شكا سياح أجانب ومحجورون من الرسوم والتكاليف الباهظة التي يتكبدونها جراء الحجر في فنادق بريطانيا والتي تفوق تكاليف الحجر في معظم دول العالم خاصة مع زيادة التكلفة التي تقررت يوم الأربعاء، كما شكوا من سوء التغذية خلال فترة الحجر الصحي التي تمتد لعشرة أيام.
وأثارت التكاليف الباهظة للحجر الصحي الإلزامي الذي تفرضه حكومة بوريس جونسون حالياً على القادمين من دول القائمة الصحية الحمراء جدلاً واسعاً في بريطانيا، حيث يدفع الشخص البالغ 1750 جنيهاً إسترلينياً ويدفع كل بالغ آخر مرافق له مبلغ 650 جنيهاً إسترلينياً، وتبلغ تكلفة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و11 عاماً 325 جنيهاً إسترلينياً عن كل منهم، ولا يستثنى من هذه التكاليف سوى الأطفال دون الخامسة من العمر.
وعلى الرغم من رفع الشكاوى القضائية، تستمر الحكومة برفع أسعارها، حيث أعلنت يوم الأربعاء 4 أغسطس عن رفع هذه التكاليف لتصل إلى 2285 جنيهاً إسترلينياً للشخص البالغ و1430 جنيهاً إسترلينياً للبالغ الثاني، على أن تبقى أسعار الأطفال على حالها.
الحكومة ترفع تكاليف الإقامة في الفنادق لتصل إلى 2285 جنيهاً إسترلينياً للشخص البالغ و1430 جنيهاً إسترلينياً للبالغ الثاني
لا تتوقف التكاليف التي يتحمّلها السائح أو الشخص المحجور عند هذا الحد، ففي حال مخالفة الوافدين من دول القائمة الحمراء للحجر الصحي الإلزامي أو تقديم تفاصيل غير دقيقة عن البلدان التي زاروها خلال الأيام العشرة الأخيرة التي سبقت وصولهم إلى بريطانيا فإنهم يواجهون غرامة تصل إلى عشرة آلاف جنيه إسترليني أو عقوبة بالسجن لمدة 10 سنوات.
وتتيح الحكومة البريطانية وسيلة وحيدة لتسهيل دفع التكاليف وهي "خطة الدفع المؤجل" لمدة أقصاها 12 شهراً، وهي مخصّصة فقط لأولئك الذين يواجهون صعوبات مالية.
ومن المنطقي أن يتوقع المسافرون الحصول على مستوى خدمة جيد في فنادق بريطانيا عند دفع تلك المبالغ الباهظة، لكن يتضح مما نشرته الصحف البريطانية ومن التحدث إلى الأفراد الذين عانوا من الحجر الصحي بالفندق، أنّه لم يتم الوفاء بهذه المعايير في كثير من الأحيان.
واشتكى الناس بشكل خاص من سوء الطعام وعدم تلبية احتياجات الأطفال، وهو ما أثار التساؤل حول متى تتحول هذه الشكاوى إلى قضية في المحاكم البريطانية.
وفي ظل فشل الحكومة البريطانية في تقديم الدعم الكافي لعدد متزايد من الأشخاص العاجزين عن العودة إلى ديارهم وأسرهم ووظائفهم بسبب تكاليف الحجر التي تفوق قدراتهم، رأى محامون أن هذا الأمر تدخل غير قانوني في حقوق هؤلاء في الحياة الخاصة والعائلية التي تحميها المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وفيه إجراء تمييزي يتعارض مع المادة 14 منها، وهو ما دفع شركة محاماة "PGMBM"، إلى التقدّم بطلب للحصول على إذن بإجراء مراجعة قضائية لسياسة الحجر الصحي في الفندق نيابة عن المتضررين.
