من المتوقع أن يشهد الغاز الطبيعي المسال فورة في الطلب بمستويات جنونية خلال السنوات المقبلة، حسب تقرير شركة شل العالمية الصادر أول أمس الأربعاء، وهو ما يزيد الطلب على الدول المنتجة للوقود الأزرق وفي مقدمتها قطر والولايات المتحدة وأستراليا.
وبحسب تقرير شل المنشور على موقعها الإلكتروني، يتجه الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال إلى الارتفاع بأكثر من 50% بحلول العقود المقبلة حتى العام 2040، مع تحول الصين والاقتصادات الآسيوية الأخرى عن استهلاك الفحم الأكثر تلويثاً إلى استخدامات الطاقة النظيفة.
وتجبر قوانين البيئة النظيفة شركات المباني والنقل البحري والصناعة على التحول السريع من استخدامات الفحم الحجري والخامات البترولية عالية الكبريت إلى الغاز الطبيعي.
وفي توقعاتها لمستقبل الطلب على للغاز المسال لعام 2024، قالت شركة الطاقة البريطانية الهولندية، إن استهلاك الغاز الطبيعي أو ما يطلق عليه " الوقود الأزرق" في آسيا سيتضاعف، ويعوض تلقائياً انخفاض الطلب في المناطق التي وصل فيها استهلاك الغاز إلى ذروته، كما هو الحال في أوروبا وأستراليا واليابان.
وأشارت شل إلى أن هذا الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي في الصين وجنوب شرق آسيا وجنوب آسيا لاستخداماته في صناعة الطاقة ومحطات توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز سيقود تلقائياً إلى ارتفاع استهلاك الغاز الطبيعي المسال في جميع أنحاء العالم إلى مستويات عالية تتراوح بين 625 و685 مليون طن متري سنوياً بحلول عام 2040.
وحسب بيانات الشركة النفطية، تمثل هذه الزيادة ارتفاعاً بنسبة تزيد عن 50%، أي نحو 404 أطنان مترية من الغاز الطبيعي المسال المستهلكة في جميع أنحاء العالم في عام 2023، وهي زيادة بنسبة 1.8% عن 397 طنًا متريًا من الوقود المسال المستهلكة في جميع أنحاء العالم في عام 2022.
وسيمثل الغاز الطبيعي نسبة 75% من الطلب الآسيوي من الطاقة بالنسبة للمباني والصناعة وفق التقرير النفطي.
وقال ستيف هيل نائب الرئيس التنفيذي لشركة شل للطاقة "من المرجح أن تهيمن الصين على نمو الطلب على الغاز الطبيعي المسال هذا العقد، حيث تسعى صناعتها إلى خفض انبعاثات الكربون عن طريق التحول من الفحم إلى الغاز".
وأضاف "لأن قطاع الصلب المعتمد على الفحم في الصين مسؤول عن انبعاثات تتجاوز إجمالي انبعاثات المملكة المتحدة وألمانيا وتركيا مجتمعة، فإن الغاز يلعب دورا أساسيا في معالجة أحد أكبر مصادر انبعاثات الكربون وتلوث الهواء المحلي في العالم".
يذكر أن الزيادة في الطلب على الغاز المسال في عام 2023، كانت مدفوعة إلى حد كبير بارتفاع الطلب الأوروبي بعد تنفيذ العقوبات على الطاقة الروسية.
وكانت شحنات الغاز الطبيعي المسال هي الوسيلة المثلي لتدفئة أوروبا، بعد توقف غاز الأنابيب المتدفق من روسيا على خلفية عقوبات غربية تم فرضها على قطاع الطاقة الروسي عقب غزو موسكو أوكرانيا في فبراير 2022.
وحسب تقرير شل، ارتفع الطلب على الغاز المسال بنحو 124 طنًا مترياً في العام الماضي، حيث عززت الدول الأوروبية الاستهلاك ونشطت في بناء محطات جديدة للغاز المسال ضمن جهودها للتحول عن استخدام غاز خطوط الأنابيب الروسية.
ويقول التقرير، أدى سعي أوروبا لتقليل اعتمادها على روسيا إلى ارتفاع حاد في واردات الغاز المسال في كل من ألمانيا بنحو (4.6 ملايين طن)، وهولندا (4.1 ملايين طن)، وإيطاليا (1.7 مليون طن)، وفنلندا (1.1 مليون طن)، بعد بناء محطات جديدة لتحويل الغاز المسال إلى بخار وربطه بشبكات الغاز الوطنية بأوروبا.
على الصعيد الآسيوي، يلاحظ أن استهلاك الغاز المسال في الصين تجاوز الآن اليابان، وباتت الصين أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، بزيادة إجمالية في استهلاكها من الغاز الطبيعي بلغت نسبة 8% في عام 2023، وهو ارتفاع أجبر بكين على استيراد 7.9 ملايين طن إضافية من الغاز المسال في العام الماضي.
ويتوقع تقرير شل، أن تصبح الولايات المتحدة وقطر المستفيدين الرئيسيين من الطلب العالمي المتزايد على الوقود الأزرق المسال، حيث يمثل البلدان 80% من المعروض الجديد على الغاز المسال حتى عام 2030.
وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تشهد الولايات المتحدة ذروة استهلاكها من الغاز الطبيعي في ثلاثينيات القرن الحالي. وباتت أميركا بالفعل أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم بعد ثورة النفط الصخري، متقدمة على كل من أستراليا وقطر، حيث شحنت 80 طنًا مترياً من الوقود المسال في عام 2023.
