المالية

أما الفلسطيني جهاد البرنية، فيقول لـ"العربي الجديد" إنه لم يتمكن من صرف الكود الخاص به (مساعدات مالية بأكواد رقمية) والذي وصله عبر رسالة من إحدى المؤسسات الدولية، ما اضطره إلى التعامل مع الآلية القاسية المتبعة منذ بدء العدوان، وهي صرف المبالغ والأكواد ومختلف أنواع عمليات التسييل مقابل نسب فائدة مرتفعة.

ويلفت البرنية إلى تصاعد نسبة الصرف والفائدة كلما تعقدت الظروف الميدانية أو تدهورت الأوضاع الاقتصادية، وذلك بسبب استغلال التجار وأصحاب نقاط الصرف حاجة الناس الماسة للنقود التي تعينهم على النزوح والتحرك من منطقة إلى أخرى، أو شراء الخيام ولوازم التغطية أو توفير المتطلبات الأساسية كالماء والغذاء وقد تضاعفت أسعارها مرات عديدة.
ويبين البرنية صعوبة الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي يمر بها أهالي قطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي بسبب فقدان مصادر دخلهم ونفاد أموالهم التي استنزفها طول أمد العدوان وتأثيراته الصعبة، إلى جانب نسب الصرف المرتفعة والارتفاع الجنوني في أسعار مختلف المتطلبات الأساسية للعوائل الغزية.
الفلسطيني سليمان جنينة وهو صاحب نقطة صرف متنقلة داخل سوق دير البلح وسط قطاع غزة يرجع سبب الاختلاف الدائم في نسب الفائدة إلى التسعيرة التي يفرضها أصحاب رؤوس الأموال والتجار، والتي تحتكم إلى مدى حاجة السوق للسيولة النقدية ونسبة توافرها.
ويبين جنينة لـ "العربي الجديد" أنه يحصل على مقابل مادي لا يتجاوز نسبة 1 أو 2% من المبالغ المصروفة للمواطنين، حيث تزيد نسبة الفائدة عليه من المصدر كما تزيد على الزبائن بالتالي، فيما يعتمد على عمله لتوفير الدخل الذي يعينه على قضاء حوائج أسرته النازحة.
ويشير جنينة إلى قساوة نسب الفائدة على الفلسطينيين الذين يعانون من مختلف فصول وتداعيات العدوان الإسرائيلي كما يعانون من تضاعف الأسعار وشح البضائع وحالة الغلاء المستفحلة، إلا أن النسب المرتفعة باتت الوسيلة الوحيدة لصرف الأموال والأرصدة والمستحقات للمواطنين الفلسطينيين في ظل انعدام البدائل، وحاجتهم الملحة لتوفير متطلباتهم اليومية.

المساهمون