ألقت أسعار الفائدة المتزايدة على الدولار الأميركي، مزيدا من الصدمات القاسية على الجنيه المصري والاقتصاد الكلي. تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقبل أن يرفع البنك الفيدرالي الأميركي نسبة الفائدة على الدولار للمرة الثانية بنسبة 0.75%، على التوالي خلال شهرين، لتصل إلى 2.25%، شهدت أسواق العملة المدارة بسياسات متشددة من البنك المركزي، ارتفاعا طفيفا على سعر الدولار، خلال اليومين الماضيين.
وتراوح سعر صرف الدولار ما بين 18.91 للشراء و18.97 للبيع في البنوك التجارية، بينما تجاوز اليورو المتراجع دوليا، منذ أسبوعين، حاجز 19 جنيها، حيث استعاد بعض قوته، ليرتفع بمعدل 4 قروش خلال يومين، ويصعد إلى 19.21 جنيها للشراء و19.25 للبيع.
أكد خبراء اقتصاد التزام شركات الصرافة الخاصة والتابعة للبنوك، بمعدلات الأسعار الإرشادية التي يصدرها البنك المركزي، في ظل مخاوف من قبضة أمنية مشددة، وقوانين غليظة، تلقي بالمخالفين في السجن لسنوات، مع غرامات مالية باهظة.
أشار الخبراء إلى أن تلك الضغوط قد تلزم لجنة السياسات النقدية في البنك المركزي، برفع أسعار الفائدة على الجنيه، حيث لم تمنع القبضة الأمنية من انتشار بيع وشراء الدولار في السوق السوداء الموازية، بأسعار تتراوح معدلات الزيادة فيها ما بين 50 قرشا في الشراء، و80 قرشا للبيع عن الأسعار الرسمية.
ويوضح مراقبون أن تلك السوق وإن كانت صغيرة الحجم، حتى الآن، بسبب القيود التي يضعها البنك المركزي، أثناء إيداع الدولار وتداوله لشراء احتياجات الموردين من الخارج، إلا أنها تعكس توجهات العرض والطلب الحقيقي على الدولار، الذي يشير إلى التراجع المستمر في قيمة الجنيه، مقابل العملات الرئيسية.
تساهم السوق السوداء في تدبير احتياجات المقبلين على السفر وصغار التجار، مع عدم التزام البنوك بتعليمات الحكومة بتدبير العملة لهذه الفئات، وتكتفي شركات الصرافة بإعادة بيع أرصدتها اليومية إلى البنوك، لتحقق هامش ربح ضئيل، يكاد يوفر لها الحد الأدنى من تكاليف التشغيل والحفاظ على تراخيص العمل، وفقا لمراقبين.
سكب الزيت على النار
تؤكد مصادر مالية، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن ارتفاع سعر الفائدة على الدولار يسكب المزيد من الزيت على نار الأسعار الملتهبة في أسواق مصر، التي تعتمد على أغلب احتياجاتها من الغذاء ومستلزمات الصناعة من الخارج. ويتوقع الخبراء أن تسبب قوة الدولار أزمة جديدة لصناعة السياحة، بعد أن زادت قوة الدولار بنحو 10%، مقابل العملات الأوربية والرئيسية في العالم، في وقت تزيد فيه أسعار الطاقة والسلع ومعدلات التضخم في أهم الأسواق السياحية لمصر.
شبّه النائب البرلماني ورئيس لجنة المشروعات الصغيرة في البرلمان المصري، محمد كمال مرعي، ما يواجه النظام المصري، بأنه "رجل نجى من كارثة، وعندما خرج منها صدمته سيارة فقضت عليه".
وفي تصريحات صحافية، قال إن أزمة الحرب في أوكرانيا وارتفاع معدلات الفائدة على الدولار، دفعا المستثمرين إلى الخروج من سوق السندات والأسهم المصرية، بما يلزم الحكومة بدفع مستحقاتهم بالدولار، وإلا تعرضت سمعتها المالية لأزمة خطيرة.
دافع النائب عن سياسات البنك المركزي المتشددة مع المستوردين وطالبي الدولار، قائلا: "ما ينفعش (لا يصلح) أوافق على شراء كل الواردات التي يطلبها الناس أو رجال الأعمال، ولابد من وقفة حتى تهدأ الأمور، ونوفر الدولار لشراء المستلزمات الرئيسية التي تحتاجها المصانع والمنشآت العامة، وبخاصة الأدوية والمعدات ومدخلات الإنتاج التي تعطل المصانع".