ودخلت المراجعة حيز التنفيذ في 15 فبراير/شباط، وفي المقابل وافقت المحكمة على منح الحكومة في أوائل يوليو/تموز مدّة ستة أسابيع لغاية 9 أغسطس/آب من أجل تنفيذ تغييرات في سياستها تلك بما في ذلك خفض التكلفة أو التنازل عنها لأولئك الذين يعانون من ضائقة مالية.
رسوم الحجر الصحي تتضمن تكاليف النقل من ميناء الوصول إلى الفندق المحدد، فضلاً عن توفير الغذاء والإقامة والأمن والخدمات الأساسية الأخرى واختبارات كوفيد 19
في هذا الصدد، قال ستيفنز فريدريك من مكتب إعلام وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية البريطانية لـ"العربي الجديد"، إنّهم لا يعلّقون على الإجراءات القانونية الجارية، لكنه لفت إلى أنّ البلدان في جميع أنحاء العالم تفرض رسوماً على تكاليف الحجر الصحي بما في ذلك أستراليا وهونغ كونغ ونيوزيلندا وكندا وسنغافورة. وإنّه من الصواب أن يُطلب من الأشخاص الذين يختارون السفر عندما تكون هناك قيود صارمة مطبقة تغطية تكاليف الحجر الصحي.
ويبدو أن الحكومة البريطانية راضية عن التكاليف العالية التي تحمّلها الفنادق لنزلائها، حيث قال فريدريك إنّ رسوم الحجر الصحي بالفندق تتضمن تكاليف النقل من ميناء الوصول إلى الفندق المحدد، فضلاً عن توفير الغذاء والإقامة والأمن والخدمات الأساسية الأخرى واختبارات كوفيد 19 وهذا يتماشى مع الخدمات المتفق عليها مع موفري الفنادق.
وبانتظار قرار الحكومة بشأن تعديل تكاليف الحجر الصحي الإلزامي، وصفت شركة المحاماة فرض الرسوم على الحجر الصحي في الفندق بغير القانوني، كونه ينتهك الالتزامات الدولية للمملكة المتحدة بموجب اللوائح الصحية الدولية لعام 2005 الصادرة عن منظمة الصحة العالمية التي تحظر بوضوح رسوم الحجر الصحي.
يقول بيتر براون (70 عاماً) في تعليقات لـ "العربي الجديد": "وصلت إلى مطار هيثرو في 15 مايو/أيار من جنوب أفريقيا مع زوجتي، وهناك رافقَنا موظفو الأمن إلى حافلة نقلتنا مع مجموعة صغيرة من المسافرين الآخرين القادمين من دول "القائمة الحمراء" إلى فندق نوفوتيل المجاور للمطار".
ويتابع أنّ السبب الرئيس لقدومه هو الحصول على اللقاح بما أنّه يحمل إقامة دائمة في بريطانيا، ولأنّ اللقاح لا يزال غير متوفر للجميع في بلاده. وعن تجربته في الحجر الصحي يقول إنّها كانت عشرة أيام خانقة في غرفة لا يمكن فتح أي نافذة فيها لتنشّق الهواء الطلق.
ومع أنّه كان يسمح لهما بالخروج مرات عديدة بشرط الاتّصال بموظف ليرافقهما فقد كان منفذهما الوحيد موقف السيارات، حيث "كنا نمشي أكثر من عشرة كيلومترات كل يوم للقضاء على الملل".
ويضيف براون منتقداً وجبات الطعام السيئة التي كانت تصلهما بعلب ورقية اهترأت وتسد الشهية. كما يتعجّب من التكاليف الباهظة للحجر الصحي، ويرى أنّ لا تفسير لها سوى أنّها تمنع العديد من الناس الذين يعانون من مشاكل مادية من السفر مهما كانت ظروفهم طارئة.
من جانبها، تقول أيدا (55 عاماً) التي تكتفي بالتعريف باسمها الأول وتقيم في لبنان: "أبلغني ابني المقيم في لندن أنّه مصاب بمرض خبيث". وتكمل أنّ الخبر وقع عليها كالصاعقة وجهزت نفسها للسفر على وجه السرعة.
