عام على الطوفان الاقتصادي وحرب الإبادة في غزة

07 أكتوبر 2024
من تظاهرة في لندن تطالب بوقف العدوان على غزة، 5 أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تدمير شامل في غزة: تعرضت غزة لتدمير واسع النطاق خلال عام من حرب الإبادة، حيث فقد أكثر من مليوني فلسطيني منازلهم ومصادر دخلهم، وتم تدمير 70% من المباني، مما أدى إلى انهيار الاقتصاد بنسبة 80% وخلق أزمة إنسانية حادة.

- الأزمة الاقتصادية في إسرائيل: تكبدت إسرائيل خسائر مالية مباشرة بلغت 100 مليار دولار، مع هروب رؤوس الأموال وارتفاع الأسعار والضرائب، وتحول النمو الاقتصادي إلى انكماش، مما زاد من صعوبة تغطية نفقات الحرب.

- تغير الخريطة السياسية والاقتصادية: أدت الحرب إلى تراجع جاذبية إسرائيل للاستثمارات الأجنبية، وتحول المواقف العربية تجاهها، مع مقاطعة واسعة لمنتجاتها وتزايد العزلة الدولية.

في الوقت الذي تشهد فيه غزة حرب إبادة جماعية على مدى عام، فإن إسرائيل تشهد في المقابل ما يشبه الطوفان الاقتصادي. فالجميع تألم بشدة خلال العام الأول من حرب الإبادة التي يشنها مغول وتتار العصر بلا هوادة على أهالي القطاع، وبعدها امتدت إلى الضفة الغربية ولبنان، وإذا كانت قوات الاحتلال قد أعادت قطاع غزة إلى العصور الوسطى واقتصاده إلى نقطة الصفر، وحولته إلى كومة من الركام ومكان غير صالح للحياة والمعيشة، فإن خسائر إسرائيل الاقتصادية لا تقل عن خسائر القطاع المحتل، بل تفوقها كثيراً من حيث القيمة والتأثير والسمعة.

وإذا لم يكن لدى غزة الكثير من الثروات والأموال والإمكانات الاقتصادية لتخسرها قبل اندلاع الحرب، فإن إسرائيل خسرت الكثير، هيبتها وأسطورة تفوقها العسكري، حيث سقط جيشها الذي لا يقهر، وفق مزاعمهم، في ظرف ساعات يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفقدت دولة الاحتلال جاذبيتها للاستثمارات الأجنبية من كل دول العالم.

ومع حرب الإبادة الجماعية تهاوت مقولة أنها المكان الوحيد الآمن للأموال والثروات في منطقة الشرق الأوسط المليء بكل أنواع المخاطر، سواء كانت سياسية أو جيوسياسية واقتصادية واجتماعية، وأنها الرقم الأول في مجال صناعة التقنية وتكنولوجيا المعلومات داخل المنطقة، وأنها استطاعت إدخال معظم الحكومات العربية إلى حظيرة التطبيع، وإبرام صفقات بعشرات المليارات من الدولارات واتفاقات اقتصادية واستثمارية طويلة الأجل.

تهاوت مقولة أن إسرائيل هي المكان الوحيد الآمن للأموال والثروات في المنطقة المليء بكل أنواع المخاطر، سواء كانت سياسية أو جيوسياسية واقتصادية واجتماعية

في غزة كان عام من حرب الإبادة كفيلاً بتدمير كل شيء، فهناك ما يزيد عن مليوني فلسطيني، فقدوا بيوتهم ومصادر دخلهم، وجرى تدمير ما يزيد عن 70% من المباني المدنية والمنشآت، وتوقفت عجلات الإنتاج وانهارت كل الأنشطة الاقتصادية، ودمر الاحتلال المنازل والبنية التحتية والمرافق الخدماتية من شبكات مياه وكهرباء ونقل ومواصلات واتصالات ومستشفيات ومدارس، وتحولت الأراضي الزراعية إلى مخيمات تضم مئات الآلاف من النازحين، وتفشى الفقر والبطالة، وانكمش الاقتصاد بنسبة 80% خلال عام 2024.

