تعمل السياسات الحكومية لمكافحة تغير المناخ على تثبيط شركات النفط عن الاستثمار بكثافة في الإنتاج الجديد حتى مع تحقيق أرباح قياسية، وهي ديناميكية يمكن أن تؤدي إلى قلة الإمدادات وارتفاع الأسعار مع سعي بدائل الطاقة النظيفة إلى ملء الفراغ.
في هذه الأثناء، ارتفع سعر برميل النفط الخام فوق 90 دولاراً، فيما يتوقع بعض المحللين أن يرتفع إلى ما فوق 100 دولار بحلول نهاية العام. لكن بدلاً من إنفاق مبالغ كبيرة لتعزيز الإنتاج، تعمل الشركات على زيادة توزيعات الأرباح أو إعادة شراء الأسهم لمكافأة المستثمرين.
وتقول الجماعات البيئية إن تباطؤ نمو الإنتاج يمكن أن يسرع الانتقال إلى الطاقة المتجددة والحد من انبعاثات الكربون. ومع ذلك، فإن نقص الاستثمار في الحفر يمكن أن يؤدي إلى تفاقم نقص الطاقة في البلدان الفقيرة وزيادة التضخم، كما حذر المسؤولون التنفيذيون في الشركة في مؤتمر النفط العالمي في كالغاري هذا الأسبوع.
الرئيس التنفيذي لشركة "إكسون موبيل" دارين وودز قال: "إذا لم نحافظ على مستوى معين من الاستثمار في الصناعة، فسوف ينتهي الأمر إلى نقص العرض، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار". وقال إن احتياطيات النفط والغاز تنضب بنسبة 5 إلى 7% سنوياً، وسيتراجع الإنتاج إذا توقفت الشركات عن الاستثمار لاستبدالها.
أما الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو" أمين الناصر فقال: "أوجه القصور الحالية في المرحلة الانتقالية تسبب بالفعل ارتباكاً كبيراً في الصناعات التي تنتج الطاقة أو تعتمد عليها. إن المخططين والمستثمرين على المدى الطويل لا يعرفون إلى أي طريق يتجهون".
ومن المتوقع أن تصل الاستثمارات العالمية في مجال المنبع إلى 579 مليار دولار في العام 2023، وهي زيادة متواضعة عن المتوسط السنوي البالغ 521 مليار دولار بين عامي 2015 و2022، وفقاً لشركة "ريستاد إنرجي" الاستشارية. وشملت تلك الفترة انهيار أسعار النفط في الفترة 2014-2015 وجائحة كورونا، علماً أن استثمارات النفط والغاز بلغت ذروتها في العام 2014 عند 887 مليار دولار.
في هذا الإطار، يقول نائب الرئيس الأول لأبحاث المنبع في شركة "ريستاد" أديتيا رافي إن الاستثمار يبدو "سطحياً" خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة، وقد يبدأ في الانخفاض عام 2026، حيث بدأ اعتماد السيارات الكهربائية وسياسات الانبعاثات الحكومية في تسطيح الطلب على النفط.
وحذرت وكالة الطاقة الدولية، الأسبوع الماضي، من أن الطلب على النفط سيصل إلى ذروته بحلول عام 2030.
بدوره، قال الرئيس التنفيذي لشركة الإنتاج الكندية "سينوفوس إنرجي" أليكس بوربايكس إن عدم اليقين بشأن سياسة الحكومة هو عامل أكبر يقيد الاستثمار.
وقال بورباي في مقابلة: "إذا كنت تريد إضافة 100 ألف برميل يوميا إلى الإنتاج، فسوف تنفق مليارات ومليارات الدولارات. في ما يتعلق بأي استثمار حقيقي ذي معنى في المشاريع الكبيرة، فمن المحتمل أن ينتظر المزيد من الوضوح على الجبهة الحكومية".
ولم تضع الحكومة الكندية اللمسات النهائية على الدعم المقدم لمشاريع احتجاز الانبعاثات وعزلها، وتعمل على وضع حد أقصى لانبعاثات النفط والغاز.
كما اعتمد كبار المستهلكين، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، سياسات طموحة لتسريع التحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر طاقة أنظف في سعيهم للوفاء بتعهدات خفض الانبعاثات التي تم التعهد بها بموجب اتفاق باريس، وهو اتفاق عالمي لمكافحة تغير المناخ.
وذكرت شركة "ديلويت" في الآونة الأخيرة أن المستثمرين الذين يمتلكون 2.3 تريليون دولار من الأسهم في صناعة النفط والغاز العالمية يغيرون التوقعات بشأن أسواق نمو الطاقة بشكل أسرع من المسؤولين التنفيذيين في الشركة.
على سبيل المثال، أكد حوالي 43% من المستثمرين الذين شملهم الاستطلاع أن تخزين البطاريات هو المجال الرئيسي للاستثمار.
ومنهم المدير التنفيذي لمعهد بيمبينا لأبحاث المناخ كريس سيفرسون بيكر، الذي قال إنه من المشجع أن شركات النفط تكبح جماح الإنفاق على النمو لأنه ينبغي لها الحد من الانبعاثات، لكن التحوّل إلى الطاقة ذات الانبعاثات المنخفضة يسير ببطء شديد، مضيفاً: "سنصل إلى نقطة معينة في هذا العقد حيث سيبدأ اعتماد الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية والمضخات الحرارية في تآكل الطلب باستمرار".
أما الأمين العام لمنظمة منتجي النفط الأفريقية عمر فاروق إبراهيم فقال إن السياسات التي تثبط الاستثمار تضر الدول الفقيرة أكثر من غيرها، متابعاً: "إننا نتعرض للترهيب حتى نهرب من الاستثمار في الوقود الأحفوري".
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو ملياري شخص سيظلون يعتمدون على أنواع الوقود غير الآمنة والملوثة لأغراض الطهي بحلول عام 2030، بانخفاض عن 2.3 مليار حالياً.
ولا تخفض جميع شركات النفط الإنفاق على الإنتاج. إذ تخطط شركة "أويل إنديا" المملوكة للدولة لزيادة الإنفاق على التنقيب داخل الهند، التي تعتمد على واردات النفط، من مليار دولار هذا العام إلى 10 مليارات دولار في 5 سنوات.
وقال العضو المنتدب رانجيت راث: "ليس لدينا خيار. الاستثمار حاجة. إذا لم تستثمر بالسعر الحالي، فسوف تفوتك الحافلة"، معتبراً أن زيادة إنتاج النفط يمكن أن توفر الإيرادات لتحقيق أهداف صافي الصفر.
وتهدف شركة "بتروبراس" البرازيلية لإنتاج النفط المملوكة للدولة إلى زيادة حصتها التشغيلية من الإنتاج بنسبة 18% إلى 3.2 ملايين برميل من المكافئ النفطي يومياً في العام 2032، من 2.7 مليون برميل يومياً هذا العام.
كبير مسؤولي التكنولوجيا الهندسية والابتكار في "بتروبراس" كارلوس ترافاسوس قال إن الشركة ستتحرك بشكل أسرع لولا وجود مشكلات في تأمين المعدات اللازمة لبناء سفن تخزين الإنتاج العائمة وتفريغ الحمولة.
هنا يشير أستاذ التمويل المستدام والانتقالي في جامعة كالغاري إيرجو كوسكينن إلى أن التركيز على عوائد المساهمين يشير إلى أن شركات النفط تعمل على أفق زمني قصير بدلا من التطلع إلى النمو المستقبلي، وانتهى إلى القول "إنهم يزعمون أن النفط والغاز سيظلان موجودين لعقود من الزمن".
(رويترز، العربي الجديد)