الطلب الهندي يتزايد
على صعيد الطلب الهندي، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية في تقرير صدر يوم الأربعاء، أن ينمو استهلاك الهند من الغاز في مجال تكرير النفط بشكل كبير لمواكبة الطلب المحلي على المنتجات النفطية.
وبحلول عام 2050، تشير إدارة الطاقة الأميركية إلى أن استهلاك الغاز سيرتفع بأكثر من 250% لإنتاج المواد الكيميائية الأساسية وبأكثر من 400% للتكرير، حيث تمثل الصناعتان معاً نحو 79% من الطلب الصناعي على الغاز الطبيعي في الهند في عام 2050. وتعمل الهند على تعزيز طاقتها التكريرية.
وكان وزير الدولة للطاقة، رامسوار تيلي قال للبرلمان الهندي في نهاية عام 2023 إنه يتعين على البلاد إضافة 1.12 مليون برميل من النفط يومياً إلى إجماليها الحالي كل عام حتى عام 2028.
وقال الوزير، تيلي إنه من المتوقع أن يرتفع إجمالي طاقة التكرير الهندية بنسبة 22% في 5 سنوات من 254 مليون طن متري سنوياً، أي ما يعادل حوالي 5.8 ملايين برميل يومياً.
ووفقاً لتوقعات إدارة معلومات الطاقة، من المتوقع أن ينمو الطلب على الغاز في الهند، مدعوماً بتكرير النفط وغيره من الإنتاج الصناعي، بمعدل سنوي 4.4% بحلول عام 2050، أي أكثر من ضعف معدل النمو السنوي لاستهلاك الغاز البالغ 2.0% في الصين.
وفي عام 2022، بلغ استهلاك الهند من الغاز الطبيعي 7 مليارات قدم مكعبة يوميًا، ويأتي أكثر من 70% من الطلب من القطاع الصناعي.
وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يتضاعف استهلاك الهند من الغاز الطبيعي أكثر من ثلاثة أضعاف ليصل إلى 23.2 مليار قدم مكعبة في اليوم، وفقاً لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
ومن بين القطاعات الاستهلاكية الخمسة في الهند التي سترفع الطلب على الغاز المسال، القطاع الصناعي الذي سيرتفع استهلاك الغاز فيه بنسبة تصل 80% من إجمالي الاستهلاك، يليه قطاع النقل الذي يرتفع إلى 10%.
يذكر أن اقتصاد الهند بات ينمو بشكل أسرع من جميع الاقتصادات الكبرى الأخرى، وكذلك الطلب على الطاقة. ومن المتوقع أن تحل الهند محل الصين باعتبارها المحرك الأكبر لنمو الطلب العالمي على الطاقة على المدى الطويل، وذلك ربما يحدث قبل العام 2030 وفق توقعات حديثة.
نقص يصل إلى 12 مليون طن
على صعيد الأسعار، قال مدير موقع "غلوبال إل إن جي هاب"، ديفيد كلانان، المتخصص في أسواق الغاز المسال، في تقرير يوم الأربعاء، على موقعه، إن النقص في الغاز المسال الكافي لتلبية الطلب العالمي سيستمر خلال العام الجاري.
وأضاف كلانان قائلا "إن السوق العالمية ستعاني من نقص في المعروض بما يصل إلى 12 مليون طن في عام 2024، وسط محدودية الإضافات الجديدة في إنتاج الغاز المسال".
وتوقع أن ينمو الطلب على الغاز المسال في أوروبا، وقال إن الأسعار سترتفع في أوروبا، ومن غير المتوقع أن تعود إلى مستويات الأسعار التي كانت قبل حرب أوكرانيا.
من جانبه يتوقع بنك "أيه أن زد"، أن يبلغ متوسط أسعار الغاز الطبيعي المسال الفورية 11.3 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في عام 2024 و14.1 دولارًا لكل مليون وحدة في عام 2025.
أما مجموعة "سيتي غروب" المصرفية الأميركية فتتوقع أن تصل أسعار الغاز الطبيعي المسال لعام 2024 إلى 11.7 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بافتراض استمرار الشتاء المعتدل الحالي في آسيا وأوروبا، وبالتالي انخفاض الطلب على الغاز.
لكن العامل المستجد الذي سيؤثر على أسعار الغاز الطبيعي هو توقعات بتعليق الولايات المتحدة لصادرات الغاز المسال خلال الشهور المقبلة.
في ذات الصدد، يقول بنك أوف أميركا: "هناك معادلة متغيرة لإمدادات الغاز الطبيعي المسال، متوقعاً نمو إمدادات الغاز المسال على أساس سنوي بنسبة 2% في عام 2024، و4% في 2025".
ويقول المصرف، حسب ما ذكرت "ستاندرد آند بورز غلوبال إنتيلجينس"، في تقرير حديث، "في نهاية المطاف، يتجه الاقتصاد العالمي نحو نظام كهرباء يعتمد بشكل أكبر على الغاز الطبيعي المسال والطاقة المتجددة، وبدرجة أقل على الغاز المنقول عبر الأنابيب، ووسط عدم نمو منشآت تخزين الغاز الطبيعي كافية، وببساطة فإن أسواق الغاز والطاقة العالمية ستكون أكثر هشاشة في السنوات المقبلة، وعرضة لتقلبات العرض والطلب العالمي على الغاز.