أعرب صندوق النقد الدولي عن بالغ قلقه إزاء الأزمة العميقة متعددة الأبعاد التي تواجه لبنان أكثر من 3 سنوات، وأدت إلى انهيار حاد في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، معرباً عن أسفه حيال الإجراءات المحدودة المتخذة على مستوى السياسات، محذراً من مخاطر وتكلفة الاستمرار في تأجيل الإجراءات الإصلاحية.
وتوقّع في تقرير له، نُشر اليوم الخميس، بعد اختتام المجلس التنفيذي لصندوق النقد مشاورات المادة الرابعة مع لبنان بتاريخ 1 يونيو/حزيران الجاري، ارتفاع الدين العام اللبناني إلى 550% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027 إذا استمرّ الوضع القائم، كاشفاً أن تأخير إعادة هيكلة القطاع المالي كلّفت المودعين نحو 10 مليارات دولار منذ عام 2020، لافتاً إلى أن إجراءات الإصلاح كانت دون التوقعات ولم يُلتزم بما نصحنا به.
ودعا صندوق النقد إلى ضرورة التنفيذ الحاسم لخطة إصلاح شاملة لحلّ الأزمة وتحقيق التعافي المستدام، مؤكداً الدور الحيوي المحتمل للدعم من قبل المانحين في إنعاش الاقتصاد واستقراره بمجرد بدء تنفيذ الإصلاحات، والذين يتطلعون إلى تعميق التعاون مع الصندوق وغيره من الأطراف المعنية الرئيسية لدعم جهود الإصلاح والاحتياجات الإنسانية العاجلة.
وضمن التوصيات التي أصدرها المديرون التنفيذيون أهمية المصداقية في إعادة هيكلة النظام المالي لاستعادة سلامته واستمراريته، ودعوا إلى اتخاذ إجراءات مسبقة لمواجهة الخسائر الضخمة، وأكدوا ضرورة توفير أقصى حماية ممكنة لصغار المودعين.
كما أشاروا إلى ضرورة النظر في المزيد من الخيارات لتوفير حماية إضافية للمودعين وفق المبادئ المتفق عليها، ما قد يساهم في دعم جهود إعادة الهيكلة، وأكدوا أن استخدام الموارد العامة ينبغي أن يكون محدوداً وأن يتناسب مع هدف استدامة الدين، كما شددوا على ضرورة معالجة مواطن الضعف في قانون السرية المصرفية وتعزيز الإطار المؤسسي للمصرف المركزي.
وأكدوا أهمية خفض معدلات التضخم المرتفعة ومعالجة التدهور الحاد في سعر الصرف وإعادة بناء مصداقية المصرف المركزي، وأوصوا بتشديد السياسة النقدية وتعزيز الجهود للحؤول دون تمويل الحكومة من خلال المصرف المركزي، وأكدوا أن توحيد أسعار الصرف الرسمية سيساعد في تنظيم السياسة النقدية بدرجة أكبر والحد من الضغوط على احتياطيات المصرف المركزي وزيادة إيرادات المالية العامة.
كما دعوا إلى ضرورة ضبط أوضاع المالية العامة على المدى المتوسط، مصحوباً بإعادة هيكلة الدين العام لاستعادة الاستدامة المالية وإتاحة الحيز اللازم للإنفاق الاجتماعي والإنمائي، إلى جانب إقرار ميزانية لعام 2023 تتسم بالمصداقية وتقوم على إجراءات لإدارة الضرائب والايرادات لدعم الإنفاق الاجتماعي والإنمائي الضروري.
كذلك، اتخاذ إجراءات شاملة لتعزيز الإيرادات وبذل الجهود لتحسين الإدارة العامة وكفاءة الإنفاق، وإقرار قانون حديث لإدارة المالية العامة ما يساعد في اعتماد ممارسات أكثر حزماً وتعزيز الضبط المالي.
