قبل نحو 10 سنوات من الآن كان الإعلام المصري ومؤسسات رسمية بالدولة تهيل التراب على مشروع قانون تبنته حكومة د. محمد مرسي في ذلك الوقت، وينص على إصدار صكوك إسلامية في الأسواق الدولية يتم من خلالها تدبير موارد دولارية للدولة تساعد في سد الفجوة التمويلية في البلاد، ودعم الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي، واستقطاب استثمارات جديدة، خاصة من قبل المستثمرين الخليجيين والآسيويين.
وفي الوقت الذي كانت فيه دول العالم بما فيها الأجنبية، ومنها ألمانيا وبريطانيا وماليزيا وتركيا وغيرها، تتسابق على تبني مثل هذه القوانين وتطرح صكوكا في أسواق العالم بهدف جذب أموال طازجة ومستقرة، كانت الشائعات والمزاعم تنتشر في كل وسائل إعلام مصر حول خطورة تلك الصكوك، وأنها أداة لبيع وضياع أصول الدولة، ورهن مقدرات البلاد، وبيع قناة السويس والأهرامات الثلاثة والمتحف المصري، إلى آخر مثل هذه الكلمات التي كانت تتردد على ألسنة كبار الإعلاميين وصفحات الجرائد والمجلات.
مصر أصدرت أول صك إسلامي في بورصة لندن أول من أمس الثلاثاء
وقبل أيام شاهدت جزءا من مسلسل تلفزيوني مصري بث قبل عام يتحدث عن "كواليس مخطط الصكوك لرهن أصول الدولة"، والتأكيد على لسان عدد من النجوم المشاركين في العمل أن مشروع الصكوك الذي تبنته حكومة مرسي هو بمثابة بيع مقدرات الدولة للحكومات المعادية والمستثمرين الأجانب والخليجيين الذين يسعون للسيطرة على مفاصل الاقتصاد المصري، وأن الصكوك خطر كبير على الاقتصاد القومي وحياة المواطنين، وأن هذه الأداة المالية "الجهنمية" والشيطانية سينجم عنها "أسلمة" الاقتصاد، وإغلاق البنوك الربوية التي تتعامل بالفائدة بيعا وشراء سواء في تعاملات القروض أو الودائع.
والملفت وقتها أن هذا الكلام انتشر على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي قبل 10 سنوات، وعلى ألسنة العامة الذين كانوا لا يعرفون الفارق أصلا بين الصكوك والسندات والودائع وغيرها من أدوات الدين والاستثمار. كانوا يكررون ما يصل إلى مسامعهم دون تفكير.
الآن مصر أصدرت أول صك إسلامي في بورصة لندن أول من أمس الثلاثاء ونجحت الحكومة من خلال عملية الطرح في الحصول على عروض ضخمة من مستثمرين دوليين بتوفير سيولة دولارية بقيمة 1.6 مليار دولار.
ولاقت الصكوك إقبالا كبيرا مع ضخامة العائد الممنوح عليها، حيث تلقت وزارة المالية المصرية عروض اكتتاب بقيمة تزيد عن 6.1 مليارات دولار من 250 مستثمرا من أسواق المال، وهي قيمة ضخمة، خاصة في الوقت الذي تشهد فيه سوق التمويل العالمي مخاطر واضطرابات عالية بسبب زيادة أسعار الفائدة على الدولار، وهروب الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة وسياسة التشدد النقدي والتضخم الجامح والركود.
سوق الصكوك يتسع عالميا عاما بعد آخر حيث تجاوز حجمه تريلوني دولار
سوق الصكوك يتسع عالميا عاما بعد آخر حيث تجاوز حجمه تريلوني دولار، وأصحاب الثروات في الخليج يفضلون استثمار أموالهم في الصكوك على حساب السندات الدولية التقليدية التي يرون أنها مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، والصكوك التي كان يتم وصمها بالشيطانية وتدمير الاقتصاد الوطني قبل 10 سنوات، بات الآن يتم الاحتفاء بها وعلى نطاق واسع من قبل كبار المسؤولين في الدولة ووسائل الإعلام.
مصر تأخرت كثيرا في إصدار مثل هذه الصكوك والخروج لسوق الصيرفة الإسلامية العالمية، لكن أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي أصلا.