استمع إلى الملخص
- سعت طالبان لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول مثل الصين وروسيا وإيران، وشاركت في مبادرات مثل الحزام والطريق، ووقعت عقوداً لاستخراج النفط ومشروع خط أنابيب غاز تابي.
- رغم النجاحات، تواجه طالبان تحديات في تحسين ظروف المعيشة، مع انتشار الفقر والبطالة، و23.7 مليون شخص بحاجة لمساعدات، بجانب العقوبات واتهامات بانتهاك حقوق الإنسان.
عقب تسلم حركة طالبان إدارة شؤون أفغانستان قبل أكثر من 3 سنوات توقع كثيرون حدوث مزيد من الانهيار الاقتصادي والتدهور المعيشي والمالي داخل الدولة الآسيوية التي عانت ويلات ما يزيد على أربعة عقود من الحروب والتدهور الأمني والتشرذم السياسي والانهيار المالي، كما عانت احتلالاً أجنبياً روسياً وأميركياً غاشماً دام سنوات وشهدت البلاد خلاله نهباً منظماً وواسعاً للثروات من النفط والمواد الخام والمناجم والمعادن والموارد الطبيعية الضخمة.
بنى هؤلاء توقعاتهم على أمور عدة منها حالة العزلة الدولية المفروضة على الحركة وعدم الاعتراف بها منذ عودتها إلى السلطة في أغسطس/آب 2021، وضعف خبرة طالبان السياسية والاقتصادية، وتجميد الولايات المتحدة لاحتياطيات البنك المركزي الأفغاني في البنوك الغربية والتي تزيد عن 9 مليارات دولار، بل إن الرئيس الأميركي جو بايدن أصدر في فبراير/شباط 2022 أمراً تنفيذياً يسمح بمصادرة 7 مليارات دولار من أموال البنك المركزي الأفغاني المجمدة لدى مؤسسات مالية أميركية، وتخصيص نصفها لتعويض عائلات ضحايا 11 سبتمبر/أيلول.
وجفت أيضاً مصادر التمويل الخارجي في ظل شح المساعدات الإنسانية وانهيار المساعدات الإنمائية التي كانت تقدمها دول غربية ومنظمات لأفغانستان واقتصادها قبل وصول طالبان مجدداً إلى السلطة في 2021.
رغم التحديات الكبيرة التي واجهت طالبان، استطاعت الصمود اقتصادياً منذ توليها إدارة البلاد، فقد توقف انهيار الاقتصاد وتحسنت بعض مؤشراته
ورغم التحديات الكبيرة التي واجهت حركة طالبان في السنوات الثلاث الماضية، استطاعت الصمود اقتصادياً منذ توليها إدارة البلاد، فقد توقف انهيار الاقتصاد وتحسنت بعض مؤشراته بشهادة البنك الدولي، وشهدت العملة الأفغانية، استقراراً ملحوظاً في ظل تدفق تحويلات المغتربين وتحسن الإيرادات الدولارية ومواجهة السوق السوداء للعملة، واستقرت أيضاً الأسواق المحلية وتراجع معدل التضخم بشدة، وتدفقت السلع عبر الحدود سواء مع إيران أو باكستان والصين والجمهوريات السوفييتية السابقة.
وللمرة الأولى، وكما تقول مصادر محسوبة على الحركة، تحررت أفغانستان بالكامل من ديون الدول الأربع المجاورة، أوزبكستان وطاجكستان وتركمانستان وإيران، وجرى سداد نحو 90% من الديون المحلية. أما الدين الخارجي فهو في حدود الأمان.
وانفتحت الحركة على العالم الخارجي، ولا سيما دول جنوب شرق أسيا والخليج بهدف استقطاب استثمارات أجنبية وسياح وخلق الكثير من الوظائف والفرص، فقد أقامت كابول علاقات سياسية واقتصادية مع الصين وروسيا وإيران وباكستان وماليزيا وجمهوريات آسيا الوسطى (باستثناء طاجكستان).
