شبح إغلاق الحدود يخيف أسواق لبنان: قلق من عرقلة الاستيراد

17 أكتوبر 2024
مواطن يمشي بين أنقاض سوق دمّره الاحتلال في النبطية، جنوبي لبنان (عباس فقيه/فرانس برس)
+ الخط -

يعيش اللبنانيون في ظل أجواء من القلق والترقب، مع تصاعد المخاوف من إغلاق الحدود، وتوقف عمليات الاستيراد، نتيجة العدوان الإسرائيلي.

ونظراً لاعتماد لبنان، بشكل شبه كامل، على استيراد المواد الأساسية، مثل الغذاء والدواء والوقود، فإن أي تعطل في سلاسل التوريد يهدد بتفاقم الأزمة المعيشية.

وفي ظل ضعف الإنتاج المحلي، يخشى اللبنانيون من شح السلع الأساسية، وارتفاع الأسعار أكثر، مما يعزز احتمالات دخول البلاد في موجة تضخم غير مسبوقة.
ومع استمرار تدهور الليرة اللبنانية، وغياب الاستقرار المالي، تزداد المخاوف من أن يؤدي انقطاع الاستيراد إلى شلل اقتصادي كامل، خاصة أنّ معظم التعاملات التجارية تعتمد على الدولار.
وقال رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي، لـ"العربي الجديد" إن استيراد المواد الغذائية لا يزال مستمراً عبر مرفأ بيروت ومطار رفيق الحريري الدولي، مما يعني أن المخزون الحالي من المواد الغذائية في لبنان يكفي لأكثر من شهرين. وأكد بحصلي أن هذا الوضع سيستمر طالما أن المرفأ والمطار يعملان بشكل طبيعي، مشيراً إلى أن الشحنات والبواخر تصل إلى لبنان بانتظام.

وأوضح أن معبر المصنع مُغلق بسبب القصف الإسرائيلي بهدف قطع الطريق، لكن هناك معابر أخرى لا تزال مفتوحة ويمكنها تلبية الاحتياجات.

وأكد أن "التهويل وإثارة الذعر بين الناس غير ضروري في الوقت الحالي"، إذ ما زالت المعابر الأخرى تعمل، ويمكن تحويل الشحنات عبر معابر شرعية أخرى بين لبنان وسوريا، مؤكداً أهمية معبر المصنع الحدودي.

وفي حديثه عن مرفأ بيروت، أشار بحصلي إلى أنه في حال إغلاقه، يبقى مرفأ طرابلس جاهزاً للعمل. وأوضح أنه حتى الآن، لم تُسجَّل أي تراجعات في الإيرادات بالدولار، وأن العمليات التجارية، بما في ذلك التحويلات المالية والاستيراد والتصدير، مستمرة كالمعتاد رغم الأوضاع الأمنية.
وشدد بحصلي على أن الاستيراد لا يتأثر خلال 24 ساعة فقط، فالبضائع التي تصل اليوم كانت قد طُلبت قبل شهرين. كما أشار إلى صعوبة التنبؤ بالمستقبل القريب، إذ قد تتغير الأوضاع في أي لحظة.
 

وتيرة العمل في مرفأ بيروت

من جانبه، أفاد رئيس مجلس الإدارة ومدير عام مرفأ بيروت عمر عيتاني، لـ"العربي الجديد" بأن وتيرة العمل في مرفأ بيروت شبه طبيعية، "وقد بدأنا بتسريع عمليات إخراج السلع والبضائع من المرفأ، بالتعاون مع الجهات المعنية، وبتشديد أمني من قبل الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها الجيش اللبناني. ولا بد من الإشارة إلى ارتفاع تصنيف مرفأ بيروت الأمني عالمياً، وذلك بفضل الإجراءات المشددة التي تعتمدها الأجهزة الأمنية والجيش".
وأوضح أن حركة المرفأ تأثرت بشكل عام بأزمة البحر الأحمر، وهذا التأثير انسحب على المنطقة بشكل عام. وبالإمكان الإشارة إلى تراجع بنسبة 35% إلى 40%.
وأشار إلى وجود خلية أزمة عقدت اجتماعاً في هذا الإطار مع الجهات المعنية، لتسهيل عمليات إخراج البضائع دائماً بالتنسيق مع الوزارات المعنية، "وحتى اليوم، نحن قادرون على تلبية كل الخدمات والاحتياجات".
وفي ما يخص خطة الطوارئ، قال: "هناك خطة طوارئ وضعتها الحكومة اللبنانية في حال حصل أمر طارئ، إلا أن التعامل بالخطة سيكون وفقاً لحجم الحدث". كما أكد وجود خطة لإجلاء الموظفين في حال حدوث أي طارئ لضمان سلامتهم، بالإضافة إلى خطة تعاون بين باقي المرافئ.
أما الخبير في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية والاقتصاد، علي حمود، فأشار في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إلى أن 90% من واردات لبنان تأتي من الخارج، وهو ما يشمل العديد من القطاعات التي تملك حالياً احتياطياً يكفي لثلاثة أشهر، وخاصة المواد الغذائية والأدوية والفيول المستخدم لتشغيل المعامل والمستشفيات والإدارات الأساسية، سواء بحراً أو جواً.
وأوضح حمود أنه بعد مرور ثلاثة أشهر، قد يواجه لبنان أزمة في حال فرض الحصار، وعدم لجوء المواطنين إلى تخزين المواد الأساسية، لكنه أشار إلى أن التخزين قد يكون تحدياً كبيراً، خاصة مع وجود أكثر من مليون نازح في لبنان، في ظل الفقر المستشري، مما يعني أنهم لن يتمكنوا من التخزين، وسيلجؤون إلى شراء احتياجاتهم بشكل يومي أو أسبوعي.
وأضاف أن فرض الحصار قد يؤدي إلى أزمة في سعر صرف الليرة، نظراً إلى أن معظم المواد الأساسية يجري استيرادها بالدولار، مما سيزيد الضغط على الدولار، ويستنزف ما تبقى من احتياطات مصرف لبنان، التي تقدر بحوالي 7% فقط، أي ما يعادل ملياري دولار. وأشار إلى أن المصرف قد يضطر إلى استخدام هذا الاحتياطي في الحالات الطارئة، ما لم تتدخل الجهات الدولية بتقديم مساعدات للحفاظ على استقرار العملة الوطنية.
وتابع حمود قائلاً: "اللبنانيون يعانون حالياً من أزمة اقتصادية خانقة، إضافة إلى انهيار القطاع المصرفي، وتدهور قيمة العملة الوطنية"، محذراً من أن استمرار الحرب الإسرائيلية سيضع البلاد أمام أزمة حقيقية.
كما شدد على أن جميع القطاعات في لبنان تعاني بالتوازي مع هروب المستثمرين إلى دول أكثر استقراراً، وخروج ما تبقى من الأموال بالدولار من المصارف.

ولفت إلى أن استمرار الحرب وتوسع الحصار، ليشمل الجوانب البحرية والجوية والبرية، بالإضافة إلى تراجع تحويلات المغتربين، وغياب التعاملات بالعملات الأجنبية، سيؤدي إلى تسارع الانهيار الاقتصادي.
وفي سياق الحديث عن المخاطر الاقتصادية الإقليمية، أشار حمود إلى أن إنشاء الممر الهندي نحو البحر العربي، وصولاً إلى ميناء حيفا، يهدف إلى فرض سيطرة اقتصادية على الشرق الأوسط، مضيفاً أن من يسيطر على الشرق الأوسط يسيطر على العالم.
وختم قائلاً إن الدولة اللبنانية فشلت منذ عام 2019 في إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية، ولم تتمكن من إعادة هيكلة الودائع، أو تنفيذ إصلاحات اقتصادية للحصول على مساعدات من صندوق النقد الدولي.
 

تعطّل طلبيات المصانع في لبنان

وفي سياق متصل، أفادت الخبيرة الاقتصادية، محاسن الحلبي، بأن السفن لا تزال تصل إلى مرفأ بيروت حتى اللحظة، رغم خضوعها للتفتيش، مؤكدة أنه لم يصدر أي قرار دولي بفرض حصار اقتصادي على لبنان. وأوضحت أن عمليات الاستيراد والتصدير عبر البحر تسير بشكل جيد، في حين تواجه التجارة البرية صعوبات بسبب إغلاق معبر المصنع الحدودي.
وأضافت الحلبي أن الأزمة الحالية في لبنان لا ترتبط فقط بإغلاق الحدود، بل تتفاقم نتيجة الأضرار التي لحقت بالمصانع، مما أدى إلى تعطّل تسليم الطلبيات. كما أشارت إلى أن الأضرار والخسائر في القطاعات المختلفة تُقدَّر مبدئياً بنحو 10 مليارات دولار، حيث تتركز الخسائر الكبرى في القطاع الزراعي.
وأوضحت أن إيرادات الاستيراد والتصدير في لبنان تصل إلى نحو 3 مليارات دولار سنوياً، لكن الاعتماد الأساسي للاقتصاد اللبناني لم يكن على التصدير، بل على تحويلات المغتربين والموسم السياحي. وأكدت أن استمرار الحرب قد لا يؤدي إلى انخفاض كبير في الصادرات، لكنه سيؤثر بالاستيراد، خاصة فيما يتعلق بالكماليات، حيث انخفض الطلب عليها منذ بدء العدوان الإسرائيلي، واقتصرت مشتريات الناس على الحاجات الأساسية.
وأشارت الحلبي إلى أن ميزان المدفوعات اللبناني يعاني من عجز مستمر منذ 13 عاماً، باستثناء عام 2016، الذي شهد فائضاً بقيمة 2.2 مليار دولار نتيجة الهندسة المالية. وذكرت أن الفصل الأول من العام الحالي سجل فائضاً أولياً قدره حوالي 442 مليون دولار، مقارنة بـ470 مليون دولار في الفترة نفسها من عام 2023. كما توقعت أن يصل ميزان المدفوعات بحلول نهاية العام إلى 1.1 مليار دولار، لكن الحرب قد تعطل هذه التوقعات.
وأكدت الحلبي أن الاقتصاد اللبناني يعتمد حالياً بشكل أساسي على تحويلات المغتربين والموسم السياحي، حيث يدخل الأخير ما لا يقل عن 4 مليارات دولار سنوياً، كما أشارت إلى أن المصرف المركزي نجح في زيادة التوظيفات إلى ملياري دولار، محققاً تحولاً من وفرة في الليرة اللبنانية إلى كتلة نقدية لا تتجاوز 53 ألف مليار ليرة.
وفي هذا السياق، أكدت الحلبي أن مصرف لبنان امتنع عن إقراض الدولة اللبنانية، منسقاً أعماله وفق أحكام المادة 70 من قانون النقد والتسليف، التي تلزمه بحماية القطاع المصرفي والاقتصاد الوطني.
وأشارت إلى أنه لا يمكن إحصاء الأضرار والخسائر بدقة، لكن نحن نتحدث عن تقديرات أولية تصل إلى 10 مليارات دولار، والجزء الأساسي منها في القطاع الزراعي.

المساهمون