مزيد من التضخم وتباطؤ الأسواق
أكد خبراء أن ارتفاع الفائدة على الدولار يعني قروضا بتكلفة أعلى، وتزايد تكلفة التشغيل وشراء مستلزمات الإنتاج، بما يدفع إلى مزيد من التضخم، وانخفاض في قيمة الرواتب، وتباطؤ في سوق العمل، يخشى أن يتجه بالاقتصاد نحو الركود التضخمي. ويتوقع أن ترتفع قيمة الواردات المصرية من القمح بنحو 3 مليارات دولار، عدا تكلفة شراء الغذاء والمواد البترولية من الخارج، التي سترفع فواتير الاستيراد، خلال العام المالي الحالي.
أشار الخبراء إلى تراجع الجنيه بنحو 20% من قيمته مقابل الدولار، منذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، متأثرا بتراجع الاحتياطي النقدي من العملات الحرة، وخروج نحو 20 مليار دولار من الاستثمارات الساخنة، لتتجه إلى سوق الدولار الأقوى والأقل مخاطرة، في وقت تتعرض فيه اقتصادات أوروبا وآسيا لضغوط جيوسياسية.
وأدى ارتفاع معدلات الدين الخارجي، إلى 157 مليار دولار بنهاية العام المالي 2021-2022، إلى خفض صندوق النقد الدولي لتوقعاته، في تقرير أصدره مساء الثلاثاء الماضي، بنسبة 0.2%، ليصبح 4.8%، خلال العام المالي 2023-2024.
أكد تقرير خبراء صندوق النقد، أن مصر لا تزال عرضة للصدمات الخارجية، بسبب عبء الديون المرتفع، ومتطلبات التمويل الإجمالية الكبيرة. مطالبا النظام بإصلاحات هيكلية أعمق، تمنح القطاع الخاص دورا أكبر في إدارة الاقتصاد، وتدفع به إلى قيادة الاستثمار.
ضغوط صندوق النقد
كانت الحكومة قد تقدمت بطلب قرض جديد من صندوق النقد، لمواجهة تداعيات الأزمة المالية الحالية. تشير مصادر إلى أن المفاوضات مع صندوق النقد دخلت في ماراثون طويل، حول القرض، بدأت بخلافات فنية.
أكد تقرير خبراء صندوق النقد، أن مصر لا تزال عرضة للصدمات الخارجية، بسبب عبء الديون المرتفع، ومتطلبات التمويل الإجمالية الكبيرة
يريد الصندوق سياسات أكثر حسماً للإصلاح المالي والهيكلي، يتطلب من الحكومة تعزيز قدراتها في مواجهة صدمات أكثر قوة، والموافقة على برنامج متشدد للإصلاح، يعد الثالث من نوعه، منذ تخفيض قيمة الجنيه عام 2016، وخلال أزمة كورونا عام 2020. يتوقع الصندوق مزيدا من التراجع في قيمة العملة المصرية، مع استمرار أزمة دولية "قاتمة مستمرة وأكثر ضبابية"، مع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، واعتبار مصر من أكثر الدول المتضررة من استمرارها.
وصف الخبراء المباحثات المطولة مع صندوق النقد بأنها غير مبشرة، حيث كانت مصر تستهدف الحصول على قرض قيمته نحو 3.5 مليارات دولار، مطلع يوليو/تموز الجاري، بصفة عاجلة، لمواجهة العجز الشديد في السيولة، لحين تمكّنها من بيع أصول رأسمالية عامة، لصناديق الاستثمار العربية والدولية، بينما تحتاج المفاوضات إلى 3 أشهر أخرى للتوصل إلى برنامج تفصيلي جديد للإصلاح، بعد أن تجاوزت مصر حصتها، من حسابات الصندوق لاقتراضها 20 مليار دولار، منذ عام 2016.
تتوقع مؤسسة "فيتش سوليوشنز" في تقرير أصدرته، بداية الشهر الجاري، أن يؤدي تدهور الظروف الاقتصادية في مصر، وسط ارتفاع التضخم وتدهور قيمة الجنيه، وضعف النمو الاقتصادي وزيادة البطالة، إلى تزايد عدم الرضى والسخط الاجتماعي، بما دفعها إلى تخفيض درجة مصر في مؤشر المخاطر السياسية قصيرة الأجل.