واتفقت طالبان مع كازاخستان وتركمانستان على إقامة مركز لوجيستي في غرب أفغانستان يهدف إلى تحويل الدولة إلى مركز إقليمي لتجارة الطاقة وموقع لوجيستي رئيسي للصادرات الإقليمية بما في ذلك النفط الروسي إلى جنوب آسيا. وأبرمت طالبان عقداً مع شركات صينية لاستخراج النفط. وقبل أيام أعلنت أفغانستان، أن العمل سيبدأ على تنفيذ خط أنابيب غاز تابي بقيمة 10 مليارات دولار يعبر جنوب آسيا ويربط بين تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند.
وسعت أفغانستان لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع قوى اقتصادية عالمية منها الصين وباكستان وتركيا، والانخراط في مبادرة الحزام والطريق العالمية وطريق الممر الاقتصادي، ولقيت تلك المبادرات استجابة حين عرضت بكين دعماً اقتصادياً واستثمارات لإعادة إعمار أفغانستان. وتسعى طالبان إلى إقامة علاقات تقارب مع مجموعة بريكس التي تجتمع هذا الشهر في روسيا.
سعت أفغانستان لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع قوى اقتصادية عالمية منها الصين وباكستان وتركيا، والانخراط في مبادرة الحزام والطريق العالمية
وبعد أكثر من ثلاث سنوات من عودة طالبان إلى السلطة، حرصت الحركة على كسر عزلتها عبر التقارب مع معظم جمهوريات آسيا الوسطى من خلال زيادة المبادلات الاقتصادية والتجارية. ونجحت تلك المحاولات، فقبل أيام استبعدت موسكو طالبان من القائمة الروسية للمنظمات الإرهابية في خطوة تعزز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.
داخلياً، شهدت تحويلات المغتربين الأفغان قفزة ليتجاوز حجمها المليار دولار في السنة. وشهد القطاع المصرفي انفراجة وقدرة أكبر على جذب المدخرات وتعبئتها. كما شهدت قطاعات اقتصادية منها السياحة والأعمال والشركات تحسناً ملحوظاً، "فأفغانستان لم تكن آمنة إلى هذا المستوى منذ 20 عاماً كما قال سياح أجانب لمواقع غربية"، وهناك طفرة جرت في ملف عجز الموازنة العامة الذي تراجع بشدة في السنوات الأخيرة.
وتسعى طالبان لجذب استثمارات أجنبية لأفغانستان من بوابة السياحة، وساعد في ذلك حدوث تحسن على الصعيد الأمني، وإمكانية التنقل والسفر ما بين ولايات أفغانستان بأمان رغم بعض التهديدات من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية"، وفي مؤشر على التحسن الأمني عاد ما يقرب من 665 ألف أفغاني من باكستان إلى أفغانستان وفق "هيومن رايتس ووتش".
وعلى مستوى مؤشرات الاقتصاد الكلية شهدت تحسناً سواء من حيث زيادة الصادرات وإيرادات الدولة من الضرائب وغيرها، وسدت السلطات الباب أمام عمليات تهريب الأموال للخارج والتي كانت تقدر بنحو 5 مليارات دولار في سنوات ما قبل العام 2021، وكذا حدَّت من جرائم نهب ثروات الدولة والمال العام والرشوة وغسل الأموال والمخدرات، إذ تملك أفغانستان ثروات معدنية هائلة تقدر قيمتها بنحو ثلاثة تريليون دولار، لكنها تعاني في المقابل عمليات فساد وهجرة الخبرات وضعفاً في البنية التحتية وجفاف التمويل الخارجي.
لا يزال الطريق طويلاً أمام طالبان لتحسين ظروف معيشة المواطن في ظل تفشي البطالة والفقر، وحاجة 23.7 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية
ورغم تلك النجاحات، لا يزال الطريق طويلاً أمام طالبان لتحسين ظروف معيشة المواطن الأفغاني في ظل تفشي البطالة والفقر، ولا يزال هناك ما يقرب من 23.7 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات إنسانية.
ولا تزال العقوبات الدولية المفروضة على الحركة تعرقل خططها في جذب استثمارات خارجية وتنفيذ مشروعات إقليمية، بخاصة أن الحركة لا تزال تفرض قيوداً شديدة على حرية الرأي والتعبير والنساء في العمل وتحظر تعليم البنات، كما تلاحقها اتهامات أخرى تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان.