تعود الأنظار في الأردن إلى العلاقة بين الحكومة وصندوق النقد الدولي في أعقاب إعلان وزارة المالية الأردنية عن استكمال الصندوق مراجعة أداء الاقتصاد بموجب برنامج التمويل الممتد.
وعادة ما تثير العلاقة بين الحكومة وصندوق النقد الدولي مخاوف الشارع الأردني كون برامج الإصلاح التي طبقها الأردن مع الصندوق على مدى 30 عاما الماضية خرجت بأزمات اقتصادية ومعيشية أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة من خلال متوالية رفع الضرائب والأسعار، وإلغاء الدعم المقدم لسلع وخدمات أساسية كان آخرها الخبز الذي تم تحرير أسعاره منذ العام 2018.
وقالت وزارة المالية الأردنية إن مجلس إدارة صندوق النقد أنهى بنجاح المراجعة الثانية للأردن في برنامج التمويل الممتد بعد تحقيق جميع الأهداف المالية العامة، ما أتاح المجال للحكومة لسحب مبلغ 206 ملايين دولار، ليصل مجموع المبالغ المصروفة من الصندوق للأردن منذ بداية 2020 إلى حوالي 900 مليون دولار، منها مشتريات بقيمة 400 مليون دولار، خلال شهر مايو/ أيار 2020 في ظل أداة التمويل السريع.
ووافق المجلس التنفيذي على طلب الأردن زيادة الموارد المتاحة في ظل اتفاق "تسهيل الصندوق الممتد" بنحو 200 مليون دولار.
وكان المجلس التنفيذي للصندوق قد وافق في 25 مارس/ آذار 2020 على عقد اتفاق مع الأردن للاستفادة من "تسهيل الصندوق الممتد" لمدة أربع سنوات بقيمة حوالي 1.3 مليار دولار، أي ما يعادل 270% من حصة عضوية الأردن في الصندوق.
وكثفت الحكومة الأردنية جهودها منذ العام الماضي للحصول على مزيد من التسهيلات والقروض من جهات مختلفة، بما فيها صندوق النقد الدولي، لمواجهة تداعيات جائحة كورونا التي أدت إلى انكماش اقتصادي بنسبة 1.8% وارتفاع غير مسبوق لمعدلات الفقر والبطالة وتفاقم المديونية الخارجية.
وقال عضو مجلس النواب الأردني النائب موسى هنطش، لـ"العربي الجديد"، إن صندوق النقد عادة ما كان يضغط على الحكومة لزيادة الإيرادات المحلية من خلال رفع الضرائب وتوسيع قاعدة الخاضعين لها، إضافة إلى رفع الدعم عن سلع وخدمات أساسية، وتمت الاستجابة لعدد من طلبات الصندوق.
وأضاف أنه رغم الإعلان عن برنامج الإصلاح المتفق عليه، أخيرا، مع الصندوق لا يشتمل على زيادة للضرائب، إلا أن مؤسسات التمويل الدولية، وعلى وجه الخصوص صندوق النقد والبنك الدوليين، طالبت أكثر من مرة برفع الدعم عن الكهرباء والمياه بهدف تخفيض العجز المالي للموازنة.
وقال إنه لم يعد هناك سلع مدعومة في الأردن، حيث تم رفع الدعم عن مادة الخبز وتوجيه الدعم فقط للشرائح الفقيرة لعدة سنوات لتعويضها عن ارتفاع أسعار الخبز، مشيرا إلى أن الضرائب مرتفعة وبالتالي فإنه لا مجال لرفعها مرة أخرى، ولا سيما أن المواطنين والقطاعات الاقتصادية تعاني من ارتفاع التضخم وتراجع مستويات المعيشة.
وأشار صندوق النقد، في بيانه الصادر الخميس الماضي، إلى أن جائحة كورونا تركت آثارا سلبية على الاقتصاد، فارتفعت البطالة إلى مستويات قياسية عالية واتسعت معدلات عجز المالية العامة وميزان المدفوعات الخارجية.
وقال صندوق النقد إن الدعم المالي سيساعد الأردن على تجاوز هذه التحديات ودعم ميزان المدفوعات، وسيكون حافزا للدعم من الشركاء الآخرين في التنمية، والذي سيكون ضروريا لتمكين الأردن من التعامل مع التأثير الاقتصادي والاجتماعي لـ"صدمة كورونا".
وأشارت وزارة المالية إلى أن الأردن أجرى إصلاحات في مجال إدارة الإيرادات الحكومية تهدف إلى تعزيزها واستدامتها بشكل أكثر عدالة عن طريق مكافحة التهرب الضريبي وسد ثغرات التجنب الضريبي بدلا من رفع أو فرض أي أعباء ضريبية جديدة.
وأعلنت مجموعة البنك الدولي أخيرا أن قطاع الكهرباء يعتبر من المساهمين الرئيسيين في الاختلالات الإجمالية في الاقتصاد الكلي الأردني وأكبر مصدر للمطلوبات الطارئة في الأردن.
وقال الخبير الاقتصادي حسام عايش، لـ"العربي الجديد"، إن العلاقة مع صندوق النقد عادة ما تنطوي على إصلاحات في المالية العامة تستهدف زيادة الإيرادات المحلية لتخفيض عجز الموازنة وإثبات قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه المديونية التي تجاوزت الناتج المحلي بكثير وبلغت مستويات قياسية غير مسبوقة.
وأضاف عايش أن حالة القلق التي تصاحب أي برامج للتعاون ما بين الحكومة وصندوق النقد الدولي مبررة، بسبب أنه مع كل برنامج يتم رفع الضرائب والأسعار ودون أن يساهم ذلك في تحسين الوضع الاقتصادي والحد من الفقر والبطالة وتخفيض المديونية العامة بشقيها الداخلي والخارجي.
وقال إن صندوق النقد والبنك الدوليين ما زالا يطالبان الحكومة بإصلاحات في قطاعي المياه والكهرباء بذريعة تعديل شرائح المستفيدين وتوجيه الدعم إلى الأكثر فقرا لكن في الواقع لمس المواطنون ارتفاعا واضحا في قيمة فواتير الكهرباء والمياه رغم التأكيدات الرسمية بعدم رفع التعرفة.
وبينت دائرة الإحصاءات العامة الحكومية أن نسبة البطالة ارتفعت خلال الربع الأول من العام الحالي إلى 25%، ويتوقع أن تواصل الارتفاع بسبب تداعيات كورونا.