"طوفان الأقصى" تربك أسواق الغاز... أوروبا في مواجهة اضطرابات الإمدادات وتقلبات الأسعار
ينعم الاتحاد الأوروبي حالياً بمخزون كامل من الغاز الطبيعي، إلا أن هذا قد لا يدوم طويلاً، في ظل الاضطرابات التي قد تشهدها الإمدادات على ضوء الحرب الدائرة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، فضلا عن تجدد إضرابات العمال في مواقع حيوية لإنتاج الغاز في أستراليا، ما يربك المشهد في سوق الوقود الأزرق خلال الفترة المقبلة.
ولا تزال أوروبا شديدة التأثر باضطرابات الإمدادات، بعد أن فقدت معظم شحنات الغاز عبر خطوط الأنابيب القادمة من روسيا في 2022، مما دفع الأسعار إلى مستويات قياسية.
وحذرت وكالة الطاقة الدولية، أمس الثلاثاء، من أن إمدادات الغاز الطبيعي العالمية لا تزال محدودة، حتى مع الانخفاضات الأخيرة في الطلب، وتوقعت أن يرفع الطقس البارد بشكل خاص في موسم التدفئة الحالي مخاطر حدوث المزيد من تقلبات الأسعار.
وقالت الوكالة، في تقرير عن السوق، إن مرافق التخزين في أوروبا ممتلئة تقريباً قبل الموعد المحدد بوقت طويل، لكن "هذا لا يضمن استقرار الأسعار طوال الموسم"، مضيفةً أن "مخاطر تقلب الأسعار، خاصة في حالة فصل الشتاء البارد، أمر يدعو للقلق".
ولا تزال أوروبا شديدة التأثر باضطرابات الإمدادات بعد أن فقدت معظم شحنات الغاز عبر خطوط الأنابيب القادمة من روسيا العام الماضي، مما دفع الأسعار إلى مستويات قياسية. وأدت الأحداث الأخيرة من الإضرابات في منشآت الغاز الطبيعي المسال في أستراليا، فضلا عن اندلاع الحرب بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية مطلع الأسبوع الجاري، إلى ارتفاع أسعار عقود الغاز.
وأشار التقرير إلى أن هذه الاضطرابات تحدث على الرغم من أن أزمة الطاقة التاريخية التي حدثت العام الماضي "بشَّرت بعصر مختلف لأسواق الغاز العالمية"، فقد سجلت أوروبا انخفاضاً قياسياً في الاستخدام، ومن المتوقع أن ينخفض استهلاك الأسواق الناضجة في جميع أنحاء العالم بنسبة 1% سنوياً في الفترة 2022-2026.
وبعد أسبوعين فقط من إنهاء العمال في مشروعي الغاز الطبيعي المسال الأستراليين التابعين لشركة شيفرون الإضراب، يستعدون لجولة أخرى من الإضرابات. ويمكن أن يغادر ما يصل إلى 500 موظف في مشروعي "جورجون" و"ويتستون" الأسبوع المقبل، حسبما أفادت وكالة "أرغوس" المعنية بشؤون الطاقة.
ويأتي التهديد الجديد بعد أن قالت النقابة التي تمثل العمال إن شركة شيفرون تراجعت عن وعودها بالالتزام بالتوصيات التي قدمتها لجنة العمل العادل الأسترالية. وبحسب "أرغوس"، تتعلق الاختلافات بالبدلات والإقامة ورحلات التدريب وتقاسم المقصورة على منصات إنتاج الغاز.
وتبلغ الطاقة الإنتاجية لمشروع "جورجون" 15.6 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً، بينما يمكن لمنشأة "ويتستون" إنتاج 8.9 ملايين طن سنويا.
ويمثل الاثنان معاً أكثر من 5% من الطاقة الإنتاجية العالمية للغاز الطبيعي المسال، وأي انقطاع أو حتى اقتراح انقطاع العرض يؤثر على الفور على أسعار الغاز الطبيعي المسال العالمية.
