بدأت آثار الغزو الروسي لأوكرانيا تتجلى تباعاً في الأسواق التركية، بعد امتصاص المخاوف والتطمينات الحكومية على مدى الأيام الخمسة السابقة، لتظهر في مطلع تداولات الأسبوع على سعر صرف العملة التركية التي تراجعت عن سعر أمس البالغ 13.7 ليرة مقابل الدولار، ليسجل الدولار بتعاملات اليوم الإثنين، حين افتتحت التعاملات، 14.05 ليرة، ويقفز سعر اليورو إلى 15.82 ليرة تركية. وبالمقابل، يسجل سعر غرام الذهب عيار 24 قيراطاً 865 ليرة.
ويرى الاقتصادي التركي خليل أوزون أن "التراجع الطفيف بسعر الليرة أمر عادي ومتوقع، فجيران تركيا وأهم شركائها يعيشون حالة حرب مرشحة للتصعيد والاتساع، وهذه الحرب أثرت على سياحة تركيا وصادراتها، فضلاً عن شل حركة الطيران باتجاه الدولتين المتحاربتين".
وتوقع أوزون "المزيد من الآثار على الاقتصاد التركي إذا ما طال أمد الحرب أو دخلت أطراف دولية عليها".
ارتفاع أسعار الطاقة
ويشير الاقتصادي التركي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "ارتفاع أسعار المشتقات النفطية سيكون أكبر الآثار، نظراً لأنه سينعكس على رفع أسعار المستهلكين والنقل، وينعكس بالتالي سلباً على سعر صرف الليرة".
وأضاف أن "تركيا تستورد أكثر من 95% من استهلاكها من النفط والغاز من الخارج، وأكثره من روسيا، ما يعني ارتفاع فاتورة استيراد الطاقة التي كانت تقدر بنحو 43 مليار دولار، بعد ارتفاع أسعار الغاز بنحو ستة أضعاف وتخطي سعر برميل النفط 105 دولارات".
وكانت نقابة أصحاب محطات التزود بالطاقة والمواد البترولية والغاز (EPGİS)، قد رفعت، أول من أمس، أسعار البنزين والمازوت بنسبة هي الأعلى منذ أعوام، حيت تم رفع سعر ليتر البنزين بنحو 1.61 ليرة تركية، ليصل سعر الليتر بالعاصمة أنقرة إلى 16.85 ليرة، ووصل سعر ليتر المازوت إلى 17 ليرة بعد رفعه بنحو 1.51 ليرة تركية.
وتتزايد التوقعات بخسائر ستلحق بالاقتصاد التركي جراء ارتفاع سعر برميل النفط إلى أكثر من 105 دولارات، بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وزيادة العقوبات والاصطفافات الدولية. فتركيا التي تستورد نحو 360 مليون برميل سنوياً، سيرفع فارق الأسعار فاتورة الطاقة عليها، وقد لا تسعفها كثيراً العقود الآجلة بأسعار سابقة وتفضيلية.
الأمر الذي انعكس سلباً على القطاعات الإنتاجية، فضلاً عن المستهلكين، ما ينذر بزيادة الأسعار التي سترفع من نسبة التضخم، بعدما سجلت تركيا أعلى نسبة تضخم منذ عشرين عاماً، الشهر الماضي، بنسبة 11.10% على أساس شهري، لتبلغ نسبة التضخم 48.69% على أساس سنوي.
ولن يسلم الغذاء من آثار الحرب، رغم استمرار التطمينات الحكومية التي بدأها بعد اندلاع المعارك رئيس مجلس إدارة الحبوب التركي أوزكان طاش بينار، الذي قال رداً على التخوّف بشأن إمدادات القمح إن "تركيا دولة تتمتع باكتفاء ذاتي من القمح، حيث إن المعدل الوسطي لحاجة السوق المحلية من القمح يبلغ 20 مليون طن، وهذه الكمية يتم إنتاجها محليا".
واستوردت تركيا خلال العام الماضي 6.7 ملايين طن من القمح الروسي بقيمة 1.8 مليار دولار.
ضربة لقطاع السياحة
ولكن تبقى السياحة، برأي مراقبين، المتضرر المباشر الأول جراء الحرب، لأن تركيا التي تستقبل نحو 5 ملايين سائح روسي ونحو مليون أوكراني، كانت تعوّل خلال العام الجاري على زيادة عائدات قطاع السياحة الذي عانى خلال العامين الماضيين من تداعيات تفشي فيروس كورونا.
كما يتخوف المراقبون من تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على قطاع الصادرات، بعدما نما بنحو 32% خلال العام الماضي، وقت بلغت قيمة صادرات تركيا 225 مليار دولار، وتعول على زيادتها إلى 250 ملياراً هذا العام، لكن الحرب التي طاولت شركاءها بنحو 30 مليار دولار، وهو حجم التبادل التجاري التركي مع روسيا وأوكرانيا، ستؤثر على أحلام تركيا التي تقترب من تحدياتها خلال مئوية تأسيس الجمهورية، العام المقبل.