ومع أنّها حجزت تذكرة السفر فهي تعيش في قلق يومي مستمر وخوف من أن تضع بريطانيا لبنان على لائحة الدول الحمراء قبل موعد سفرها، لأن هذا يعني أنها ستُرغم على الحجر الصحي في فندق وهو ما يفوق قدراتها المادية وسيحرمها بالتالي من لقاء ابنها وهو في أمسّ الحاجة إليها. فهي بالكاد دفعت تكاليف تأشيرتها لمدة ستة أشهر وقيمتها 100 جنيه إسترليني، بينما اشترت تذكرة سفر بسعر 540 جنيهاً إسترلينياً ولا يزال عليها دفع تكلفة اختبار كوفيد 19 قبل يومين من موعد سفرها وتبلغ قيمته 150 ألف ليرة لبنانية (71 جنيهاً إسترلينياً)، كما عليها أن تدفع ثمن اختبار آخر عند وصولها إلى بريطانيا تتراوح قيمته بين 60 و100 جنيه إسترليني. ففي حال الوصول إلى بريطانيا من دون إجراء اختبار كوفيد 19، يواجه المخالف غرامة تصل إلى 500 جنيه إسترليني.
من جهتها، تقول جوليا (36 عاماً) موظفة أمن في مطار هيثرو، لـ "العربي الجديد"، إنّها استمعت إلى شكاوى مختلفة من أشخاص ملزمين بالحجر الصحي الفندقي، بعضهم أخبرها بأنّه يتم التعامل معهم كسجناء ولا يسمح لهم بالخروج سوى مرة واحدة في اليوم، وآخرون تحدّثوا عن اقتراض المال والغرق في الديون لدفع التكاليف.
لكنّها تلفت إلى أن حادثة غريبة من نوعها وقعت في فندق "Renaissance" أثارت اهتمامها وكانت في أيام عيد الأضحى، حيث أخبرها أحد المحجورين هناك أنّه على الرغم من إبلاغه موظفي الفندق بأنّه مسلم ولا يتناول لحم الخنزير، استمروا في إرسال الفطور الإنكليزي إليه ولم يكن أمامه من خيار سوى البقاء من دون طعام. وتستهجن هذا التصرّف، مشيرة إلى أن المسافر كان يبدو في غاية الانزعاج.
إلى ذلك، يفيد موقع شركة محاماة "PGMBM" بأنّ أكثر من 40 ألف شخص خضعوا للحجر الصحي في فندق حتى الآن، لذا من المحتمل أن تشمل تعديلات الحكومة المرتقبة في 9 أغسطس/آب الكثير من الأشخاص. ولا يعلمون لغاية اليوم، إن كانت الحكومة ستعوّض الجميع وبأثر رجعي أو ستدفع فقط لأولئك الذين تقدّموا بدعاوى ضدها ويعانون من ضائقة مالية.
سياح ينتقدون وجبات الطعام السيئة التي كانت تصلهم في الفنادق بعلب ورقية اهترأت وتسد الشهية
ويذكر أن بريطانيا أعلنت في وقت متأخر يوم الأربعاء، أنها ستلغي قيود الحجر الصحي التي كانت قد فرضتها على المسافرين الوافدين من فرنسا، وذلك بعد إجراء مراجعة جديدة لإجراءات السفر.
والتغيير الذي سيدخل حيز التنفيذ منذ يوم الأحد المقبل عند الساعة الثالثة بتوقيت غرينتش، يضع فرنسا مجدداً على اللائحة البرتقالية وفق نظام التصنيف البريطاني.
وسمحت الحكومة البريطانية الشهر الماضي للمسافرين القادمين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين تلقوا اللقاح بدخول بريطانيا من دون الحاجة للخضوع لحجر صحي لمدة عشرة أيام عند الوصول.