ويأتي هذا التطور في الوقت الذي تلقت شركة "شيفرون" العالمية تعليمات من سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإيقاف إنتاج الغاز الطبيعي في منصة "تمار"، بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة في ظل الحرب الدائرة. وأدت اكتشافات الغاز قبالة السواحل الفلسطينية المحتلة خلال العقدين الماضيين إلى تحويل إسرائيل من مستوردة للغاز إلى مصدرة له. ويذهب بعض الإمدادات إلى مصر، التي بدورها تصدرها إلى أوروبا التي تبحث بدورها عن بدائل للغاز الروسي.
وفي أغسطس/آب الماضي، قالت إسرائيل إنها ستصدر المزيد من الغاز من حقل "تمار" إلى مصر، لكن عدم اليقين يخيّم على هذه الخطط مع تصاعد التوترات في المنطقة.
ويقع حقل "تمار" البحري على بعد 24 كيلومتراً غرب عسقلان، شمال قطاع غزة. ويتم إنتاج الغاز من ستة آبار في الحقل، ويبلغ إنتاج كل منها حوالي 7.1 إلى 8.5 ملايين متر مكعب يومياً، وفقاً لموقع شيفرون الإلكتروني.
وكانت صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر تبلغ 800 مليون قدم مكعب يومياً منذ يوليو/ تموز وحتى الأحد الماضي، وكانت مصر وإسرائيل قد اتفقتا على زيادة الكميات بنحو 30% بداية من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، قبل التوترات الجيوسياسية في المنطقة، لكن تقارير إعلامية أشارت إلى تراجع الإمدادات بما يقرب الخُمس لتصل إلى حوالي 650 مليون قدم مكعبة يومياً بداية من، الإثنين الماضي، تأثراً بإيقاف إنتاج الغاز الطبيعي في منصة "تمار".
كما تؤثر الحرب على خطط إسرائيل لزيادة التعاون في مجال الغاز مع قبرص واليونان بغرض التصدير إلى أوروبا، ما قد يحرم القارة الباردة من مصدر إمدادات اعتبرته موثوقا خلال الفترة الماضية. فقد اتفقت قبرص واليونان وإسرائيل خلال قمة عُقدت في نيقوسيا في الخامس من سبتمبر/ أيلول الماضي على تعميق التعاون الإقليمي في مجال الطاقة للتركيز على الصادرات الموجهة إلى أوروبا، خصوصا الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة المتجددة.
ورغم اقتراب نسبة تخزين الغاز في الاتحاد الأوروبي من الامتلاء بنسبة 100%، إلا أن هذا المخزون لا يغطي سوى حوالي ثلث الطلب موسم الشتاء الذي يبدأ رسمياً من أكتوبر/ تشرين الأول ويستمر حتى مارس/آذار، حيث تصل قدرة التخزين إلى نحو 100 مليار متر مكعب، تمثل 33% مما تستهلكه بلدان الاتحاد.
وكانت هناك محادثات حول شراء المزيد من الغاز من أذربيجان، لكن هذا النوع من المحادثات فشل بعد الأحداث الأخيرة في إقليم ناغورنو كاراباخ.
وقد تجلى مؤخراً مدى ضعف إمدادات أوروبا من الغاز من خلال تحركات الأسعار وسط النزاع العمالي في منشآت الغاز المسال في أستراليا، على الرغم من أن أوروبا ليست مشتريا كبيراً للغاز الطبيعي المسال الأسترالي، لكن أستراليا هي أكبر مصدر في العالم وأي انقطاع في الإمدادات الأسترالية يؤدي إلى تعطيل الإمدادات العالمية، وفق تقرير، أوردته أمس، نشرة "اويل برايس" الأميركية المتخصصة في الطاقة.
ووفق "أويل برايس" فأن أسعار الغاز في أوروبا أعلى حالياً مما كانت عليه عندما بدأ عمال شيفرون الإضراب في سبتمبر/أيلول الماضي، حيث وصلت الأسعار في اليوم الأول من الإضراب إلى 34.50 يورو لكل ميغاوات/ساعة (وحدة قياس أوروبية)، بينما يتم تداوله بسعر 38 يورو لكل ميغاوات في الساعة لأقرب شهر، في حين يتم تداول عقد التسليم لشهر يناير/كانون الثاني المقبل بسعر 44 يورو.