وأوصى المديرون التنفيذيون باتخاذ إجراءات لتحسين الحوكمة ودعم استمرارية العمليات في المؤسسات العامة وإصلاح نظام التقاعد، كما شددوا على الحاجة إلى تنفيذ الإصلاحات في قطاع الكهرباء ووضع معايير وممارسات لمكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وفي تقريره، قال صندوق النقد إن لبنان يواجه أزمة مصرفية ونقدية سيادية غير مسبوقة لا تزال مستمرّة أكثر من ثلاث سنوات، ومنذ بداية الأزمة، شهد الاقتصاد انكماشاً ناهز 40%، وفقدت الليرة اللبنانية 98% من قيمتها، وسجل التضخم معدلات غير مسبوقة، كما خسر المصرف المركزي ثلثي احتياطياته من النقد الأجنبي، لافتاً إلى أن الاقتصاد شهد بعضاً من الاستقرار عام 2022، لكنه لا يزال يعاني من ركود حاد.
وأشار إلى أن الحالة الشديدة من عدم اليقين والقيود في القطاع المصرفي، كما النقص الشديد في إنتاج الكهرباء وارتفاع أسعارها، جميعها عوامل ما زالت تعيق النشاط الاقتصادي.
وقال إنه عقب التدهور الكبير في سعر الصرف خلال الربع الأول من عام 2023، ازدادت دولرة النقد وتسارعت وتيرة التضخم لتصل إلى 270% على أساس سنوي في شهر إبريل/نيسان 2023.
وحسب التقديرات، ارتفع عجز المالية العامة إلى 5% من اجمالي الناتج المحلي عام 2022 بسبب انهيار الإيرادات، كما ارتفع عجز الحساب الجاري إلى حوالي 30% من إجمالي الناتج المحلي بسبب الزيادة الكبيرة في حجم الواردات في ظل استمرار الاستثمار الأجنبي المباشر والتدفقات المالية الوافدة الأخرى على مستويات متدنية.
وحذر صندوق النقد من تداعيات إرجاء الإصلاحات، إذ سيواصل سعر الصرف تراجعه لتظل معدلات التضخم مرتفعة، وسيتحول النشاط الاقتصادي إلى القطاعات غير الرسمية، ما سيزيد من صعوبة تحصيل إيرادات المالية العامة، وسيواصل مصرف لبنان المثقل، نتيجة الخسائر غير المعالجة وفقدان الثقة، خسارة احتياطياته الخارجية، وقد تتسارع وتيرة الهجرة الخارجية، ولا سيما لأصحاب المهارات، ما سيؤدي إلى تقويض النمو مستقبلاً وسيكون الاستثمار في رأس المال المادي محدوداً.
وفي إبريل/نيسان 2022، توصلت السلطات اللبنانية وفريق من خبراء الصندوق إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن السياسات الاقتصادية الشاملة، التي يمكن أن يدعمها اتفاق للاستفادة من تسهيل الصندوق الممدد، مع طلب إتاحة موارد من الصندوق بقيمة 2173.9 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (ما يعادل 3 مليارات دولار).
ويخضع هذا الاتفاق لموافقة إدارة الصندوق العليا ومجلسه التنفيذي بعد تنفيذ كل الإجراءات المسبقة المطلوبة في حينها، وتأكيد الدعم المالي من الشركاء الدوليين.
ولم ينفذ لبنان جميع الخطوات الإصلاحية المطلوبة منه حتى الساعة، في حين أن هناك عدم رضا من جانب الصندوق على بعض البنود التي نفذتها السلطات اللبنانية في إطار تطبيق الإجراءات المطلوبة منها، والتي أتت مجحفة بحق المودعين والفئات الأكثر ضعفاً بالدرجة الأولى، وفاقمت معاناة المواطنين.
ويعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي أبرز الشروط الدولية لمساعدة لبنان ضمن مسار النهوض الاقتصادي، بيد أن قادة البلاد لا يزالون يماطلون في تطبيق الإصلاحات، وفي انتخاب رئيس للجمهورية في ظل شعور رئاسي مستمرّ منذ نحو 8 أشهر، بينما تدير البلاد حكومة بصلاحيات محدودة، علماً أن هناك صراعاً سياسياً في البلاد على بعض المقررات التي تصدرها في هيئة تصريف الأعمال وتعد غير دستورية وغير قانونية.