- الخلافات بين الحكومة المصرية والمستثمرين تتصاعد بسبب طلبات التحالف ورفضهم تحويل المشروع إلى مجمع سكني، ما أدى إلى توقف العمل وانسحاب المستثمرين.
- الحكومة المصرية تسعى لإعادة تقييم خطط خصخصة الأصول العامة والبحث عن بدائل لاستغلالها بما يعود بالنفع على الاقتصاد، بعد فشل مشروع تطوير مجمع التحرير.
في نكسة لخطة خصخصة واسعة النطاق في مصر، تلقى مشروع تحويل مباني الوزارات والجهات السيادية والخدمية بوسط العاصمة المصرية القاهرة إلى فنادق ومكاتب تجارية وإدارية خاصة أول صدمة. فقد أزاحت الحكومة الأسبوع الماضي معدات تحالف مستثمرين إماراتيين وأميركيين من ساحة مبنى "مجمع التحرير" (وسط القاهرة)، بعد تعثر التحالف في تحويل مبني المجمع التاريخي إلى فندق ضخم يضم 500 غرفة وجناحا فندقيا.
ووفق مصادر فقد أزال صندوق الثروة السيادي المصري، المسؤول عن إدارة أصول الدولة، لافتات تحالف المستثمرين، المعلقة منذ عامين، تتضمن أسماء التحالف ومستشاري المشروع، وعلق بدلا منها لافتات جديدة، بارتفاع جانبي المبني الشاهق وسط العاصمة، باللغة الإنكليزية، تقول "بداية جديدة".
وأكدت مصادر مطلعة باتحاد الغرف السياحية والفندقية، على برنامج الحكومة لتطوير وبيع الأصول المملوكة للدولة للقطاع الخاص بمعنى آخر خصخصة أصول تمتلكها الدولة، أن الحكومة قررت إنهاء عقد إسناد تطوير وإدارة مجمع التحرير، لتحالف المستثمرين، بعد توقفهم عن العمل، منذ منتصف العام الماضي 2023.
خلافات بين المستثمرين والحكومة المصرية
أشارت المصادر، التي رفضت ذكر هويتها، إلى نشوب خلافات بين المستثمرين الإماراتيين والأميركيين والحكومة المصرية في سياق خصخصة بعض المرافق، وخصوصاً بشأن طلب اقتطاع جزء من ميدان التحرير وموقف السيارات المجاور للفندق، لضمهما إلى مشروع تطوير الفندق، مبينة عدم قدرة الحكومة على تلبية احتياجات المستثمرين، لصعوبات فنية وأمنية.
فقد عرضت الحكومة على تحالف المستثمرين تحويل الفندق إلى مجمع سكني للشقق الفندقية، لتقليل عدد الأفراد المترددين على الفندق المزمع إنشاؤه، الأمر الذي تعارض مع دراسات الجدوى الفنية والمالية للمجمع وفقا لدراسات اتحاد المستثمرين. وتسببت الخلافات في توقف كافة الأعمال بموقع المشروع وانسحاب موظفي تحالف المستثمرين، خلال الأيام الماضية، بعد إسناد تأمين المبنى لإحدى شركات الأمن التابعة لجهة سيادية.
وعلى خط انتكاسة مسار خصخصة بعض الأنشطة العامة، رصد "العربي الجديد" حالة السكون في الموقع يقطعها ضجيج سير المشاة نهارا على أرصفة المجمع وأضواء الميدان الخافتة ليلا، بينما تحول المبنى الأيقوني إلى بيت أشباح، بعد إخلائه من كافة المكاتب الحكومية والموظفين وعمال البناء والتشييد. وأكدت المصادر أن الخلاف بين الصندوق السيادي المصري واتحاد المستثمرين، أحيل للتحكيم، لتقدير قيمة النفقات التي دفعها المستثمرون، والتوصل إلى اتفاق لرد الأموال التي سحبت من البنوك المحلية على ذمة مشروع التطوير، والتي فاقت 350 مليون جنيه.
فندق ضخم في رمز البيروقراطية المصرية
وقد وقع الصندوق السيادي اتفاقية شراكة مع التحالف الإماراتي الأميركي "كايرو هاوس" في ديسمبر/ كانون الأول 2021، لتحويل مبنى المجمع، أيقونة ميدان التحرير ورمز البيروقراطية المصرية منذ عام 1951، إلى فندق ضخم، وبدأ العمل بالمشروع مطلع أغسطس/ آب 2022، عبر تحالف مستثمري "كايرو هاوس" ومجموعتي الاستثمار والتنمية الأميركية، غلوبال فنتشرز غروب " Global Venture Group" وأكسفورد كابيتال والعتيبة للاستثمارات الإماراتية، على أن تعمل شركة اتحاد المقاولين اللبنانية CCC، مقاولا عاما للمشروع، و.