وخلفت الغارات الإسرائيلية أكثر من 42 مليون طن من الحطام والأنقاض، وهي كميات تكفي لملء خط من الشاحنات يمتد من نيويورك إلى سنغافورة، وتستغرق إزالتها نحو ثلاث سنوات من العمل، وبتكلفة 700 مليون دولار.

والنتيجة خسائر مالية إجمالية داخل غزة تجاوزت 35 مليار دولار، إلى جانب مليارات الدولارات الأخرى، خسائر غير مباشرة، بسبب فقدان أهالي القطاع فرص العمل، في الخارج أو لدى الاحتلال، وتوقف أنشطة التصدير والمعابر، وحاجة الاقتصاد إلى سبعة عقود كاملة للتعافي. لا أتحدث هنا عن الخسائر البشرية والتي لا تقدر بمال، حيث استشهد ما يقرب من 42 ألفاً أغلبهم من الأطفال والسيدات والعجائز.

على الجانب الآخر كانت إسرائيل تتألم بشدة في صمت، حيث فقدت سمعتها المالية وتصنيفها الائتماني المرتفع وجزءاً من احتياطياتها الأجنبية التي استخدمتها للدفاع عن عملتها الشيكل، وتكبدت 100 مليار دولار خسائر مباشرة عن تكاليف الحرب وغيرها، وتعاملت معها وكالات التصنيف العالمية على أنها دولة نامية هشة اقتصادياً ومالياً، وتعاني من عجز حاد في الموازنة ومستقبل غامض ومخاطر عالية وتضخم مرتفع ومعدلات نمو متدنية، وحالة عدم يقين تهدد الاستثمارات المباشرة.

كما عانى الإسرائيليون من قفزات في الأسعار والإيجارات والضرائب وتكاليف المعيشة. وأغلقت عشرات آلاف الشركات أبوابها وأفلست أخرى، وتحول النمو المرتفع الذي طالما تباهى به نتنياهو إلى عجز وانكماش.

إسرائيل تتألم بشدة، حيث فقدت سمعتها المالية وتصنيفها الائتماني المرتفع وجزءاً من احتياطياتها الأجنبية، وتكبدت 100 مليار دولار خسائر مباشرة

ومع عدم وصول المساعدات الخارجية الكافية تبدو حكومة الاحتلال عاجزة عن تقدير وتغطية نفقات الحرب الباهظة، مع توسعة نطاق المعارك إلى لبنان، وعدم وجود أفق زمني ونهاية لها، ولذا لجأت الحكومة إلى جيوب الإسرائيليين عبر زيادة الضرائب وفرض رسوم جديدة وتقليص النفقات الحكومية، وسط توقعات بانفلات العجز المالي وعدم السيطرة عليه، وبالتالي تتحول إسرائيل إلى دولة مأزومة مالياً واقتصادياً بعد انتهاء الحرب، وذات مخاطر مالية عالية.

كما شهدت دولة الاحتلال خلال عام من اندلاع الحرب هروب مليارات الدولارات من البورصة والسندات وأدوات الدين الحكومية، ومثلها من الودائع في البنوك، وانهيارات في قطاعات حيوية مثل السياحة والطيران والاستثمار المباشر والبناء والتشييد، وتحولت إلى دولة منبوذة عنصرية يفر منها الجميع باستثناء مساندة قوية من تلك الحكومات الغربية التي تدعم جرائم الإبادة وفي مقدمتها الولايات المتحدة. إضافة إلى مقاطعة واسعة لمنتجاتها وسلعها في الأسواق الخارجية.

ببساطة وخلال عام تغيرت الخريطة في منطقة الشرق الأوسط، فقد أدرك الجميع أن إسرائيل ليست حمامة سلام كما تزعم ولن تكون كذلك في يوم من الأيام، وأن المشاريع الاقتصادية التي كانت تروجها على نطاق واسع كان الهدف منها السيطرة والهيمنة على دول المنطقة، وأن بعضاً من بني جلدتنا الذين آمنوا بالتطبيع كانوا يراهنون على حصان خاسر وكيان إلى زوال، وأن الدولة التي يحتمون بها كانت هي نفسها في أشد الحاجة إلى الحماية والدفاع عنها يوم السابع من أكتوبر 2023. بل كانت أوهن من بيت العنكبوت رغم الضربات الجوية القاتلة والجبروت العسكري الذي تبدو عليه في غزة ولبنان.