وقدر الصندوق السيادي قيمة العقد بـ 200 مليون دولار، مشيرا إلى أن تحالف المستثمرين سيتولى إعادة تأهيل وتطوير المجمع، ليصبح فندقا فاخرا بمستوى سبع نجوم، دون تحديد المخصصات التي ستدفعها للدولة، مقابل العقد، ومدة سريانه. ويتضمن الاتفاق تحويل مجمع التحرير المؤلف من 14 طابقا، إلى فندق فاخر يضم 450 غرفة فندقية و50 جناحا، يشتمل أعلاه على أكبر مساحة مسطح فندقي، وحمام سباحة، ومطاعم ومناطق ترفيه بوسط القاهرة، باسم "كايرو هاوس"، خلال 31 شهرا، على أن تنتهي كافة الأعمال، خلال تلك المدة، لبدء تشغيل الفندق بنهاية العام الجاري 2024.
خطة محدثة لميدان التحرير
طلب اتحاد المستثمرين "الكونسرتيوم الأميركي - الإماراتي"، الحصول على جزء من ميدان التحرير لبناء "شكل هرمي" في واجهة المجمع وتوظيفه معماريا ضمن الرؤية البصرية المكملة للمسلة الفرعونية، والمحاطة بأربعة أسود جلبتها الحكومة من طريق الكباش بالأقصر، عاصمة الدولة الفرعونية القديمة "طيبة" لنصبها بوسط ميدان التحرير.
وقدّم اتحاد المستثمرين خطة محدثة للميدان تتضمن السيطرة على جزء منه، وضمه للمشروع، في إطار خصخصة الموقع، وإقامة حواجز تحول دون مرور المواطنين وحركة المشاة المتجهة إلى محطة مترو الأنفاق وميدان التحرير نهائيا، وإزالة أبراج الاتصال التابعة لوزارتي الداخلية والاتصالات من أعلى المبنى لبناء حمام سباحة وصالات استقبال أعلى المبنى، تطل على المتحف المصري وميدان التحرير ونيل القاهرة.
وطلب اتحاد المستثمرين ضم موقف السيارات متعدد الطوابق تحت سطح الأرض، بسعة 1200 سيارة، شمال مسجد عمر مكرم، وعلى مسافة أمتار من المجمع، المملوك لمحافظة القاهرة، ليخصص لخدمة عملاء فندق "كايرو هاوس"، دون غيرهم. لكن اصطدم طلب المستثمرين بتوقيع الحكومة عقد إدارة وتشغيل موقف السيارات لصالح شركة "ترافيك" المملوكة لوزارة الداخلية، والتي تحتكر إدارة مواقف السيارات بميدان التحرير ومناطق حيوية بالعاصمة لمدة 25 عاما.
ووافق المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، في يوليو/ تموز 2023، برئاسة رئيس الوزراء، على طلب صندوق مصر السيادي، بتغيير الاستخدام الكامل لمبني مجمع التحرير ليصبح فندقا ضمن خطة شاملة تستهدف إعادة استخدام مباني الوزارات والإدارات الحكومية وسط العاصمة، وتخطيط المناطق المحيطة والمتصلة بها، بهدف عرض أصول مملوكة للدولة للبيع للمستثمرين المصريين والأجانب، من بينها مبنى مجمع التحرير ووزارة الداخلية وخمسة أصول أخرى مملوكة للدولة، نقلت ملكيتها بالكامل لصندوق الثروة السيادي.
وألغى قرار رئاسي صدر 2020، حالة المنفعة العامة عن المباني المطروحة للبيع والإدارة للقطاع الخاص في إطار خصخصة أنشطة محددة، لنقل الملكية لصالح الصندوق السيادي، الذي أنشأته الحكومة عام 2018، بهدف إدارة ونقل ملكية الأصول العامة، وتحصين عمليات البيع من الطعن أمام القضاء، وأن تظل بعيدة عن الرقابة البرلمانية والشعبية، والحيلولة دون الطعن في عقود بيع الشركات والمباني والأصول العامة للمستثمرين أمام المحكمة الدستورية العليا. يقدر الصندوق السيادي قيمة الأصول التي تملكها حتى يوليو 2023، بنحو 12 مليار دولار.
وأفصحت هالة السعيد وزيرة التخطيط والرئيس التنفيذي للصندوق السيادي، عن خطة جديدة لاستغلال أراض ومبان تابعة لــ 13 وزارة سيادية وخدمية، أزيلت عنها صفة النفع العام بقرار جمهوري رقم 13 لسنة 2024، تشمل مقار وزارات الخارجية والعدل والمالية والصحة والسكان والتربية والتعليم، والنقل والسياحة، والآثار والتنمية المحلية، والتموين والإنتاج الحربي والإسكان والتضامن الاجتماعي والصناعة. قالت الوزيرة في تصريحات صحافية إن مجموعة كبيرة من مقار الوزارات ستحول إلى غرف فندقية، عبر شراكة مع القطاع الخاص.
وقالت الوزيرة إن البنك الدولي طلب من الحكومة، تشكيل كيان جديد مغاير للصندوق السيادي، تسند إليه ملكية الشركات والأصول العامة التي ستطرح على القطاع الخاص ضمن برنامج وثيقة ملكية الدولة، منوهة إلى دراسة الحكومة لمطالب البنك.
اعتبر أيمن سليمان المدير التنفيذي للصندوق السيادي أن تحويل مبنى مجمع التحرير إلى فندق، يأتي في إطار خطة مستهدفة من الحكومة لإنشاء 2600 غرفة فندقية وتطوير 15 ألف متر مربع من المساحات الخضراء، ضمن خطة عامة لمضاعفة الطاقة الفندقية خلال خمسة أعوام، بهدف زيادة عدد السائحين إلى 30 مليونا بدلا من 16 مليونا حاليا، لا تتوافر لهم سوى 216 ألف غرفة فندقية، بأنحاء البلاد.
أسباب فشل خصخصة مشاريع في مصر
هذا ويدفع أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، علي الإدريسي، بعدم مسؤولية تحالف المستثمرين عن فشل خطط تطوير مجمع التحرير خلال الفترة الماضية، مؤكدا أن بيروقراطية الجهاز الحكومي، ووجود أكثر من سعر صرف للدولار في الأسواق، ساهما في تباطؤ بيع الأصول العامة وتنفيذ أغلب المشروعات المسندة للقطاع الخاص خلال عامي 2022-2023.
أفصحت هالة السعيد وزيرة التخطيط والرئيس التنفيذي للصندوق السيادي، عن خطة جديدة لاستغلال أراض ومبان تابعة لــ 13 وزارة سيادية وخدمية،
وأشار الإدريسي إلى أن توحيد سعر الصرف، والتزام الدولة بتدبير الدولار للراغبين في شراء مستلزمات الإنتاج من الخارج، عبر البنوك الرسمية، سيساهمان في التزام المستثمرين بالعقود المبرمة مع الحكومة، وتدفق المزيد منهم، مبينا أن الحكومة ستكون المستفيد الأول من جراء تشغيل هذه المشروعات، في ظل حاجتها الماسة إلى رفع حصتها من النقد الأجنبي، وتدوير عجلة الاقتصاد المستمر في الركود منذ ثلاثة أعوام.
وباعت الحكومة حصصا في شركات عامة بقيمة 1.5 مليار دولار خلال الفترة من يوليو/ تموز 2023-يناير/ كانون الثاني 2024، مستهدفة زيادة الاحتياطي الأجنبي الصافي للسنة المالية الجارية بقيمة 6.2 مليارات دولار، وتسعى إلى بيع المزيد من الأصول، خلال العام المالي المقبل 2024-2025، بقيمة 1.5 مليار دولار، لسد فجوة العجز بين الصادرات والواردات، مواكبة لرد 19 مليار دولار من الودائع العربية في البنك المركزي، وتراكم النقص في النقد الأجنبي وزيادة الديون المحلية والدولية، وبقاء معدل التضخم عند مستوى رقمين.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تحصل مصر على 639 مليون دولار من بيع محطتي توليد الطاقة من الرياح بجبل الزيت ومحطة تحلية مياه الزعفرانة بالبحر الأحمر بحلول يوليو المقبل. يعتبر صندوق النقد لجوء مصر إلى بيع أرض مدينة رأس الحكمة للإمارات بقيمة 35 مليار دولار، وتخفيض الجنيه بنسبة 40% في مارس/ آذار الماضي، والاستمرار في سياسة التشدد النقدي والمالي "خطوات صعبة ولكنها حاسمة" لمواجهة تحديات الاقتصاد الكلي.
شهد مجمع التحرير اندلاع كافة الثورات العسكرية والشعبية في العصر الحديث، بداية من حركة الضباط الأحرار عام 1952، التي جاءت بعد عام من افتتاح المبنى كمقر للبيروقراطية الحكومية، التي مثلث كافة الوزارة المعنية بشؤون الخدمات الحكومية.
خلال سنوات طويلة من الإهمال بداخل المبنى، أعيد تطوير الميدان عدة مرات، أزيل خلاله تمثال الخديوي إسماعيل مؤسس القاهرة الحديثة، خلال الفترة من 1863- 1879، وأزاح دخول مترو الانفاق كل معالم الميدان التاريخي، ليعاد تطويره عدة مرات، جاء آخرها عام 2020، حيث بدأت الحكومة في تهجير الموظفين بداخله إلى مكاتب بديلة بالعاصمة، مستهدفة تحويل جزء منه إلى فندق ومكتبة عامة، ومركز للحكومة الإلكترونية.